أحدث الأخبار
الأحد 22 كانون أول/ديسمبر 2024
اصحي يا مصر!!
بقلم : د. ثابت ابو راس ... 20.07.2013

مع أن الدكتور حازم الببلاوي نجح في تركيب حكومة مصرية جديدة إلا أن المشهد المصري أصبح أكثر غموضا بعد إحداث الأسابيع الأخيرة. الخطوة الاخيرة التي أقدمت عليها قيادة الجيش المصري تحت شعار حماية " الأمن القومي المهدد " زادت من حالة الاحتقان والاستقطاب في المجتمع المصري. المشهد الاكثر وضوحا هو تزايد الايدي العابثة في مصر المحاولة للتأثير على الاطراف المختلفة. لكن الاكثر وضوحا هو تقلب السياسية الامريكية كتقلب الطقس بحيث من الممكن وصفها بالوقوف "مع الحيط الواقف ".
مؤسف ان مصر وشعبها يهربون من اصولية اسلامية الى اصولية علمانية وكأن البدائل الأخرى غير قائمة. نستطيع شتم نظام مرسي وننعته بأشد النعوت. الم يكون تيار الاسلام السياسي وراء تغذية ذكاء نار الطائفية في شرقنا الحبيب ؟ كيف تغلغلت مصطلحات مثل شيعي وسني , مسلم ومسيحي الى مجتمعنا العربي من المحيط إلى الخليج ؟ من الرابح من فتح باب الجهاد في سوريا ؟
الاعتقاد السائد ان مرسي ونظامه لم يتركوا خطأ وإلا ارتكبوه على الصعيد المحلي , العربي والدولي. فقد فضلوا حكم المرشد على حكم الشعب وعملوا على اخونة المجتمع لمصري. استفردوا في الحكم. مع العلم أننا لا نستطيع اتهامهم بذلك لكن الحقيقة أن الوضع الاقتصادي زاد سوءا تحت حكمهم. كيف أصبحت مصر " أم الدنيا " التي زودت الإمبراطورية العثمانية كلها بالقمح تستورده اليوم من الولايات المتحدة وأوكرانيا وغيرها. مصر اليوم لا تستطيع تزويد شعبها بال 400 مليون رغيف خبز هي بحاجة لها يوميا.
الاسوأ من ذلك هو ارتباط الاخوان في امريكيا وحليفاتها في المنطقة وعلى رأسها قطر. وإلا كيف نفسر السياسة التي اتبعها الرئيس المعزول مرسي اتجاه قطاع غزة في السنة الأخيرة ؟ أو الحرب الأهلية الدائرة في سوريا. فبعدما عزمت مصر على اخذ زمام المبادرة ودور اقليمي فاعل في الشأن السوري لجانب تركيا, إيران والسعودية رأيناها تتراجع وبسرعة لتقطع لعلاقات مع سوريا الدولة والشعب وليس فقط النظام كما حاول تصويره الرئيس المعزول مرسي. هذا الامر الاخير جاء على ارضية الضعف المخيف التي اظهره حكم الاخوان في ازمة سد النهضة الاثيوبي . الخطير في هذا الأمر أن أثيوبيا والدولة الجديدة جنوب السودان سيحاولان بناء سدود جديدة امام هذا الرد الفاتر للنظام المصري.
من جهة اخرى كيف يقبل اليسار , الليبراليين والحركات السياسية العلمانية في مصر التي صرخت قبل اكثر من سنة "يسقط يسقط حكم العسكر " بالاستنجاد فيهم. في سنة واحده , هي حكم مرسي , لم تشهد مصر يوما واحدا دون مظاهرات أو احتجاجات للعلمانيين. لم يقف نظام الاخوان امام هذه الاحتجاجات ولم يسفك دما. لم تغلق محطة تلفزيونية واحد خلال هذه السنة مقارنة في حكم العسكر الذي اغلق ثمانية محطات في يومه الأول لعزل الرئيس مرسي, كلها تتبع للإخوان المسلمين.
في المقابل كيف يمكن تخوين الإخوان وأتباعهم ؟ الم يصلوا للحكم بطريقة ديمقراطية ؟ كيف يمكن أن نكون ديمقراطيون وفي نفس الوقت ندعم حكم العسكر ؟ تعودنا أن نقول, نحن الفلسطينيون العلمانيون, في الأزمة السورية, حيث تكون أمريكيا وإتباعها في المنطقة لا نكون. وهنا نرى ان امريكيا وإتباعها مثل السعودية , الكويت والإمارات , تضخ المليارات لنظام العسكر حتى قبل انتخاب حكومة مدنية انتقالية ؟ هل كل هذا محبة في الشعب المصري؟؟
يجب تحليل الوضع في مصر دون تشنج. ما حدث في مصر ليس ثورة شعبية. لأنه لم يحدث في التاريخ الحديث ان جلبت ثورة نظاما عسكريا. من جهة اخرى فما حدث في 30 حزيران ليس انقلابا عسكريا كلاسيكيا. لم نر مجموعة من الضباط تستولي على الحكم وتدخل الدولة في حالة طوارئ وإنما عشرات الملايين من المواطنين المصريين خرجوا الى الشوارع مدعومين من المؤسسة الاولى في مصر وفي العالم الاسلامي هي الازهر وباقي اجهزة الدولة يطالبون بالتغيير.
الشعب المصري اثبت انه لن يقبل قمعه وإرجاعه الى الوراء على يد أي كان في الحكم. اخطاء تيار الاسلام السياسي في مصر في السنة الاخيرة كثيرة لها انعكاساتها في مصر وخارجها. انه فشل للخطاب الطائفي السني - الشيعي والخطاب التكفيري. من جهة اخرى لا يمكن الاستهانة بردة فعل المصريين , من مؤيدي تيار الاسلام السياسي , على الاطاحة بأول حكم ديمقراطي في مصر. وخاصة أن هؤلاء مقتنعين بالمؤامرة على الإسلام كدين وحضارة.
للأحداث في مصر تأثير مباشر على الشعب الفلسطيني, ليس فقط في غزة وإنما في كل مناطق تواجده. من المؤسف أن نرى أن حالة التشنج والاحتقان تصل إلى بلداتنا نحن أبناء الأقلية القومية الفلسطينية في إسرائيل. نرى ذلك في نشاطاتنا وعدم إعطاء الزخم المطلوب في قضايا مصيرية نواجهها مثل مخطط برافر وسياسة الاقتلاع والتهجير الإسرائيلية في النقب. أثلج صدورنا رؤية قياداتنا تتصرف كشعب وتمزق اقتراح قانون برافر في الكنيست. خوفي أن الوضع في مصر وسوريا يشغل بال قياداتنا, أحيانا, أكثر من قضايانا المحلية.
أسوأ ما في الأمر هو خطاب التخوين و محاولات تخوين الأخر والتي تزيد من حدة الاستقطاب والاحتقان السياسي. من يخون القائد العسكري المصري وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي مثلا عليه أن يفسر لنا لماذا لا يخون الأزهر ورئيسه الشيخ احمد الطيب ؟ الم يدعموا السيسي بسياسته بدل أن يحافظوا على حياد الأزهر وهيبته ؟ هل يستطيعون تخوين وسائل الإعلام المصرية , الجهاز القضائي الجيش المصري وغيره من الأجهزة والمؤسسات المصرية؟ أو لماذا لا يخون حزب النور السلفي؟
والأسوأ من ذلك كيف تقبل قيادات إسلامية من أخواننا في الحركة الإسلامية رفع صورة الرئيس المعزول مرسي, حتى لو قبلنا انه مظلوم, على جدران المسجد الأقصى؟ أليس في هذا الأمر سابقة لرفع صور أخرى لزعامات عربية أو إسلامية تحاول احتكار المسجد الأقصى؟ لماذا لم نسمع صوت شجب أو استنكار ضد هذه الفعلة؟
على ضوء التطورات الأخيرة في مصر وبداية حالة من الفوضى وحمل السلاح خاصة في شبه جزيرة سيناء, المطلوب اليوم إنهاء عمل الحكومة المنتخبة المدعومة بالعسكر حالا وإجراء انتخابات ديمقراطية جديدة, بمشاركة كل التيارات واحترام حسم الشارع المصري للانتخابات. حان الوقت لقبول شرعية صناديق الانتخابات والتخلي عن شرعية ميادين التحرير ورابعة العدوية.
الشعب المصري قادر على تخطي محنته. لابناءها قدرات اقتصادية وعلمية كبيرة. مشكلة مصر تتمثل بإعادة الثقة بين أبناءها ووحدتهم. وأبعاد التأثير الأجنبي عنها.

1