أحدث الأخبار
الثلاثاء 03 كانون أول/ديسمبر 2024
الهامش يتحرّك!!
بقلم : امال قرامي ... 19.02.2022

قد تتسبّب التحولات السياسية في نظام الحكم والإجراءات المتخذة بعد 25 جويلية في التقليل من شأن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والفكرية،وقد يتعاطى الإعلام مع «سياسات قيس سعيّد» وأتباعه وخصومه بطريقة تجعل «الرئيس» يحتل الصدارة في المشهد الإعلامي فتهيمن مواضيع ذات صلة بتحليل خطاباته وطريقة كلامه وصورته ... في نقاشات «المحللين». ولكنّ ضغط الواقع سرعان ما يذكّر القوم بالقضايا الجوهرية «الحارقة» التي يتجاهلونها.
ففي مقابل ما تروّج له أغلب تليفزيونات الواقع من برامج فاقدة للجودة والمهنية، وما تعرضه أغلب القنوات الخاصة من برامج «ترفيه» تسلعن النساء وتكشف مدى إقبال بعضهن على ثقافة الاستهلاك والتفاهة والهوس بصناعة الجسد المثير... تتحرّك اليوم المهمّشات المنضويات تحت ما يسمّى بالآلية20 من أجل الدفاع عن حقوقهن الطبيعية لاسيما بعد اتساع الفجوة بين الطبقات وتفشّي مظاهر اللاعدالة الاجتماعية. وليس احتجاج القادمات من مختلف الجهات إلاّ علامة على وعيهن بأنّ وقع السياسات التي فرضتها العولمة والمناويل الاقتصادية على حيواتهن يزداد شدّة، وأنّ «الأخطاء» التي ارتكبها «هواة السياسة» طيلة عشرية من الزمن، ستتحمّل الفئات الهشّة تبعاتها، ومن هنا أثبتت المغيّبات والمنسيات أنّ بإمكانهن أن يخترن مواضيع النضال وأشكال الاحتجاج ويحدّدن أزمنته وأماكنه، وأنّ من حقهن أيضا أن يبدين آراءهن في السياسة والاقتصاد وأن يناهضن الرأسمالية العالمية والعولمة، وأن يواجهن أرباب المال الذين يستغلون جهود الناس ويدوسون على آدميتهم وحقوقهم من أجل مراكمة رأس المال والتوسّع وتحقيق الأرباح.
لقد أدركت المهمشات أنّ الدولة تتنصّل من واجباتها ولا تعير وزنا لمطالب النساء المستغلات بل إنّها لا تريد التفاوض أو إيجاد الحلول أو القيام بالتسوية لذلك قرّرت هؤلاء الدخول في إضراب جوع وحشي: «إضراب الكرامة» انطلاقا من 14 - 2 2022- أمام وزارة الشؤون الإجتماعية. فهل سيستمع المسؤولون إلى الزعيمات وهن يشرحن وضعيتهن للمارّين ويحفّزن النساء على الصمود أم أنّهم سيستمرون في تجاهل نساء «لا وزن لهن» بحكم انتمائهن إلى طبقة لا يُحسب لها حساب؟
لا تُطالب المهمّشات بإدماجهن في الوظيفة العمومية وتوفير الحماية الاجتماعية لهن فحسب بل إنّهن يُنزّلن تحركاتهن في إطار منظومة قيمية تختبر التضامن النسائي ومدى إيمان الحقوقيين بحقّ الجميع في المساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية لذلك تهتف النساء عاليا: «حقّي في بلادي» و«حق الزوالي» لا «تراجع ولا خضوع حق الإدماج مشروع...
تلتقي نساء كتب عليهن الوصم: «نساء الآلية 20» بزملائهم وزميلاتهن «فلاحات بلا أرض» في «القصّاب» الّذين دخلوا منذ أسبوع ونيف في اعتصام مفتوح بضيعة المصير فكانوا عنوان الصمود في العراء. ولا مطلب لهؤلاء سوى الحقّ في العمل واستثمار أراضي «الدولة» في مناطقهم، والتي توزّع على المستثمرين على حساب الأهالي الذين يفنون حياتهم في العمل في الأرض. ولكن قرّرت اليوم النيابة العمومية بسليانة إحالة «المشاغبين» على المحكمة، استجابة لدعوى قدّمها «المستثمر» ضدّهم.
تدفعنا الاحتجاجات الأخيرة إلى الانتباه إلى مجموعة من الملاحظات منها :مسارات تشكّل الوعي في سياق الأزمات السياسية والاقتصادية الخانقة، فالمهمشة تعيش أشكالا متعددة من العنف إذ ينظر إلى عملها في البيت وفي الحقل أو المصنع على أساس أنه تافه وغير مثمن، ولا تُؤخذ مطالبها بجدية أمام مطالب قطاعات أخرى فيكون مآلها الحجب. وهذه النظرة تؤكد عدم تقدير عمل النساء في القطاعات الهشة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وإعلاميا، ومنها أنّ تحركات هذه المجموعات النسائية تقوّض التمثلات الاجتماعية التقليديّة التي تعتبر العاملات، والفلاحات و... مجرد أدوات إنتاج، وأجساد للاستغلال فإذا بهنّ فاعلات يخضن نضالهن رغم التعتيم والحجب واسترايجيات التأديب، وسيتحولن على مر الزمن، إلى قوّة تتمرّد على كلّ أشكال الاستغلال، ومنها أيضا تبيّن جغرافية تحركات النساء وسعيهن إلى انتزاع الاعتراف بشرعية نضالهن حتى، وإن خضع النضال لتراتبية تفضي إلى التمييز بين نضال النسويات الذي تغطيه وسائل الإعلام، وبين نضال عاملات المصانع والعاملات الفلاحيات وغيرهن الذي لا يثير فضول الإعلاميين.
إنّ النضال من أجل الحقّ في العمل لا يشمل أصحاب/ات الشهادات العليا، والخبرة والكفاءات و... إنّها مسألة انتماء إلى الوطن وممارسة للمواطنية واستمتاع بالكرامة وتجذير للحرية والمساواة (الأجر العادل والتكافؤ) والعدالة الاجتماعية...
إنّ النضال برهان على أنّ الهامش بدأ يتحرّك فهل أنّ حكومة «بودن» مستعدّة للتعامل معه بطرائق مغايرة؟

1