**عدم اقتران قانون حماية الأسرة بآليات تنفيذ يجعله عاجزا عن توفير الأمن للنساء.
لم يفلح قانون الحماية من العنف الأسري الذي أقره مجلس الأمة الكويتي، في أغسطس 2020، في حماية النساء من العنف المسلط عليهن، ذلك أن النصوص القانونية الواردة فيه لم تقترن بآليات تنفيذ تجعله فاعلا. وينص القانون على إنشاء ملاجئ ومراكز إيواء للنساء المعنفات، وتخصيص خط ساخن لتلقي شكاوى العنف الأسري، لكن ذلك لم يكن موجودا على أرض الواقع.
الكويت – تشهد الكويت واحدة من مظاهرات التحرش الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي التي تحتل مركز الصدارة في جميع أنحاء العالم. وبينما كانت المرأة الكويتية تكافح من أجل حقوقها منذ عقود، اندلعت الحركة الأخيرة بعد مقتل ثلاث نساء في غضون أسبوعين. قُتلت المرأة الأولى برصاص ابن أخيها، وطعنت الثانية حتى الموت على يد زوجها، وآخر امرأة قتلها شقيقها.
بالإضافة إلى ذلك، قُتلت ست نساء خلال العامين الماضيين، في الغالب على يد أقاربهن الذكور ولكن في بعض الأحيان على يد رجال آخرين. وتحوّلت النساء إلى مجرد أرقام في إحصائيات تُستعرض للإشارة إلى ارتفاع معدلات القتل، دون التحقيق في سبب مقتلهن أو إلقاء نظرة فاحصة على هذه القضايا البارزة.
ويربط المحامي هشام الصالح النائب في مجلس الأمة، سبب ارتفاع معدل الجريمة في بلاده بـ”الظروف النفسية المصاحبة لفايروس كورونا”، وأن النساء لم تكن ضحايا الجرائم التي شهدتها الكويت مؤخرا فقط، بل استهدفت الحوادث بعض الرجال وعناصر أمن، على حد قوله.
ولكن الناشطة الحقوقية، هديل أبوقريص تعتبر أن الجرائم تطال المرأة بشكل محدد لـ”ضعف القوانين التي تكفل حقوقها وأمنها”.
ويتفق البرلماني الكويتي مع هذا الطرح، مشيرا إلى أن الكويت بحاجة إلى تفعيل القانون الذي أقرته الدولة، وأنه يجب الالتزام بالمادة التي تنص على تشييد مأوى للمعنفات بعيدا عن مصدر الخطر.
كما أشارت مشاعل الشويحان عضو مجلس إدارة الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية، إلى عدم وجود رادع قانوني ضمن قائمة الأسباب التي تساهم في زيادة معدلات جرائم القتل ضد النساء في الكويت.
وقالت إنه في 20 سبتمبر 2020، أصدرت الكويت قانونا جديدا للحماية من العنف الأسري بعد إقراره في مجلس الأمة، ولكنه لم يطبق بالشكل الذي كان متوقعا.
وأضافت أن ما ينص عليه القانون من إنشاء ملاجئ ومراكز إيواء للنساء المعنفات، وتخصيص خط ساخن لتلقي شكاوى العنف الأسري، والسماح بإصدار أوامر حماية طارئة، غير موجود على أرض الواقع.
وقالت أبوقريص إن “النصوص القانونية الواردة فيه لم تقترن بآليات تنفيذ تجعله فاعلا”، وكذلك تؤكد الشويحان التي تقدمت وجمعيتها بطلب لوزارة الداخلية بتشييد مراكز إيواء.
وأشارت الشويحان إلى ضرورة التطبيق الفوري لنصوص القانون، على أن تتضمن توسيع صلاحيات الشرطة المجتمعية والسماح لها باقتحام المنازل.
وأكدت أنه إذا كان ذلك حدث على أرض الواقع، كان بالإمكان منع جريمة التيماء التي شهدتها الكويت، الخميس 2 سبتمبر 2021.
وفي جريمة التيماء، وصل رجال الأمن إلى منزل الضحية وطلبوا من الجاني إثبات أن شقيقته لا تزال على قيد الحياة، ليدخل المنزل ويقتلها قبل أن يعود إلى تسليم نفسه.
وعلقت الشويحان قائلة “لا بد من تفعيل قانون العنف الأسري وزيادة الوعي لدى العناصر الأمنية حول هذا النوع من الجرائم”.
وترى الشويحان أن عدم إبلاغ الضحايا عن العنف هو ما يؤدي في النهاية إلى جريمة القتل، موضحة أن المرأة المعنفة تخشى الإفصاح عن ذلك بسبب طبيعة المجتمع، وخوفا من انتقام الجاني من فرد آخر من أسرتها”.
وفي ما يتعلق بجريمة العارضية، تقول الشويحان إن الضحية لم تبلغ الشرطة أبدا بتعنيفها، فيما علم عناصر الأمن بالجريمة بعدما سلم الجاني نفسه، كما قالت إن بلاغ السلطات كان وسيلة لمنع جريمة الأحمدية أيضا.
وفي السابع والعشرين من أغسطس الماضي، قتل رجل زوجته في منطقة العارضية ثم سلم نفسه إلى السلطات. ولم تعلن وزارة الداخلية تفاصيل الجريمة، لكن صحف كويتية، نشرت نقلا عن مصدر أمني أن الجريمة وقعت عقب خلاف عائلي بين الزوجين، وهما في العقد الثالث من العمر، حيث استل على أثره الزوج سكينا وانهال على زوجته طعنا حتى أرداها قتيلة.
وفي الثالث والعشرين من الشهر نفسه، طارد رجل زوجته ووالدتها بسلاح ناري في مدينة صباح الأحمدي وقتل والدة زوجته برصاصة في ظهرها.
ويدعو قانون حماية الأسرة، الذي أقره مجلس الأمة الكويتي في أغسطس 2020، إلى إنشاء لجنة وطنية لحماية الأسرة من شأنها أن تضع تدابير للتصدي لانتشار العنف الأسري في الكويت. كما نص القانون على وجوب خضوع المشاركين في قطاع حماية الأسرة للتدريب اللازم، وتفعيل دور ملجأ للعنف الأسري يقدم خدمات إعادة التأهيل والاستشارة للناجيات من العنف الأسري أيضا.
وفي ذلك الحين قوبل هذا القانون بالترحاب باعتباره انتصارا لإلغائه المادة 153 التي تعاملت مع جرائم الشرف على أنها جنحة يحكم فيها على الجاني، كحد أقصى، بثلاث سنوات سجن أو غرامة صغيرة. ورأى الخبراء أن كل شيء أفضل من تشريع جرائم الشرف.
وعلى الرغم من أن هذا القانون قد أقرّ منذ أكثر من عام، فإن حماية الأسرة لا تزال مجرد حبر على ورق، ولا يزال الإخفاق في حماية النساء من الوقوع ضحايا للعنف الأسري مستمرا بلا هوادة.
وكان غياب مثل هذه الحماية هو ما أنهى حياة فرح حمزة أكبر في وقت سابق من هذا العام. وكانت فرح قد قُتلت في أبريل بشكل مروّع على يد رجل كانت قد رفعت قضيتين ضده في السابق بتهمة الاختطاف والشروع في القتل. واصطدم الجاني فهد صبحي محمد الذي كان يطاردها ولم يكن يعرفها هي أو عائلتها، بسيارة فرح وخطفها وابنتيها وطعنها في صدرها قبل أن يلقي جثتها أمام المستشفى، وتركها هناك لتموت.
وشاركت دانا أكبر، شقيقة فرح أكبرومحاميتها، مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تقول فيه إنها حذرت المدعي العام عدة مرات من أن حياة أختها في خطر. وبحسب دانا، حاول مرتكب الجريمة اختطاف فرح وإيذائها في مناسبات عديدة. واعتقل مرتين ثم أفرج عنه بكفالة في كل مرة ثم قتل فرح.
وتسببت الجريمة النكراء في موجات صدمة في جميع أنحاء الكويت، مما أدى إلى احتجاج كبير على الرغم من أن الصيف كان على أشدّه، بعد ظهر شهر رمضان. ودعا المتظاهرون إلى إصلاح القوانين القائمة، ووضع آليات حماية أفضل لضحايا العنف وسن قانون حماية الأسرة فعليا.
وأدى الجدل الذي أعقب وفاة فرح إلى تنامي الحركة المناهضة للتحرش الجنسي التي برزت بالفعل في وقت مبكر من العام، عندما نشرت مدونة الموضة المؤثرة آسيا الشمري مقطع فيديو مؤثرا تعبّر فيه عن غضبها من الرعب من مطاردة الرجال للسيارة، وهو شكل شائع من المضايقات في الكويت. ودعت إلى آلية للإبلاغ عن التحرش الجنسي قائلة “إنها خطوة ضرورية في هذا البلد ولا يكفي أن تقول إنك ضده”.
وانتشر الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي، مما دفع العديد من النساء للتعليق وأدى إلى محادثات “حساسة ثقافيا” حول التحرش الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
بعد فيديو الشمري، أطلقت الدكتورة شيماء شامو حملة توعية على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار”لن أسكت” وخلقت مساحة افتراضية آمنة أعطت النساء الفرصة لمشاركة شهادات مجهولة من التحرش أو الإساءة، وتشجيع المزيد من النساء على الكلام.
لكن الغضب الذي حدث والهاشتاغات المختلفة لم تسفر سوى عن وعود جوفاء قدمها العديد من أعضاء البرلمان. اقترح النائب السابق يوسف الفضالة (الذي استقال من البرلمان في أبريل) تطبيقا للهاتف المحمول برعاية الحكومة مصمم لتوثيق حالات التحرش وتسجيلها. واقترح النائب الدكتور عبدالعزيز الصقبي تعديل قانون العقوبات بإضافة عقوبات تصل إلى السجن لمدة عام وغرامة قدرها 3000 دينار كويتي. كما اقترح النائب عبدالله المضف إضافة إجراءات عقابية إلى قانون العقوبات بمهلة ثلاثة أشهر للسلطة التنفيذية لتفعيل هذه القوانين.
وبعد مرور ثمانية أشهر تقريبا، لم يُتخذ أي إجراء بشأن أي من المقترحات المذكورة أعلاه.
لكن في أواخر سبتمبر، أصدر وزير التجارة والصناعة المدير العام للهيئة العامة للقوى العاملة عبدالله السلمان توجيهات لإنهاء التمييز في القطاع الخاص وتجريم التحرش في مكان العمل. وتعدّ هذه الخطوة التي طال انتظارها واعدة نحو إنشاء بيئة عمل أكثر أمانا للمرأة. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير للقيام به.
على الرغم من أن قانون حماية الأسرة قد أقرّ منذ أكثر من عام، إلا أنه لا يزال مجرد حبر على ورق، ولا يزال الإخفاق في حماية النساء من الوقوع ضحايا للعنف الأسري مستمرا بلا هوادة
على الرغم من أن قانون حماية الأسرة قد أقرّ منذ أكثر من عام، إلا أنه لا يزال مجرد حبر على ورق، ولا يزال الإخفاق في حماية النساء من الوقوع ضحايا للعنف الأسري مستمرا بلا هوادة
مسؤولية حكومية
وأشار بيان صدر مؤخرا عن اللجنة البرلمانية لشؤون المرأة والطفل والأسرة المتكونة من الرجال فقط إلى أن قتل الإناث ليس مسألة تشريعية بل مسألة مجتمعية، وإلى أن منع العنف ضد المرأة يبقى مسؤولية حكومية. وليست هذه الاستجابة المُقدّمة كافية بينما تشهد البلاد زيادة مقلقة في قتل الإناث.
وعلى الرغم من وجود برلمان غير صامت وصحافة حرة، تتخلف الكويت عندما يتعلق الأمر بسن تشريعات لحماية حياة نسائها. وبعد أكثر من عام وست قتيلات، ما زلنا نرى الموقف نفسه في البرلمان والمجتمع تجاه العنف ضد المرأة، وهي طريقة ملائمة للتغاضي عن هذه المأساة دون إدانة ومحاسبة المسؤولين.
وترتفع معدلات الجرائم العائلية بحق النساء في الكويت، لتصل إلى جريمتين في الشهر. هو رقم كبير بالنسبة إلى بلد صغير مثل الكويت حيث تتعرض النساء إلى القتل على يد الأخ في غالبية الحالات، نتيجة وجود خلافات أسرية ومحاولة بعض الإخوة فرض أسلوب حياة معين على أخواتهم.
تقول الناشطة في حقوق المرأة شيخة العلي “تشير الإحصاءات إلى ارتفاع عدد جرائم القتل تجاه المرأة داخل العائلة في الكويت بشكل كبير جداً. وقد وصل المعدل إلى جريمتين كلّ شهر يجري التأكد منهما، فيما توجد حالات أخرى يتم التستر عليها في المستشفى أو التلاعب بتقارير الطب الشرعي فيها”. وتؤكد العلي أنّ تصاعد العنف ضدّ المرأة يعود إلى سببين، الأول شيوع الفكر التحرري بين النساء، ورغبة الكثيرات منهنّ في التخلص من قيود العائلة والقبيلة، وهي قيود تشمل التحكم في حرية الحركة، واختيار نوع الوظيفة، وغيرها. أما السبب الثاني فهو تصاعد القيم الذكورية في المجتمع، وما ينتج عنها من تحريض متعمّد للأخوة المراهقين على أخواتهم الأكبر سنا منهم.
وكان قانون الجزاء الكويتي يخفف الحكم على قاتل المرأة لدواعٍ “أخلاقية” بالسجن ثلاثة أعوام وغرامة بقيمة 45 دولاراً، حيث كانت المادة 153 ملاذا لمجرمي الشرف.
وبدأت أول مطالبة بإلغاء المادة 153 عام 2005، عندما حصلت المرأة الكويتية على حقها السياسي في الترشح للبرلمان، فبدأت مجموعة ناشطات كويتيات بحملة للمطالبة بإلغاء مادة من القانون تخفف من عقوبة الرجل الذي يقتل امرأة تحت ذريعة “حماية الشرف”.
وضمّت المجموعة العنود الشارخ وشيخة النفيسي ولولو الصباح وسندس حمزة وأميرة بهبهاني، وانضمت إليهن لاحقاً نوار البراك وشروق بورحمة وفرح سوري ونور المخلد.
وذكرت سندس حمزة، العضوة المؤسسة في حملة إلغاء المادة 153 والناشطة الحقوقية والعضوة المؤسسة في فريق “إيثار” التطوعي أنه بسبب المادة يمكن “لخلاف شخصي أن ينهي حياة امرأة، ويمكن للمجرم الإفلات من العقاب بذريعة أنها جريمة قتل للدفاع عن الشرف”.
لا أحد يهتم كثيرا لقتل النساء بدافع الشرف في الكويت!!
بقلم : الديار ... 19.10.2021
*المصدر: العرب