يعاني الكثير من الأزواج حالة من الروتين والملل والفتور التي تصيب العلاقة بين الزوجين بسبب ضغوط الحياة والمسؤوليات التي يكابدانها والتي تكون دافعا في الكثير من الأحيان إلى زيادة الخلافات بينهما، ويشدد خبراء العلاقات الزوجية على ضرورة أخذ طرفي العلاقة إجازة نظرا لما لها من فوائد في تجديد العلاقة بينهما.
وأفادت الدكتورة صابرين جابر، الكاتبة والباحثة المصرية في العلاقات الأسرية، أن أي علاقة زوجية تحتاج إلى إجازة، بالاتفاق بين الطرفين على مدة محددة، لكسر حالة الملل والروتين الزوجي.
وأضافت جابر في أحد البرامج التلفزيونية، أنه على الزوج والزوجة اتخاذ قرار بقضاء إجازة لفترة في أيّ مكان هادئ بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية وروتين الحياة الزوجية، مع عدم التواصل أو الاتصال بينهما خلال فترة الإجازة بينما يخصص وقت ليتمكن الطرفان من الاطمئنان على بعضهما، دون الدخول في تفاصيل الحياة اليومية، والتركيز على الهدف الرئيسي من تلك الإجازة وهو تجديد المشاعر.
وتابعت أنه عند العودة من الإجازة وفترة التباعد، لا بد من اتخاذ وقت لتجديد المشاعر الرومانسية لأنها هي الهدف الأساسي من تلك الإجازة. وشددت المختصة المصرية على ضرورة تحديد الهدف من قضاء الإجازة، لكي يتم تجديد العلاقة الزوجية وتنشيطها مرة أخرى حتى تستمر الحياة دون ضغوط أو مشكلات بينهما، مع البعد كل البعد عن الحديث في المشاكل التي تعرضا لها خلال الإجازة، وفق تعبيرها.
وشدد المختصون على ضرورة جلوس الزوجين سويا ومناقشة موضوع الإجازة للوصول إلى اتفاق على مدة الإجازة ومكانها. كما أشاروا إلى أن الإجازة الزوجية يجب أن يرافقها التخفيف من التواصل هاتفيا، أي عدم ملاحقة كل من الطرفين الآخر بالهاتف ولكن يفضل أن يكون عدد مرات التواصل في اليوم مرتين فقط، مرة في الصباح ومرة في المساء للاطمئنان على بعضهما بعضا، كما يفضل ألا تتجاوز مدة الإجازة الزوجية الأسبوعين.
وأكدوا أن الهدف من الإجازة الزوجية هو تجديد المشاعر فلا تجب العودة من الإجازة والحديث عن المشاكل مباشرة، بل يمكن أن يقضيا أسبوعا بمحبة ومشاعر ومن ثم يناقشان ما يريدان مناقشته وحله.
وأوضح الخبراء أنّه خلال هذه الفترة یختلي کل طرف بنفسه، ویحاول أن یعید ترتیب أوراقه، لیس بقصد البحث عن عیوب الآخر، بل بقصد تلمس الأعذار له وذلك بسبب الشعور بالاشتیاق إلیه، الذي یولد بعد أیّام قلیلة من الابتعاد.
وأشاروا إلی أن الاسترخاء وعدم التقید بروتین الحیاة والمسؤولیات والابتعاد عن التوتر والمواجهات والصراعات الیومیة تعود على العلاقة الزوجیة بثمار رائعة، فالمدة التي تمرّ کفیلة بإنعاش الذاکرة، واستدعاء المشاعر الحلوة التي کانت مغیبة عن الزوجین تحت وطأة الإیقاع السریع والثقیل للحیاة الزوجیة.
وأفاد الدکتور جاسم المرزوقي استشاري الطب النفسي، أن الإجازة الزوجیة تمنح الزوجین فرصة استعادة الحسابات واکتشاف شخصیة الآخر عن بعد، وتفجر بداخلهما طاقات لم یكتشفاها من قبل ولکن بشروط أهمها ألا تطول مدتها حتى لا تزید مشاعر الحریة لدى الزوجین، وهي مشاعر یستحسنها الإنسان بعیداً عن الالتزامات الیومیة، والواجبات التي لا تنتهي تجاه الآخر فتضخم مشاعر الحریة المفاجئة ویصعب معها تقلص هذه المشاعر.
ولفت إلی أن الإجازة تحد من مظاهر السلوكيات السلبية التي ترافق اجتماع الزوجین دائماً في مكان واحد لأوقات طویلة وهذا الأمر یولّد مشاعر الملل والرغبة في الهروب من شریك الحياة، فالابتعاد یؤدي إلى تأجیج الحیاة العاطفیة والاشتیاق.
ونبه إلى أنه إذا جاءت هذه الإجازة بسبب کثرة الخلافات والمشاحنات الزوجیة، فإن ابتعاد الزوجين عن بعضهما يعتبر قرارا غیر مدروس، ویكون فقط من أجل الابتعاد عن المشکلات وتأجیلها ولیس حلها، لافتا إلى أن أخذ إجازة طویلة مهما کانت مدتها، لن یؤدي إلى حلّ المشكلة بل سیقود إلى تراکم المشاكل، فیعود الطرفان إلى نقطة الخلاف.
ويرى المختصون أن الزوجين إذا كانا على قدر کبیر من الوعي والثقافة أصبحا أکثر تقبلا لفكرة الإجازة الزوجیة والتعامل معها على أنها وسیلة تتیح للزوجین متّسعا من الوقت لمراجعة ما مرا به من أزمات ومواقف، وإنعاش مشاعرهما العاطفیة خاصة إذا کانت هذه الفترة اختیاریة.
ويمكن أن يساعد انفصال الزوجين المؤقت على إعادة الدفء إلى حياتهما، ويرى الخبراء أنه يمكن أن يجعل الزواج أكثر حميمية وأمانا ويضيف المزيد من الدفء على علاقتهما، محذرين من أن الإجازة التي يبتعد فيها أحد شريكي الحياة بسبب الغضب والهروب من الواقع، قد تكون فرصة لزيادة الغضب واتخاذ قرارات عشوائية قد تنتهي بالانفصال.
وقال المختصون إن هذه الإجازة ضرورية خاصة إذا كان الزوجان يمران بأزمة ما يسمّى الطلاق الصامت، فإن الأفضل هو أن تؤخذ هذه الإجازة تباعا، بمعنى أن يغادر أحدهما المنزل وحينما يعود يغادر الآخر؛ حتى لا يختل توازن الأسرة والأبناء، والأهم أن يكون ذلك بالاتفاق مع الشريك، إضافة إلى أنَّ الوضوح والصراحة والحوار الهادئ أمور مطلوبة بين الزوجين، خصوصاً عند التعرُّض للأزمات الزوجية التي تتطلب حلاً مرضياً لكلا الزوجين.
ولفتوا إلى أن الإجازة الزوجية تعد حلا وقائيا يمكن أن يحافظ على استقرار الحياة الزوجية ويمنع انحدارها إلى مرحلة الطلاق الصامت، حيث إنها يمكن أن تتيح البعد عن نمطية العلاقة وتقييد العادات وكثرة الالتزامات الضاغطة.
عند العودة من الإجازة وفترة التباعد، لا بد من اتخاذ وقت لتجديد المشاعر الرومانسية لأنها هي الهدف الأساسي من تلك الإجازة
وحذّر الخبراء من خطورة طول مدة الإجازة الزوجية وتكرارها على العلاقة بين الزوجين، حيث إن ذلك قد يكون مؤشرا على عمق الخلافات الزوجية وفقدان أساليب العلاج التي يتبعانها، وبذلك كلما نشب خلاف بينهما يكون الانسحاب الخيار الأفضل لهما، مما يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلات.
ويتقبل الكثيرون في المجتمعات العربية إجازة الزوج في حين لا يتقبلون هذه الخطوة إذا طالبت بها الزوجة التي هي في حاجة أكثر إلى هذه الإجازة للراحة والاسترخاء والتخفيف من أعباء العمل المنزلي ومسؤوليات الأبناء.
وأكد المختصون أن هذه المجتمعات تعطي الرجل الحق في الإجازة الزوجیة والسفر مع الأصدقاء والابتعاد عن المسؤولیة الأسریة ولكنها تسلب المرأة هذا الحق، وتتهمها بأنها غیر قادرة على تحمل المسؤولیة، لافتين إلى أن الرجل الشرقي یعتبر مطالبة زوجته بإجازة من الحیاة الزوجیة انتقاصا لرجولته، ولا یعترف بفاعلیتها.
وترفض بعض الزوجات فكرة الإجازة الزوجية، معتبرات أن ابتعاد شريك الحياة عن الأسرة لأكثر من أسبوع قد يؤدي إلى تأقلمه مع الوضع الجديد الذي يكون فيه أكثر حرية وابتعادا عن ضغوط الحياة الأسرية اليومية ومشكلاتها.
كما يرى البعض أن الإجازة من شأنها إحداث الفجوة والشقاق بين الزوجين، لأنها عادة ما تأتي على إثر الملل والرتابة، ما يدفع الشخص إلى الابتعاد متناسيا مشكلات الطرف الآخر، وهنا تقل درجة الاهتمام والارتباط النفسي بين الزوجين.
وأكدت الأستاذة مروى بن عرفي الأخصائية والمعالجة النفسية في تونس أنه في خضم نسق حياة متسارع يعرف العديد من الضغوط والتغيرات التي لها تأثير نفسي واجتماعي على العلاقات وخاصة على وقع الحياة الزوجية.
وأوضحت بن عرفي لـ”العرب” أن العلاقة بين الزوجين أصبحت تعاني من الفتور والروتين بسبب انشغال كل طرف بتلبية احتياجاته والقيام بمسؤولياته مما أثر سلبا على حياتهما المشتركة وعزز الضغوطات والخلافات، فكان لا بد من خلق فسحة لكسر الروتين.
وأضافت أن ذلك يتم من خلال برمجة إجازة موحدة لكسر نمط الحياة الروتيني وتجديد طاقة الحب والانسجام بين الزوجين، مما يجعلهما ينعمان بالراحة في مكان وزمان بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية، ويكون هذا دافعا ومحفزا لمواصلة البذل والعطاء من جديد وإحياء شعلة الحب بينهما.
ولا ترى المختصة التونسية أن أخذ كل طرف في العلاقة الزوجية إجازة منفردا سيفيد الطرفين، مشيرة إلى أنه في مقابل ذلك سيكون له أثر سلبي على علاقة الزوجين الحميمية.
ونبهت إلى أنه يمكن لكل طرف أخذ مساحة خاصة به لممارسة الأنشطة التي يحبها دون الحاجة إلى انفصال الزوجين المؤقت الذي تعتقد أنه يمكن أن يخلق أزمة ثقة بينهما في المجتمعات العربية.
العلاقة الزوجية تحتاج إلى إجازة لكسر حالة الملل والروتين!!
بقلم : حسينة بالحاج أحمد ... 09.11.2020
*المصدر : العرب