»لو سكت من لا يعرف لقلَّ الخلاف«...ابن رشد
كلما تصاعد نضال المرأة الفلسطينية، لنيل حقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية، وكلما حاربت التمييز الظالم ضدها؛ اشتدت الهجمة عليها، وكلما أحرزت النساء بعض المكتسبات، على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو الدولي؛ ارتفعت أصوات تقلل من شأن هذه المكتسبات، بدعوى أنها مشبوهة، وأن الغرب وراءها، وبدأت حملات التشكيك بالنساء الرياديات، وبالمؤسسات التي تعمل لتمكين النساء سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ثم بالقوانين والتشريعات التي تنصف النساء بعض الشيء، والاتفاقيات الدولية، التي تعتبر حقوق المرأة حقوق إنسان، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي تكرِّس مبدأ المساواة والإنصاف، وتحترم كرامة الإنسان.
تزامنت حملات التشويه والتشكيك والتحريف للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، هذا العام، مع الاحتفال بإعلان الاستقلال، في 15 تشرين الثاني، وإطلاق حملة 16 يوماً، التي بدأت يوم 25 تشرين الثاني، وهو اليوم العالمي للقضاء على العنف، وانتهت يوم 10 كانون الأول، وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
وهنا لا بد أن نتساءل، ونحن نشهد تلك الحملة التحريضية الشرسة، ضد الاتفاقية: إلى أي مدى يؤمن المواطن/ة الفلسطيني/ة بما جاء في إعلان الاستقلال الفلسطيني بشأن المرأة، عام 1988، وما جاء في القانون الأساسي الفلسطيني، من تأكيد على مبدأ المساواة الكاملة في الحقوق، والعدل الاجتماعي، وعدم التمييز، في الحقوق العامة، على أساس عرقي أو ديني أو جنسي، في ظل دولة تستند إلى القانون والقضاء المستقل؟
وإلى أي مدى تتغلغل ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع الفلسطيني؟
ما الذي استوجب اتفاقية تخصص لإلغاء التمييز ضد المرأة، عام 1979؟ مع أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، عام 1948، وفي المادة 2 تحديداً، أكَّد على حق البشر كافة، بالتمتع بالحقوق والحرِّيات، التي وردت في الإعلان، دون أي تمييز من أي نوع؛ جنسي، أو عرقي، أو ديني، أو سياسي، أو طبقي.
كما أن العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، 1976 (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) - الملزمان للأطراف الموقعة عليهما -، أكّدا على ضمان مساواة الرجل والمرأة في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية.
كان لا بد من اعتماد اتفاقية تخص المرأة، بسبب استمرار التمييز ضد النساء، وبسبب استمرار الانتهاكات لمبدأ مساواة المرأة والرجل، وتصاعد نضال النساء عبر العالم، ضد التمييز، والعنف، والاستعمار، والاحتلال الأجنبي، ولذلك جاءت الاتفاقية لتربط بين أنواع التمييز كافة؛ بين التمييز ضد النساء ومحاربة الفقر، بين التمييز ومحاربة البغاء، ومنع التجارة بالمرأة واستغلالها، بين التمييز والحق في التنمية، والحق في التعليم، والحقوق الملكية، والحق في المعاملات المالية، والحق في الرعاية الصحية، بين التمييز واستئصال الفصل العنصري، ومحاربة الاستعمار، ودحر الاحتلال الأجنبي:
»لا بد من استئصال شأفة الفصل العنصري وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري والاستعمار والاستعمار الجديد والعدوان والاحتلال الأجنبي والسيطرة الأجنبية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، إذا أريد للرجال والنساء أن يتمتعوا بحقوقهم تمتعا كاملاً«.
نعم، هو مفهوم متكامل للمساواة، حيث وسَّعت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز (سيداو) حقوق الإنسان، وركزت على أثر الثقافة والتقاليد في تقييد حقوق النساء، وطالبت الدول التي وقَّعت عليها باتخاذ الإجراءات والتدابير القانونية الكفيلة بتحقيق المساواة، وإلزامهم بتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية السلوكية للمرأة والرجل، وكل ما يدل أو يشي بأن أحد الجنسين أعلى أو أدنى من الآخر، للقضاء على أشكال التمييز كافة، وتكريس المساواة، واحترام الكرامة الإنسانية.
وشوشة:
لا يوجد ذكر في الاتفاقية للعديد من الموضوعات التي تم الاعتماد عليها لمحاربة سيداو، أو رفضها، أو الدعوة للتحفظ على بعض بنودها، بعد التوقيع عليها دون تحفظ!
لا يوجد بند يتعلق بالإجهاض بشكل مطلق، أو يبيح العلاقات بين الجنسين خارج الزواج، ولا يوجد بند يتعرّض لتماسك النسيج الاجتماعي للأسرة الفلسطينية.
لا يفيد الاستشهاد ببنود تقارير مجتزأة من سياقها، تم ربطها باتفاقية سيداو، في محاولة لتأليب المواطنين عليها، لغايات ليست دينية؛ وإن تسترت بالدين.
أضم صوتي إلى الأصوات التي دعت لقراءة الاتفاقية، ومناقشة بنودها، والحوار حولها، بعقل مفتوح وقلب مفتوح.
هي دعوة للمصادقة على مشروع قرار بقانون حماية الأسرة من العنف، ومشروع قانون العقوبات، ومواءمة التشريعات في فلسطين مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها دولة فلسطين، ونشر اتفاقية سيداو، في الجريدة الرسمية.
هي دعوة ليس للانتصار للمرأة فحسب، بل هي دعوة للانتصار لقيم العدالة والإنصاف والحق؛ حيث إدماج مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في القوانين الفلسطينية، وفرض العقوبات على أي إجراء تمييزي ضد المرأة، وفرض الحماية القانونية لحقوق المرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص، وتغيير أو إلغاء القوانين، والأنظمة، والأحكام الجزائية التي تشكل تمييزاً ضد النساء.
هي دعوة للانتصار للمبادئ الإنسانية للبشر كافة.
لا عودة إلى الوراء: معاً للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة!!
بقلم : فيحاء عبد الهادي ... 13.01.2020
*المصدر : : مركز مساواة المرآه