جنيف - أصدر المرصد الأورومتوسطي اليوم تقريراً مفصلاً تناول التهديدات التي تواجه المرأة الليبية التي تتزوج من أجنبي والتشريعات التي تقيد هذا الزواج بشكل تعسفي، وتترك زوجها وأولادها بلا حق في الحصول على الجنسية الليبية، فيما تمنح هذا الحق للشخص الليبي الذي يتزوج من أجنبية، في سياسة اعتبرها الأورومتوسطي تمييزيةً "وأدت إلى نمو الاضطهاد المجتمعي الذي تتعرض له المرأة المتزوجة من أجنبي وعائلتها في ليبيا".
واستعرض المرصد الدولي – مقره جنيف – في تقريره الذي حمل عنوان "المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي: زواجٌ مضطهَد، وأطفالٌ بلا جنسية" أهم الإشكاليات والمضايقات التي تتعرض لها النساء الليبيات المتزوجات من أجانب، ورصد العوائق القانونية ووثق شهادات عدد من النساء الليبيات اللواتي تعرضن للاضطهاد والتمييز والمعاملة السيئة والمهينة من عوائلهن ومحيطهن الاجتماعي بسبب قراراتهن المتعلقة بالزواج من رجل أجنبي.
وبيّن الأورومتوسطي أن القوانين الليبية اشترطت لحصول المرأة الليبية على عقد الزواج من غير الليبي (وكذلك الشرط بالنسبة لليبي الذي يرغب بالزواج من غير ليبية) موافقة لجنة تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية في حال كان الزوج عربياً، وموافقة جهاز الأمن الخارجي في حال كان الزوج غير عربي، وذلك بحجة أن السماح بذلك يمثل مساسًا بالتركيبة الديمغرافية للمجتمع الليبي وخطرًا على الأمن القومي للدولة الليبي.
وأشار المرصد الأورومتوسطي في تقريره إلى أنه وخلافاً لليبي الذي يتزوج من غير ليبية، لا يحق لأبناء الليبية المتزوجة من أجنبي التمتع بجنسية أمهم إلا وفق تعقيدات تفضي غالباً إلى أنهم يصبحون – ما لم يحصلوا على جنسية والدهم- أطفالاً عديمي الجنسية، وهم على أية حال لا يتمتعون بمجانية التعليم والرعاية الصحية التي يتمتع بها الأطفال الذين ولدوا لأب ليبي، ويصادر حقهم كاملًا في المواطنة، ولا يعترف لهم بالحقوق السياسية.
وخلص التقرير إلى أن المعاملة القانونية للمرأة الليبية في هذا الخصوص تخالف الالتزامات الدولية على ليبيا بموجب اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وفي إفادتها للمرصد الأورومتوسطي، قالت "أ. س" (29 عامًا)، وهي امرأة ليبية من مدينة "الزاوية" غرب العاصمة الليبية طرابلس، إنها تزوجت من "باسم" (27 عامًا)، وهو سوري الجنسية ويقيم في ليبيا منذ ما يزيد عن 11 عامًا حيث يعمل مهندسًا بإحدى الشركات الهندسية الخاصة. وتقول "أ. س": "تزوجنا مطلع العام 2014م، بعد أن تقدم لخطبتي، ولكني جوبهت برفض أهلي دون سبب مقنع، سوى أنه أجنبي وليس من ديارنا، وبعد محاولات عديدة لإقناع أهلي بالزواج منه لم يتغير شيء، فقررنا الزواج دون موافقتهم".
وأوضحت "أ.س" أنها انتقلت وزوجها للعيش بمنطقة "جنزور" الواقعة غرب العاصمة الليبية طرابلس، ورزقا بعد ذلك بطفلين، مبينة أنّ حياتهم في البداية كانت مستقرة بالرغم من صعوبة العيش بمفردها بمعزل عن الأهل والأقارب. إلا أن مطلع العام 2017م خبّأ لها ما لم يكن بالحسبان.
حيث تقول "أ.س" عن ذلك: "أنه في مطلع ذلك العام، تهجّم علي اثنان من أشقائي في منزلي، بعدما عرفوا موقع المنزل، وطعنوني بآلة حادة [سكين] في بطني، وضربوا زوجي ضربًا مبرحًا، ثم قاموا بإطلاق الرصاص على كلتى قدميه، وهددوه بالقتل إذا لم يُطلّقني، فيما قال شقيقي الأكبر لزوجي: "الطلاق مقابل حياتك".
ولفتت "أ. س" إلى أنّها وزوجها لم يستطيعوا تقديم شكوى لمركز الشرطة بسبب خوفهم على حياتهم خشية تعرضهم للخطر مرة أخرى، خاصةً وأنّ أحد أشقائها ضابط بالأمن المركزي بالعاصمة، والأهم، أن عقد زواجهم غير موثق بالسجل المدني لعدم حصولهم على الموافقة من وزارة الشؤون الاجتماعية، بما يعني أن كافة الدوائر في الدولة لا تعترف بهم كزوجين.
بدورها قالت عروب صبح، مستشارة شؤون المرأة في المرصد الأورومتوسطي، إن الآلية التي تتبعها السلطات الليبية في التعامل مع النساء الليبيات اللواتي يتزوجن من أجانب تغذي نظرة المجتمع الليبي للمرأة التي تتزوج من أجنبي، حيث يُعتبر فعلها هذا مسيئاً اجتماعياً وقبلياً. وتوصف المرأة الليبية التي تتزوج بأجنبي بأوصاف بشعة، ويتم الطعن في شرفها وشرف أسرتها أحياناً، وقد يصل الأمر حد الاعتداء عليها أو الضغط على أسرتها بضرورة مغادرة المكان الذي تقيم فيه.
وأشارت مستشارة شؤون المرأة في المرصد الأورومتوسطي، إلى أن الليبيات المتزوجات من أجانب يعانين صعوبة بالغة في الحصول على الأوراق والمستندات الثبوتية، لأن السلطات الليبية الرسمية ترفض التعامل مع أي ليبية تتزوج من أجنبي سواء فيما يخصها وزوجها أو حتى أبناؤها، وذلك فيما لو تم الزواج دون موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية التي عادةً ما تعقد هذا الأمر.
وأضافت "صبح" أنه كما هو ملاحظ من نصوص القوانين الليبية ذات الصلة، فإن مسألة الزواج من الأجانب لم تستثنِ الليبي من شرط الحصول على موافقة لجنة وزارة الشؤون الاجتماعية، تمامًا كالليبية، إلا أنّ التمييز والاختلاف يكمن في الآثار المترتبة على زواج الليبي من أجنبية، فأبناء الليبي المتزوج من أجنبية يعتبرون ليبيين تمامًا، كما لو كانوا قد ولدوا من أم ليبية، فلهم من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية كالليبي المولود من أب وأم ليبية، بعكس أولاد الأم الليبية التي تتزوج من أجنبي.
وفي إفادة للمرصد الأورومتوسطي ضمن التقرير، قالت "م. خ" (33 عامًا)، وهي ليبية متزوجة من شخص مصري الجنسية منذ عدة سنوات، إنها تشعر بالندم على زواجها كلما فكرت بمصيرها ومصير ابنها وزوجها المختطف على أيدي مجموعات مسلحة.
وأضافت "لو تزوجتُ من شخص ليبي الجنسية لما كان هذا وضعي، حيث لم أتمكن من الحصول على أوراق ثبوتية لابني من مصلحة الجوازات والجنسية، خاصة وأنّ زواجي تم دون موافقة من وزارة الشؤون الاجتماعية".
وقالت سارة بريتشيت، المتحدثة باسم الأورومتوسطي: ينبغي المساواة بين الرجل والمرأة في حقوق اكتساب الجنسية ومنحها لأطفالهما، حيث تؤكد المادتان 2/أ و9 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على ضرورة مساواة الدول المرأة بالرجل وإدماج هذا المبدأ في قوانينها، ويشمل ذلك المساواة في حق اكتساب الجنسية وفي حق منح الجنسية لأطفالها.
وأضافت بريتشيت أن الاتفاقية ألزمت الدول بمنح المرأة حقاً مساوياً للرجل من حيث اكتساب الجنسية أو الاحتفاظ بها أو تغييرها، وهو ذات الحكم الذي تضمنته نصوص بروتوكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الخاص بالمرأة، والذي تعد ليبيا إحدى الدول التي صدقت عليه.
وشددت بريتشيت على أن الجنسية حق، ولا يجوز أن يكون هناك شخص عديم الجنسية، حيث اقتضت الاعتبارات الإنسانية الاعتراف بحق كل إنسان في أن يكون له جنسية، وهذا هو جوهر نص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948م)، كما نصَّت المادة 24/3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي كانت ليبيا صادقت عليه دون تحفظات في العام 1970م، على أن "لكل طفل حق في اكتساب جنسية"، كما قضت المادة 3 من العهد بواجب الدول في كفالة تساوى الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في العهد.
ودعا المرصد الأورومتوسطي إلى ضرورة تعديل قانون الزواج من غير الليبيين والليبيات رقم 15 لسنة 1984م، بما يكفل حق المرأة الليبية وحريتها في اختيار شريك حياتها وبما يتماشى مع المواثيق والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل ليبيا، فيما اعتبر المرصد أن مسودة الدستور التوافقية الصادرة عن الهيئة الليبية المنتخبة (2017م) غير كافية حيث لم تشر المسودة التوافقية نهائيا لمسألة تنظيم الجنسية باستثناء ما ورد في المادة 10 التي أشارت إلى "تنظم أحكام الجنسية الليبية وكيفية اكتسابها وسحبها بقانون، يراعى فيه اعتبارات المصلحة الوطنية والمحافظة على التركيبة السكانية وسهولة الاندماج في المجتمع الليبي. ولا يجوز إسقاط الجنسية الليبية لأي سبب".
ويأمل المرصد أن تبذل الجهات التشريعية في ليبيا المزيد من الجهود لضمان حقوق المرأة الليبية ومساواتها بالرجل، خصوصاً فيما يتعلق بحقها بمنح جنسيتها لأطفالها.
القوانين الليبية تضطهد المرأة المتزوجة من أجنبي وتتركها وعائلتها في مهب التهديد!!
بقلم : الديار ... 19.01.2019