ما بين الزوجة والأم والصبية والأرملة تتنوع تشكيلة النساء في بلاد الحرب يختلفن في التصنيف ويتفقن في ثمن الحرب الباهظة التي يتكبدنها.
من كل بلد خاض حربا أو شطرته الثورات المخيبة للأحلام لي صديقة، يجمعهن وجع الحروب وآلامها، يدفعن ثمن حروب لا ناقة لهن فيها ولا جمل، هن وقود الحرب وعمادها في مآسيها فقط، لكن الثمار الطيبة محرمة عليهن كتفاحة الجنة المحرمة على آدم، وحدهم الرجال يجنون الثمار الصالحة.
ما بين الزوجة والأم والصبية والأرملة تتنوع تشكيلة النساء في بلاد الحرب يختلفن في التصنيف ويتفقن في ثمن الحرب الباهظة التي يتكبدنها، فاتورة تسددها النساء، يحملن المدافع لحماية الصغار ولا يطنطن بما يفعلنه، فالضوء لا يسلط إلا على رجل يحمل السلاح وإن كانت النساء يحملن أضعافه ولكن خلف بوابات الصمت لا يسمع لهن صوت.
لا تكتمل لوحة الحرب في كافة البلدان بغير الصعود على أجسادهن لصنع دروع بشرية وتقديم قرابين من الفاكهة الطازجة للرجال المنتصرين، حور العين في الجنة جزاء وفي الدنيا بالاختطاف يصنع الرجل حور عين.
ما بين تونسية جميلة فرمت رحى البطالة أحلامها وطحنتها الأيام، ذهبت أحلامها وأحلام زوجها أدراج رياح التغيير في ثورة تونسية أشعلت الفتيل في بلدان عربية، ثورة أسموها الياسمين وهي تشبه أشواك الصبار في حدتها وإسالتها الدماء البريئة، تركت صديقتي بلادها من أجل العيش الذي حرمت منه في وطنها، بعد فترة يأس هجر الزوج البلاد بحقيبة ملابسه وتخفف من كافة الأعباء، هي وبنتاها كن أثقل أعبائه، ترك المسؤولية وقفز من السفينة وتركها للغرق بلا حماية، لم يكترث بصواب فعلته أو خطئها لكنه أراد حياة جديدة بمفردات أخرى غير “كان” أراد الحياة بفعل “أصبح وسيكون”، لعل المستقبل يحمل له مفاجآت جديدة في أحضان امرأة أخرى أكثر دفئا وملاءة مالية.
وعراقية كانت يوما ما سيدة دار تهدمت وكاتبة في جريدة عراقية صادرتها السلطات المزيفة في دولة تمزقها الحرب الشرسة بين سلطة الوهم والوهم الآخر، فلا حقيقة في العراق سوى الشعب الصامد المؤمن ببلاده، المصلي في محرابها يتعبد لله من أجل عودتها معافية، قوية، جميلة كما كانت.
وليبية ظلت تحلم ببيت هادئ في سنوات صباها وشبابها وحين أتمت عش الزوجية وسكنت إلى جوار زميل الدراسة وحب العمر الذي ظل يراودها الارتباط به سنوات، وبعد الزواج بأشهر معدودة قضمت الحرب فرحتها وألقت بجثة زوجها ممزقة أمام عينيها في مشهد دراماتيكي بامتياز ما كانت أبرع الأقلام المتبارية في المسابقات الدولية لحصد جوائز التفرد تستطيع وصفه بكل هذا الكم من الحزن والقهر والبكاء والألم.
وسورية باتت أحلامها تتقزم كل صباح، تخشى أن تتلاشى لتصبح الحياة ذاتها حلما, تضيع منها في زحام الحرب أساسيات كثيرة تهبط من خانة ضرورة حتمية للحياة إلى معدلات دنيا تجعلها رفاهية تحلم بتوفرها، تضحك صديقتي الثلاثينية الحسناء وهي تتذكر أنها أصبحت تطهي طعامها على نار الأخشاب في الكثير من الأحيان، أنها تفرح بالكهرباء كالأطفال، مهللة بعد عودة الكهرباء من انقطاع حتمي يدوم ساعات وربما أياما، تتقافز مرددة “جاء النور”، تتمنى لو استطاعت تخزين بعض الكهرباء لمواجهة ظلمات تتوالى، ظلام أصبح اعتياديا مملا. فضلا عن فلسطينيات ويمنيات كثيرات تسكنهن الحرب في كافة تفاصيلها، يفقدن الأب والزوج، الابن والأخ، تضيع منهن معالم الحياة وبهجتها.
أزرع الأمل قبل القمح، عبارة قوية زينت بها نساء ألمانيا بقايا الجدران المحطمة أعقاب الحرب العالمية الثانية. كل هذه المآسي وأكثر خلف الأبواب المغلقة والجدران الصامتة تتحمل النساء أعباءها دون ضجر ولكن المأساة الحقيقية تكمن في شكوى الرجل من القهر الممارس ضده وادعاء المرأة لمظلومية وتجن يطالها، يصف النساء بالنكد واستدعاء الأحزان لبكي وتبرع في البكاء لساعات بنبرات وحدة صوت تعلو وتهبط وتتفنن في تغييرها.
تفاصيل النساء لا تخبر بها أحدا، قد تحتضن رضيعها وتعجز عن أن تلقمه ثديها الخاوي من اللبن، تسكته بالنعاس، لا تتحدث امرأة عن معاناتها من الاغتصاب والتحرش والاستغلال من باب العار، فمن يستمع لأصوات قلوب معذبة؟
رغم تحمل النساء لويلات حروب لم يشعلن فتيلها ويعانين في بلاد الحرب والنزاعات من تشرد واغتصاب واستغلال جنسي واستخدام جسدي وتشويه وقتل وسبي، إلا أن التقارير والدراسات والإحصائيات مازالت تعالج قضايا النساء بخجل مزر ونصف عين مغلقة على حقائق لا ينكرها كفيف. لو أنني أستطيع الرسم ببراعة بابلو بيكاسو لرسمت عدة وجوه لنساء عربيات بجسد واحد شوهته الحرب وقلب جريح فلوحات الحروب لا تكتمل بغير أجساد النساء.
وجع الحروب لوحة تكتمل بأجساد النساء !!
بقلم : رابعة الختام ... 27.04.2018