تواصل السلطات المصرية مسلسل الإنكار لما تتعرض له المرأة من انتهاكات في البلاد، التي كان أبرزها ما رصده تقرير لمؤسسة «تومسون رويترز» من أن القاهرة «أخطر مدينة على النساء في العالم، والتهديدات لها أصبحت أكبر منذ ثورة 2011» خصوصا مع صدور التقرير في العام الجاري الذي أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي كعام «المرأة».
التقرير الذي نشر في منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أشار إلى أن القاهرة فرضت نفسها كمدينة غير آمنة للنساء خصوصا في عام 2011 بعد أن ارتكبت سلسلة من الاعتداءات الجنسية العنيفة في ميدان التحرير، وتدهور الوضع منذ ذلك الوقت.
وقالت المؤسسة في تحقيق شارك فيه خبراء بشأن إجراءات حماية النساء من العنف الجنسي ومن العادات الثقافية والاجتماعية المضرة، وبشأن حقوقهن في العلاج واستقلالهن المادي، إن القاهرة احتلت المرتبة الأخيرة في تلك الحقوق، حيث شملت القائمة 19 مدينة كبيرة «10 ملايين نسمة على الأقل» وجاءت العاصمة المصرية بعد نيودلهي وكراتشي وكينشاسا.
وحسب الخبراء تتعرض النساء في القاهرة للتحرش يوميا، ومنذ ثورة 25 كانون الثاني/يناير تردت الأوضاع الاقتصادية في القاهرة وفي كامل البلاد، وأصبحت نسب البطالة العالية تعني فرصا أقل أمام النساء لكسب استقلالهن المادي، إضافة إلى أعداد كبيرة من الرجال المحبطين والعاطلين عن العمل لا سيما الشباب، وهذا الفقر الاقتصادي يعني أيضا أن خدمات الصحة في البلاد قد ساء وضعها.
ونقلت مؤسسة «تومسون رويترز» عن أميمة أبو بكر، إحدى مؤسسات «مؤسسة الذاكرة والمرأة» وهي منظمة غير حكومية تسعى إلى تحسين وضع المرأة العربية الضعيف ثقافيا، قولها إن «تردي الوضع الاقتصادي في السنتين أو الثلاث الأخيرة وصل إلى درجة انتكاسة فكرية تقضي بأن شؤون المرأة ليست أولوية».
وأكدت الصحافية المصرية والناشطة في مجال حقوق المرأة، شهيرة أمين، أن «كل شيء في المدينة صعب على النساء، نرى النساء يكافحن في جميع الجوانب، حتى فسحة بسيطة في الشارع قد تعرضهن لخطر التحرش، سواء كان لفظيا أو حتى جسديا».
خلال السنوات التي تلت أحداث 2011 أصبح «الآن ليس الوقت المناسب» الرد الرائج على تحركات النساء من أجل حقوقهن، وغالبا ما يصدر عن النساء المكلفات رسميا بحماية تلك الحقوق. فتقول نجلاء العدلي عضو المجلس القومي للمرأة في مصر، وهي هيئة حكومية مستقلة، إنها تعتبر أن حقوق المرأة قد تحسنت، في إشارة إلى إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي العام 2017 عام المرأة المصرية.
بالإضافة إلى الترتيب العام، صنفت دراسة «تومسون رويترز» المدن وفقا لكل من الأقسام الفرعية أيضا. وكانت القاهرة ثالث أخطر المدن الكبرى للنساء من حيث العنف الجنسي أي بالنسبة إلى قدرتهن على العيش دون التعرض لخطر الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو التحرش. وتساوت ساو باولو ونيو دلهي في المركز الأول.
ردود الفعل بشأن التحرش الجنسي في مصر هي صلب المسألة. على غرار العديد من البلدان الأخرى، تلقى في مصر أحيانا مسؤولية التحرش الجنسي على النساء بسبب تصرفات ولو كانت بسيطة كالضحك مثلا في مكان عام. هذه المعتقدات تلقن للمصريين منذ الصغر ويكتسبها الأولاد والبنات على السواء.
في 2014 سجلت مجموعة تدعى «كرامة بلا حدود» فيديوهات يتحدث فيها أطفال المدارس في القاهرة عن التحرش. يفسر الأولاد في التسجيل كيف تجلب الصبايا «المعاكسات» لأنفسهن. أما البنات فبدأن بشرح الضيق الذي يخلفه التحرش، لكن صرن في آخر الفيديو يعددن الوضعيات التي «تتسبب» فيها الفتيات في إفراز سلوك غير مرغوب فيه.
ولا توجد في مصر سوى إحصائيات قليلة بشأن التحرش، فأظهرت دراسة أجراها «المركز المصري لحقوق النساء» في 2008 أن 83 في المئة من النساء أكدن التعرض للتحرش، العديد منهن بصفة يومية، واعترف 62 في المئة من الرجال أنهم يتحرشون بالنساء. ويظن محامون أن نسبة التحرش بالنساء تتجاوز هذه الأرقام.
*الزواج القسري
الجوانب الأخرى الثلاثة التي سلط عليها التقرير الضوء هي الممارسات الاجتماعية ومدى توفر الرعاية الصحية والفرص الاقتصادية، إذ صنفت القاهرة أسوأ مدينة للنساء من حيث الممارسات الاجتماعية، لا سيما بالنسبة إلى ختان البنات، والزواج المبكر والزواج القسري وقتل الأطفال من الفتيات.
وبالنسبة إلى الفرص الاقتصادية المتاحة أمام النساء، جاءت مصر في المرتبة الثانية. وتأخذ الدراسة بعين الاعتبار توفر تعليم الإناث وملكية الأراضي أو ممتلكات أخرى، والخدمات المالية. المدينة الوحيدة الأكثر فقرا من حيث إمكانيات القاهرة في هذا المجال هي كينشاسا.
واحتلت مصر ثالث أسوأ مرتبة من حيث حصول النساء على الرعاية الصحية بما فيها نسب وفاة الأمهات ومتابعة صحتهن الإنجابية، والأرقام تثبت ذلك.
في 2015 أظهرت دراسة للشؤون الصحية في مصر أن قرابة 9 من أصل 10 نساء تعرضن لإزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية، رغم أن هذه الممارسات منعت قانونيا منذ 2008. كما تزوج 17 في المئة من الفتيات قبل عمر الـ18 و2 في المئة منهن قبل عمر الـ15.
وتظهر أرقام البنك الدولي أن مشاركة الإناث في القوى العاملة بلغت 23 في المئة في عام 2016 مقابل 26 في المئة في عام 1990. ووفقا للأرقام الأمريكية، فإن 65 في المئة من النساء المصريات فوق سن الخامسة عشرة يتعلمن القراءة والكتابة، مقابل 82 في المئة من الرجال.
تقرير مؤسسة «تومسون رويترز» ليس الأول الذي يصنف مصر كبلاد غير آمنة بالنسبة للنساء، فقد تصدرت في آب/اغسطس الماضي لائحة الأماكن التي تعرضهن زيارتها للخطر نشرها موقع Trip.com للسفر. وأهم أسباب هذا التصنيف هو التحرش اللفظي والجنسي الذي تواجهه النساء.
*العنف والتمييز
وفي أول اجتماع لمجلس الوزراء مع مسؤولين من المجلس القومي لحقوق الإنسان الأربعاء الماضي تجاهل بشكل تام مناقشة التقرير المذكور، واستعرض الاجتماع برئاسة رئيس الوزراء شريف إسماعيل، التقرير الذي عرضته الأمينة العامة للمجلس القومي للمرأة مايا سامي وتضمن محاور استراتيجية تمكين المرأة المصرية 2030.
وأشارت إلى أن الاستراتيجية تعتمد على عدد من المحاور تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة في المجتمع على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وزيادة مشاركتها في قوة العمل، ومساندة المرأة العاملة والمعيلة، إلى جانب القضاء على كافة أشكال العنف والتمييز ضد المرأة.
وأوضحت أمينة المجلس أنه ستتم الاستجابة لمقترح من وزير الشباب والرياضة بإضافة محور للاستراتيجية لتوسيع مشاركة المرأة في الأنشطة الرياضية، في ظل الإنجازات التي تحققها فتيات مصر في أكثر من لعبة رياضية.
لكن المجلس القومي للمرأة أصدر بيانا عقب نشر تقرير «رويترز» ينكر غالبية ما ورد فيه، رافضا ما جاء فيه من وقائع، ووصفه بأنه تقرير غير مبرر موضوعياً وواقعياً، نسبة إلى معايير عقلانية تتأسس على الإحصاءات الرسمية الوطنية والدولية الموثقة والدراسات الجادة في مجال المرأة، خلافاً لما أتى به الاستفتاء من آراء انطباعية لمجموعة من المنشغلين بقضايا المرأة في كل من المدن المستفتى حولها، لم يزد عددهم عن «15» في كل مدينة ولم يفصح الاستفتاء عن معايير اختيارهم، سوى عن تصنيفهم في خمس فئات وضعها تحت مسميات أكاديميين، وناشطي مجتمع مدني، وعاملين في المجال الصحي، ومعلقين اجتماعيين وصانعي قرار.
وقال المجلس في بيان إن «الاستفتاء يمكن تصنيفه على أنه استفتاء إدراكي، ومن ثم هو يعتمد على مدركات من استفتاهم من الخبراء حول أربعة أسئلة في مجالات انتشار العنف الجنسي ضد النساء (التحرش والاعتداء الجنسي) ورواج الممارسات الثقافة (التقليدية) الضارة بالنساء (ختان الإناث وزواج القاصرات والزواج القسري وقتل المواليد الإناث) والنفاذ إلى الخدمات الصحية (التحكم في الصحة الإنجابية ووفيات الامهات) وتوافر الفرص الاقتصادية (الحصول على الموارد، ملكية الأصول، والنفاذ إلى الخدمات المالية)».
*واقع المؤشرات والإحصاءات
وأكد المجلس على وعيه الكامل بما تواجهه المرأة المصرية من تحديات، بعضها يشمل المجالات الأربعة التي يناولها الاستفتاء، وعلى تعامله الجاد معها من واقع المؤشرات والإحصاءات والدراسات الموثقة، لا الاستفتاءات الانطباعية، والرجوع إلى استراتيجية تمكين المرأة المصرية 2030، والتي تمت صياغتها واعتمادها من قبل رئيس الجمهورية أوائل هذا العام، أي بما يسبق الاستفتاء المذكور، يوضح كيفية تعامل المجلس، بل والدولة المصرية ككل بالفعل والتخطيط الرصين مع تلك القضايا.
وتابع: في هذا المقام لا يمكن أن نغفل الاهتمام الكبير والأولوية التي توليها الدولة المصرية لقضايا المرأة ولمسعى تحقيق المساواة بين الجنسين، وأن نعترف كذلك بمدى ما تحقق من إنجازات إيجابية في هذا المجال على المستويات التشريعية والتنفيذية، بل وعلى مستوى التطور الاجتماعي والفكري.
وتابع البيان «قد حرص المجلس ألا ينساق وراء العاطفة، غيرةً على قاهرتنا العظيمة وغضباً على تصنيفها، إجحافاً وخلافاً للواقع العملي كأخطر المدن الكبرى خطراً بالنسبة للنساء في 2017. ومن ثم فإن تعليقاته تنصب على الناحية المنهجية بهدف الوصول إلى قراءة دقيقة للمسوح التي يتم إجراؤها، وفيما يلي التعليقات: المنهجية المستخدمة في المسح قائمة على قياس الاتجاهات ووجهات نظر المستجيبين، ويتطلب قياس الاتجاهات استخدام عينة مناسبة سواء من ناحية التصميم أو الحجم».
وكعادة التعامل النظامي في مصر مع مثل هذه التقارير الدولية التي تشير إلى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان بمختلف أنواعها، أطلق أذرعه الإعلامية والحقوقية والسياسية لمهاجمة التقرير الذي نشرته «رويترز».
«*اغتصاب الفتيات واجب قومي على الشبان»
ووصفت السفيرة مرفت التلاوى، مديرة منظمة المرأة العربية، تقرير الاستفتاء السنوي للمؤسسة الخيرية التابعة لمؤسسة «تومسون رويترز» بالـ»إجحاف لواقع المرأة المصرية» وأنه «غير علمي وغير منطقي».
وأضافت: «ليس أول تقرير يخرج ضدنا ودائما تدعي هذه المؤسسة على مصر أمور غير حقيقية وسط كل ما يحدث من نجاحات يحاولون يدوروا على أي حاجة لتشويه صورة مصر ولابد من الرد عليهم بالإحصائيات» موضحة إن العنف ضد المرأة يحدث فى كل دول العالم.
ووصفت وكيل لجنة المشروعات الصغيرة في مجلس النواب المصري، سعاد المصرى، تقرير «تومسون رويترز» بالـ»مسيس».
وقالت فى تصريحات صحافية أنه يأتي ضمن التقارير المشبوهة التي تصدرها منظمات مأجورة، بغرض الإساءة لمصر وتشويه سمعتها في الخارج مما يؤثر عليها اقتصاديا، وسياحيا، وتنمويا، مشيرة إلى أن التقرير تجاهل اهتمام الدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي والقيادة السياسية بالمرأة المصرية، وإفساح المجال لها في تولي جميع المناصب القيادية، وأن عام 2017 هو عام المرأة في مصر.
وتابعت أن هذه التقارير تثبت أن هناك من يدفع الأموال لتلك المنظمات لتشويه مصر، واصفة التقرير بـ»الأعمى» حيث إنه تغاضى عن وجود أكثر من 80 نائبة فى البرلمان المصري في سابقة تاريخية.
الانتهاكات كذلك امتدت للصمت الرسمي عن تجاوزات إعلامية في حق المرأة المصرية، التي كان آخرها تصريح المحامي المصري «نبيه الوحش» عبر إحدى القنوات الفضائية، يبيح فيه اغتصاب الفتيات تحت دعوى ارتداءهن ملابس غير لائقة.
وقال في تصريحاته إن «اغتصاب الفتيات المصريات اللاتي يرتدين بناطيل ممزقة واجب قومي على الشبان» في إشارة إلى ملابس الموضة المنتشرة في شوارع مصر على نطاق ضيق.
انتهاكات حقوق المرأة في مصر: تقارير دولية خطيرة وإنكار دائم من السلطات!!
بقلم : مؤمن الكامل ... 05.11.2017
المصدر : القدس العربي