تحولت الغرفة الصغيرة داخل محلات الملابس في بعض الدول العربية، إلى إحدى الطرق الجديدة للتحرش بالسيدات، عن طريق وضع كاميرات بها، لتصويرهن شبه عاريات، أثناء قياس ملابس نالت إعجابهن بغية شرائها، ثم تفاجأن بعد ذلك بمقاطع فيديو لهن منشورة على المواقع الجنسية العربية والأجنبية. تلك الظاهرة الغريبة والشاذة أصبحت تطل على الرأي العام من خلال وسائل الإعلام وأقسام الشرطة، بعد أن كان أهل المرأة يؤثرون السلامة وعدم الخوض في المشكلات، خوفا من الفضيحة وحفاظا على سمعة العائلة، بالضبط كما هي الحال مع حوادث التحرش أو الاغتصاب.
تكرار الحوادث والتفنن في استحداث طرق تصوير النساء داخل غرف تبديل الملابس في المحلات التجارية، وعدم استطاعة المرأة المتضررة إثبات ما لحق بها من ضرر نتيجة هروب المتهمين، أو توخيهم الحيطة والحذر، جعل البعض يختار القصاص من الجاني بنفسه عوض اللجوء إلى القانون.
منذ أيام، في أحد محلات بيع ملابس السيدات بشارع الهرم (محافظة الجيزة) بمصر، اكتشفت إحدى الزبائن أن هناك كاميرات تقوم بتصويرها في غرفة تغيير الملابس، فأسرعت باستدعاء زوجها وأخيها، ووقعت مشاجرة كبيرة مع صاحب المحل والعاملين، أصيبوا خلالها بجروح وكسور، كما تحطمت الواجهة الزجاجية للمحل.
وتمكن الزوج من إجبار أصحاب المحل على فتح الجهاز الخاص بكاميرات المراقبة، فعثر على مجموعة مقاطع، تظهر فيها سيدات عاريات أثناء تغيير ملابسهن، وكانت زوجته من بينهن.
ولا يقتصر هذا السيناريو على مصر، بل انتشر في الكثير من المحلات التجارية بالدول العربية، ففي الكويت خرجت سيدة لتحذر الفتيات من وجود كاميرات مزروعة في غرف تبديل الملابس بأحد المحلات، ونبهتهن إلى أن الكاميرات صغيرة، تشبه فيشة (مقبس) الكهرباء، وليست بارزة ولا معلقة، وبالتالي تصعب على السيدات ملاحظتها.
ونصحت الكويتية بضرورة التدقيق في غرف القياس، قبل أن تشرع أي فتاة في استبدال ملابسها، حتى لا تقع فريسة دون أن تدري، في “فخ” تصويرها، أو مشاهدتها وهي مجردة من ثيابها.
وفي المغرب اكتشف شاب أثناء مشاهدته لأحد المواقع، أن هناك فيديو لأخته تم تصويره، خلال قيامها بقياس ملابس بأحد المحلات، وكاد الأمر يصل إلى القتل.
الوقائع المعلنة أثارت ضجة وجدلا مجتمعيا وإعلاميا في الشارع العربي، حول مخاطر تلك الكاميرات، خاصة على أفراد الأسرة، وأثيرت تساؤلات عن كيفية تحقيق التوازن بين الحماية الأمنية للمحل من السرقة والحفاظ على خصوصية الفتيات.
أوضحت سامية قدري، أستاذة علم الاجتماع في مصر، أن هناك محاذير عديدة، عند الاقتراب غير المشروع من جسد المرأة، وتنتج عن تصويرها عارية أو شبه عارية تأثيرات نفسية خطيرة على الفتاة ذاتها، خاصة إذا تم التشهير بها من خلال تلك الصور على الوسائل الإلكترونية، ومن بين النتائج أنها سوف تميل إلى العزلة والانطواء، بل وتقل فرصها في الزواج إذا كانت لم تتزوج.
ويمتد الضرر إلى باقي أفراد الأسرة، خاصة الزوج، أو الأخ، الذي يرى صور زوجته، أو أخته، عارية ومنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يتسبب في مشكلات حادة بين أفراد الأسرة، ويؤدي إلى فرض المزيد من القيود على المرأة الضحية.
المرأة في المجتمعات الشرقية، عندما يحدث انتهاك عبر تصوير جسدها، فإن ذلك يدفع الكثيرين من أفراد الأسرة إلى الغضب العارم، وقد تتضخم المشكلة لتصل إلى عنف دموي، وهو ما حدث في بعض الحالات، كما أن مثل تلك الأمور تهدد كيان الأسرة العربية، وتتسبب في حالات طلاق وانفصال، نتيجة لعمليات التشهير الجسدي للمرأة.
وبالفعل، شهدت أقسام الشرطة المصرية قضايا كثيرة من تلك الأنواع، وصرح مصدر أمني بقسم الأزبكية (وسط القاهرة) لـ”العرب”، بأن هناك العديد من المحاضر، تم تحريرها من جانب فتيات وجدن فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهرهن عاريات أو شبه عاريات أثناء تغيير ملابسهن في محال تجارية.
واستمرت جهود الشرطة في البحث عن ناشري الفيديوهات، وتم القبض على البعض منهم، وتحويلهم إلى النيابة، مع مداهمة غرف الملابس للكشف عن تلك النوعية من المصابيح الدقيقة (اللمبات)، التي تصور الفتيات.
كانت المفاجأة أنه ليست فقط الكاميرات المخفية في غرف تبديل الملابس، هي الحيلة الوحيدة التي يستخدمها هؤلاء الباعة، بل هناك من يضع نوعًا من المرايا المزدوجة -أي ذات وجهين- تتيح رؤية ما أمام المرآة وما خلفها، ومن ثم يستطيع البائع رؤية السيدة، بينما هي لا تراه، وتلك المرآة تكون مثبتة بشكل مقابل لمكان البائع، حتى تظهر النساء عند تبديلهن ملابسهن.
وهناك من المحلات ما يستخدم ستارًا أمام غرفة القياس، لا يغطي كل المساحة المخصصة لتغيير الملابس، ويسهل سقوطه بين الفينة والأخرى.
واعتبر فؤاد الخطيب، مهندس صوت، وصاحب محل إلكترونيات في وسط القاهرة، أن التكنولوجيا الحديثة لها إيجابيات كثيرة وسلبيات عديدة أيضا.
وقال لـ”العرب”، إن البعض من أصحاب المحلات ممن يفتقدون إلى الضمير الأخلاقي والوازع الديني والمهني، يقومون بشراء هذه النوعية من الكاميرات، ورغم أنها محظورة فإنه يتم استيرادها على أنها لمبات إضاءة صينية الصنع عبر المواقع الإلكترونية.
وتتفاوت أسعار تلك الكاميرات، طبقا لجودتها، وتبدأ من 40 دولارًا للواحدة، وهي لمبات تتميز بجودة عالية، وبها خاصية التسجيل والتصوير الليلي لمسافة ثمانية أمتار، ويتم تركيب شريحة ذاكرة لها، بسعة 4 جيغا بايت.
وللكشف عن وجود كاميرا مراقبة داخل غرفة الملابس أو عدمه، أوضح الخطيب أن الإضاءة التي تحتوي على كاميرا، يكون لها شكل مميز مختلف عن الإضاءات الأخرى، إذ أن الأنوار فيها تكون صغيرة متجاورة وكثيرة، كما يمكن إغلاق جميع الإضاءات واستعمال ضوء الهاتف الخلوي (الموبايل)، وتوجيهه نحو الإضاءة المعلقة في غرفة الملابس، فإذا نتجت ومضة ضوئية سريعة، فذلك يعني أنها كاميرا.
ونصح مهندس الصوت الفتيات بتشغيل راديو الهاتف المحمول، ثم الاقتراب من الإضاءة، وملاحظة ما إذا كان سيحدث تشويش، لأن تلك النوعية من الكاميرات توجد فيها خاصية الإنترنت، التي تزيد التشويش على موجات الراديو.
في مصر هناك مبدأ دستوري، يُسمى “حرمة الحياة الخاصة”، يتمثل في عدم الحق في التصوير أو التسجيل أو التنصت على أي شخص، إلا بموافقته وبناءً على رغبته، ويعتبر جريمة يعاقب عليها القانون عدم الالتزام بضرورة الحصول مسبقًا على موافقة الشخص قبل تصويره أو التسجيل له. وقال محمد مختار (محام)، لـ”العرب”، إنه لا بد أن يقوم جهاز حماية المستهلك بمراقبة أصحاب المحلات، والتفتيش الدوري لغرف تغيير الملابس، للتأكد من عدم وجود كاميرات تشكل انتهاكًا لحرمة السيدات.
ولفت إلى أن وضع كاميرات داخل غرف الملابس يعد جريمة مزدوجة، ولها نفس عقوبة هتك العِرض، لأن مرتكب الجريمة يطّلع على عورات النساء بدون سند من الشرع أو القانون.
وأضاف أن جريمة انتهاك الحياة الخاصة تنطبق على التصوير، أو التنصت على المكالمات الهاتفية أو الإلكترونية، ويجوز للمتضرر أن يجبر الشخص الذي قام بتصويره أو التنصت عليه، بالتعويض المدني، جراء الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به، ليكون عبرة لأمثاله.
القانون غافل عن جريمة تصوير الزبائن في غرف تغيير الملابس!!
بقلم : شيرين الديداموني ... 27.12.2016
المصدر: العرب