أحدث الأخبار
الأربعاء 04 كانون أول/ديسمبر 2024
المرأة السعودية خارج التغطية رغم القرارات الرسمية!!
بقلم : عبدالله العلمي  ... 15.03.2015

حقوق السعوديات ظلت حبيسة التشريعات مع تأجيل التنفيذ رغم أن نسبة النساء خريجات الجامعات تصل إلى 58 بالمئة.
لماذا تقع المرأة السعودية خارج التغطية رغم القرارات الرسمية؟ قرار مجلس الوزراء رقم (63) بتاريخ 11/3/1424، تضمن بعض الإجراءات النظامية الخاصة بعمل المرأة في القطاعين الحكومي والأهلي. القرار رقم 120 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 12/4/1425هـجري (مايو 2004) أيضا تضمن إجراءات لزيادة فرص عمل المرأة السعودية. قرار وزير العمل رقم 793/1 بتاريخ 22/5/1426هـجري، (يونيو 2005)، بشأن تطبيق الإجراء الخاص بقصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية على المرأة السعودية. القرار رقم 187 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 17/7/1426 هـجري، (أغسطس 2005)، بشأن تراخيص تشغيل النساء في المنشآت الخاصة وتطبيق ضوابط تشغيلهن بأجر لدى الغير. كم من هذه القرارات طبقت على أرض الواقع بجدية وفعالية لرفع نسبة مشاركة المرأة في التنمية المستدامة؟
بالرغم من أن النساء السعوديات يمثلن 58 بالمئة من خريجات الجامعات، إلا أن 14 بالمئة فقط منهن يدخلن سوق العمل للمشاركة في نهضة الوطن. أما على مستوى مكافآت الطالبات، فهل يعقل أن خريجات المعهد المهني في محافظة شرورة في وقت ما كن يكابدن معاناة تجاهل اعتماد صرف المكافآت الشهرية المستحقة لهن منذ الالتحاق بالمعهد، حيث لم تصرف لهن أي مكافأة طيلة عامين دراسيين متتاليين؟
دراسة "الفقر المؤنث" التي أصدرتها مؤسسة الملك خالد الخيرية في أبريل 2014 تفيد أن 32.6 بالمئة من السعوديات يخسرن حلم الحصول على وظيفة بسبب عدم توفر المواصلات، في ما أرجعت 8 بالمئة من السيدات سبب وجودهن في قائمة البطالة إلى وجود منع من الأسرة في حصولهن على عمل. الدراسة أكدت انخفاض المستوى التعليمي للأنثى الفقيرة، لهذا أعتقد أنها خارج التغطية.
يتحجج البعض بعدم مساندة إشراك المرأة في التنمية إلى الولاية والقوامة، وهم بذلك يصيبونها بمقتل. الولاية تقسم إلى قسمين: الولاية على النفس، وهي الإشراف على شؤون القاصر الشخصية من صيانة وحفظ وتأديب وتعليم وتزويج. أما القسم الثاني فهو الولاية على المال، أي الإشراف على شؤون القاصر المالية من استثمار وتصرفات كالبيع والشراء والإجارة والرهن.
ما لا يريد البعض أن يفهمه (عن سبق إصرار وترصد) هو أن الولاية تنتهي على الأنثى إذا بلغت سن الرشد وليس بالضرورة استمرارها مدى الحياة. إذن القوامة ليست عامة، فليس كل الرجال قوامون على كل النساء، وإنّما هي خاصة بشؤون الأسرة ومشروطة بشرطين أن يكون أهلا للقوامة والقدرة على الإنفاق.
ولكن المتشددين ابتدعوا نظرية ذات خاصية إقصائية وهي أن المرأة إنسان قاصر غير كامل الأهلية من ولادتها إلى دفنها ولا بد أن تخضع للوصاية الكاملة. جعلوا من أنفسهم أوصياء على خلق الله، ليس لهم من حجة أو منطق سوى أنهم يزعمون أنهم محتسبون ضد الفساد.
يجب منح المرأة أهليتها الكاملة وإعادة شخصيتها القانونية التي منحها إياها الإسلام وسلبها منها المجتمع. الشرع الإسلامي لم يظلم المرأة مطلقا، لكن المجتمع هو من فرض القيود والضوابط والعادات والتقاليد في جميع أمور حياة المرأة، وألبسوها عباءة الدين.
لولا القرار السياسي الإصلاحي الذي اتخذه الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- لتمكين المرأة، لما أمكن للمجتمع المؤطر بنظرات دينية وأيدولوجية متشددة أن يتمكن من الانفتاح على العالم. الأسباب عديدة: فبعض المتشددين يؤطرون حججهم ببعض النصوص الانتقائية بتأويلات إنشائية. حولوا قوامة الرجل إلى وصاية (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما أنفقوا) مع أن الآية وضحت بما لا يدعو للشك أن القوامة هي الإنفاق وليس بسبب تفضيل في المكانة. (ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا).
من حق المرأة التعليم والعمل والحركة والتنقل والعلاج والسفر والميراث وحقها الكامل في المهر وحق التصرّف بالمال وحساباتها البنكية وحق اختيار شريك حياتها بما في ذلك حق الرؤية الشرعية وحق اشتراط عدم التعدد والحضانة والنفقة والتقاضي، إضافة طبعا لحقها في المشاركة في الشأن العام. كل هذه حقوق مشروعة لا يجب الاختلاف عليها، ولكنها في الوقت الحالي مجرد أحلام. قال الرسول صلى الله عليه وسلم “إنما بُعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين”.
من جهة أخرى يصيح البعض بتشنج: عمل المرأة فساد ويؤدي إلى التحرش والانحراف! انغلاق المجتمع وعدم تعوّد الأفراد ذكورا وإناثا على التواجد في مكان واحد سواء في العمل أو المحال التجارية أو المؤسسات الحكومية أصبحت من الماضي. لذلك فإن مبررات إصدار قانون صارم لمنع التحرّش أصبحت اليوم ضرورية، خصوصا مع الانفتاح الذي يشهده المجتمع السعودي وانطلاقة المرأة السعودية في مجالات العمل العام. لماذا نمنح الشباب ”صك البراءة” وشهادة القيم والأخلاق ونعاقب الفتيات بمنعهن من السفر للتعلم أو السياحة؟ لماذا يجب على الفتاة أن تكون ضحية صراع التشدّد وتكون هي دائما الدافع للإغراء؟ لهذه الأسباب وغيرها ما زالت المرأة السعودية خارج التغطية.
من الأمور الأخرى التي تقلقني تزويج القاصرات. جهود هيئة حقوق الإنسان ما زالت خجولة لحل هذه المعضلة، ومن المهم التدخل السريع قبل وقوع “الفاس في الراس″. العادات والتقاليد البالية حولت طفولة فتاة صغيرة إلى خريف بارد، قبل أن يكتمل إدراكها النفسي والصحي والاجتماعي بالمسؤولية التي تلقى على عاتقها. متى نعي ما أفتى به علماء الطب عن التغيرات الهرمونية الأنثوية ونمو الثدي والعظام وأن نمو حجم الرحم يستغرق من خمسة إلى ستة أعوام بعد سن البلوغ؟
أما قيادة المرأة للسيارة فهي حكاية أخرى. وزير الداخلية الأسبق الأمير أحمد بن عبدالعزيز (عندما كان نائبا لوزير الداخلية) صرح لوسائل الإعلام في مايو 2011، بأن “هناك نظاما يمنع قيادة المرأة للسيارة، ولكن من حق الناس أن يطالبوا بحقها في ذلك”. رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله آل الشيخ أعلن في يونيو 2011 استعداد المجلس لمناقشة موضوع قيادة المرأة للسيارة متى ما عرض عليه.
وزير العدل السابق الدكتور محمد العيسى أكد في أبريل 2013 أنه لا يوجد نص دستوري أو تنظيمي يمنع المرأة من قيادة السيارة في المملكة وأن هذا الأمر يعود إلى رغبة المجتمع. الرئيس العام السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبداللطيف آل الشيخ صرح في سبتمبر 2013، بأن حظر قيادة المرأة للسيارة لا يفرضه أي نص شرعي. إذن أين المشكلة؟
القيادة ممنوعة، طيب ماذا عن الرياضة؟ تارة نسمع عن التوجه لإدخال مادة التربية البدنية في مدارس البنات وطورا آخر نسمع أن هذا الموضوع لم يكن أصلا محل دراسة وأن هناك مواد تتناسب وطبيعة الشباب لا يمكن للفتيات تناولها. مجلس الشورى أدلى بدلوه وصوت 75 مؤيدا و29 معارضا لمشروع إدخال التربية البدنية لمدارس البنات. وبعد جدل عقيم وطويل، حسم مجلس الشورى مرة أخرى في أبريل 2014، بأغلبية 92 صوتا، توصية تدعو إلى "إمكانية إدخال برامج للياقة البدنية والصحية في التعليم العام للبنات، بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، ويتناسب مع طبيعة المرأة".
من ضمن ما أورده المعارضون للتربية الرياضية للطالبات تخوفهم من خروج البنات عن (الحشمة) نسي هؤلاء إيجابيات الرياضة وحل مشكلة السمنة المفرطة والكسل والخمول وعدم الحركة. من الواضح أن لدينا حالة مرضية في ثقافتنا المجتمعية.أثبتت رها محرّق وجود المرأة السعودية على خارطة العالم. رها ليست فقط أول سعودية تتسلق القمة، بل أيضا أصغر شابة عربية تتمكن من الوصول إلى القمة.. من ضمن القمم الكثيرة التي استعصت على كثير من الرجال.
التمييز ضد المرأة لم يتوقف عند الرياضة. في 18 ديسمبر 1979 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو CEDAW” ودخلت حيز التنفيذ في الـ3 من سبتمبر 1981.
وقعت السعودية على اتفاقية سيداو عام 2000 مع تحفّظ عام على كل الاتفاقية في حال تعارض أي من بنودها مع المتفق عليه في الشريعة الإسلامية، إضافة إلى تحفظين على بندين من بنودها الـ30 كالتالي:
- أولا: تحفّظ على الفقرة الثانية من البند الـ9 من الاتفاقيّة المتعلّقة بجنسية الأطفال.
- ثانيا: تحفّظ على الفقرة الأولى من المادّة 29 التي تنص على التالي: ”يعرض للتحكيم أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية لا يسوى عن طريق المفاوضات، وذلك بناء على طلب واحدة من هذه الدول. فإذا لم يتمكن الأطراف، خلال ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم من الوصول إلى اتفاق على تنظيم أمر التحكيم جاز لأي من هذه الأطراف إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية بطلب يقدم وفقا للنظام الأساسي للمحكمة”.
لنكن إيجابيين فهناك مبادرات تدعو إلى التفاؤل، جامعة الملك عبدالعزيز أطلقت في أكتوبر 2012 مشروعا لتيسير الزواج يهدف إلى مكافحة (العنوسة) في المجتمع السعودي وخاصة في أوساط طلابها وطالباتها من خلال مشروع اجتماعي خيري. قد يكون المشروع مبادرة أولى من نوعها على مستوى الجامعات السعودية. حالات الطلاق سجلت ما يربو على 29 ألف حالة بنسبة 86 بالمئة، بينما بلغت حالات الخلع 1468 حالة بنسبة 4.2 بالمئة. هناك أيضا 3382 حالة فسخ نكاح بنسبة 9.8 بالمئة من إجمالي القضايا المرصودة بالمحاكم الشرعية في البلاد.
في الجوف مبادرة إيجابية أخرى ولو أنها محاولة خجولة، في منتصف مايو 2014 تم التوقيع على كرسي الأميرة سارة بنت عبدالله بن عبدالعزيز مع جامعة الجوف لأبحاث تحديات المرأة. وصف بيان الجامعة الكرسي بأنه يأتي تقديرا لدور المرأة واهتماما بكل جوانب حياة المرأة السعودية عموما والمرأة في منطقة الجوف على وجه الخصوص، ومن خلال رؤية ستعمل على تحقيق جودة عالية لحياتها واستثمار طاقاتها في بناء مجتمع مثالي رصين. جميل، إذن هناك بصيص أمل.
الخبر الإيجابي الآخر هو إعلان وزارة العدل في منتصف مايو 2014 عن عزمها استحداث مجلس أعلى للأسرة. الإعلان يبشر بالخير ولو أنه جاء متأخر كثيرا. وصفت الوزارة المجلس بأنه سيتولى “توحيد الجهود وإيجاد المرجعية النظامية، التي تعنى بالبرامج التوعوية والعلاجية والتنموية، التي تستهدف الأسرة وأفرادها في المجتمع″.
حان الوقت لدعوة المرأة السعودية إلى المشاركة الفعالة في التنمية، فلن يحلق الطير عاليا بجناح واحد.

1