أحدث الأخبار
الأربعاء 04 كانون أول/ديسمبر 2024
أثر العنف على تطوير المرأة لإضطراب ضغوط ما بعد الصدمة!!
بقلم : نجلاء صبرى  ... 20.01.2015

إنَّ تعرض المرأة لصدمة العنف يجعلها دائمة التفكير بالأحداث الصدمية التي تعرضت إليها، خصوصًا وأنَّ تكرار التجربة قد ينعكس على حالتها الّنفسية ، إذ يجعلها تصاب بالذعر، الفزع ، العجز، الخوف من الموت ، وهذا ما يُعرضها لِعدة اضطرابات نَفسية كالقلق ، الضغط النفسي ، الخوف من الزوج ، الحزن ، والصدمات النفسية المتكررة إزاء الأحداث المؤلمة التي تعيشها ، واحتقار الذات خصوصًا إنْ كان جسدها يُشَّوه بالضَربات واللَكمات والكَدمات ، وهذا ما يؤدي بها إلى ظهور أعراض ضغط ما بعد الصدمة ، أضف إلى ذلك فإنَّ الانفعالات تلعب دورًا خطيرًا في إثارة الاضطرابات الّنفسية ، فقد تتأتى بشكل تلقائي أو فجائي حسب درجة العنف الذي تعرضت إليه المرأة ، فالقلق هو الاستجابة المبدئية لموقف ضاغط ، وإذا حدث وأنْ تعقد الموقف لدرجة لا يُمكِن التَحكُم فيها، فإنَّ القلق يتم استِبداله بالاكتئاب .
وقد ذكر النابلسي أنَّ الباحثون قد يعتقدون أنَّ مفهوم الصدمة قد وضع في عام 1884 ولكنهم بذلك يتجاهلون تطور مفهوم الصدمة عبر آلاف السنين، فقد كان للحضارة العربية مساهماتها في تطور هذا المفهوم، ونذكر على سبيل المثال تجربة ابن سينا حيثُ يُذكر أنَّ ابن سينا هو أول من درس العصاب الصدمي بطريقة علمية تجريبية إذ قام بربط حمل وذئب في غرفة واحدة، دون أنْ يستطيع أحد منهما مطاولة الآخر، فكانت النتيجة هزال الحمل وضموره، ومن ثم موته، وذلك على الرغم من إعطاءه كميات الغذاء نفسها التي كان يستهلكها حمل آخر يعيش في ظروف طبيعية . وتلك الدراسة لا يمكن تجاهلها كأول دراسة تجريبية لعصاب الصدمة وانعكاساته النفسية- الجسدية. ويمكن بعد ذلك أنْ نذكر دور أوبنهايم Oppenheim الذي أطلق في عام 1884 تسمية العصاب الصدمي على وضعية الشعور بتهديد الحياة، كما أنَّ له الفضل في عزل وتمييز هذا العصاب ومن بعده أتى تشاركوت Charcot وعارض أطروحات أوبنهايم حول الأسباب النفسية للصدمة وطرح إشكالية هل أعراض ما بعد الصدمة تعود إلى الشخصية الأساسية واضطراباتها المتفجرة بمناسبة الصدمة؟ أم أنَّ هذه الأعراض هي نتيجة فعلية للصدمة ؟
ومن هنا يتوجب علينا توضيح أنَّ اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة (PTSD) يُعَّرف على أنَّه اضطِراب نفسي يترافق مع أحداث صَادمة شديدة. ينتج عنه أعراضًا كلاسيكية classic symptoms مثل إعادة معايشة الصدمة في الأحلام، وفي الصورالذهنية والأفكار، والشعورالعام بعدم القدرة على التعبيرعن المشاعر، وذلك بعدم إظهار مشاعر إيجابية تجاه الآخرين، والشعور بعدم الرغبة فى التفاعل مع العالم الحقيقي، والابتعاد عن العلاقات الاجتماعية، وعدم الاهتمام بالأعمال التي كانت موضع الاهتمام فى السابق، ونسيان الحديث أو عدم القدرة عن الحديث عن جوانب مهمة من الصدمة، والإحساس بالذنب لكونه باقيًا على قيد الحياة، بالإضافة لاضطرابات النوم، والاستثارة الزائدة. ويشخص الاضطراب عموما كأحد اضطرابات القلق. كما أنَّ له علاقة بردود الأفعال تجاه الضغوط كافة مهما اختلفت أنواعها ولكن العلماء كانوا يستعملون بعض العبارات بدل اضطراب الشدة بعد الصدمة فالاضطرابات الناجمة عن العنف المنزلي بكل أشكاله كان لها تسميات أخرى مثل زملة صدمة الاغتصاب Rape Trauma Syndrome أو زملة المرأة المعتدى عليها Battered Woman Syndrome، وزملة سوء استخدام الطفل child abuse accommodation syndrome ، كل هذه المفاهيم وغيرها صارت تعرف على أنَّها تُمثِل أشكالاً لاضطراب ما بعد الضغوط التالية للصدمة .
وعلى هذا فإنَّ الحادث الصدمي يؤثر أول ما يؤثر فى التنظيم المعرفي لدى الفرد، فيؤدي بالفرد إلى وضع تفسيرات نفسية محددة لهذا الحادث ويتفق التفسير السلبي لهذا الحادث مع ظهورأعراض عامة على الفرد منها الذكريات التي تقتحم عقل المصدوم، والتنبيه الزائد للضغوط، وينجم عن كليهما أعراض ثلاثة أكثر تحديدا ًوهي الانسحاب، والخدر فى الاستجابة، والاكتئاب. ثم يلي ذلك احتمالات مرضية ثلاثة هي ( زملات طبية نفسية كاضطرابات ما بعد الصدمة، أو اضطرابات شخصية، أو اضطرابات نفسية فسيولوجية) وعندما تستقر اضطرابات ما بعد الصدمة لدى الفرد فإنه يصاب بأعراض محددة أهمها التخيلات المقتحمة، والسلوك التجنبي، والتنبيه المضطرب . وفى الواقع ليس جميع الأشخاص الذين يتعرضون لصدمة أو كارثة يسقطون فى الاضطراب المذكور. إذ هناك عوامل معينة قد تساعد على ظهورالاضطراب بما فى ذلك طبيعة الصدمة، سن الضحية، طبيعة الشخصية واستعدادها المرضي، دور البيئة .
فالصدمات، أو الأحداث الصدمية التي تتناول العنف بين الأفراد، والاعتداء الجنسي، أو تهديد الحياة، والإصابة الجسدية، والخسارة النفسية البالغة ومواجهة الأفراد، والجماعات بمطالب أكبر من طاقتهم، تجعلهم يعانون من الاضطراب، ويصعب عليهم التكيف، والأفرد الذين تعرضوا لخبرة صدمية مباشرة أو من خلال ملاحظة الأحداث الصدمية يمكن أن يعانوا من تعطيل متوقع في الوظائف النفسية. وهذا التعطيل يتطور كنوع من الاستجابة لحادث صدمي فقط ، ولا يمكن أن يظهر جراء الحوادث الضغطية الأخرى مثل العمل والطلاق.
وعلى هذا فإن العنف الواقع على المرأة والخسارات المرتبطة به ، من التجارب الخطرة جداً على النساء وغالباً ما تستحوذ على جزء كبير من تفكيرهن حيث تبقى ذكريات مخاطر التجربة الصدمية في الوعي لاإرادياً، ولذا فإن ضحية الصدمة يكون متردداً جداً في التطرق للتجربة الصدمية بسبب فقدان الثقة الناجم عن إعادة الاستذكار، أو خوض تجربة المشاعر المرتبطة بالصدمة، والخوف من أنها ستكون مؤلمة جداً. وعلى هذا فإن التذكر المتكرر لتجربة الصدمة ينطوي على خطر أن تصبح الصدمة ذات أثر أسوأ، في حين أن تحاشيها عقلياً هو آلية غريزية في الدفاع عن النفس وهذا ما قد يفسر عدم إبلاغ النساء عن تعرضهن للعنف. وقد تبين أنَّ ضحية الصدمة تُجمد مشاعرها وتصاب بما يسمى الالكسيثيميا وبذلك تكون أقل تأثراً بها، وآلية الدفاع تلك تكون فاعلة بين الحين والآخر وتعمل على حماية الفرد، مع ذلك فإن عزل التجربة عن الذات يتم المحافظة عليه عن طريق التوتر العضلي، ويسبب آثار مؤذية عندما يستمر لفترة طويلة. وعلى الرغم من أن ذكريات الصدمة النفسية مؤلمة، لكن لا يمكن تجاهلها حيثُ إنَّ عزل المشاعر بشكل أولي في الدفاع النفسي يعني أنَّ جزءاً من ذات ضحية الصدمة قد افتقد، وأن القابلية على توحيد ذات المرء فقد افتقدت أيضاً، وبذلك ينتج الوهن وجمود المشاعر (الالكسيثيميا)، فضلاً عن أنَّ كون المشاعر المؤلمة يمكن أنْ يكون لها تأثيرات عكسية على هيكل العقل، مثل نوبات الهلع المفاجئة والاضطرابات الجسدية. وبالتالي يكون من الضروري التعامل مع مشاعر ضحية الصدمة التي قد تم عزلها سريعاً بشكل مؤقت وإعادة توحيدها بالذات.

المصدر : مركز مساواة المرأه
1