أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
العنف ضد المرأة!!
بقلم : فاطمة ناعوت ... 10.07.2014

ما العنفُ ضدّ المرأة؟ ليس صحيحًا ما يظنّه كثيرون في أنه يقتصر على الإيذاء البدني الذي يوقعه "ذكرٌ"، (لا أقول رجل)، بأنثى، محتميًا بقوته البدنية التي تفوق قوة ضحيته. وفي المجتمعات الرجعية (مثل مجتمعاتنا حماها الله)، يضيفُ الذكرُ إلى "عضلاته"، مظلّة قبيحة أخرى يحتمي بها ضد ضحيته المستضعفة؛ هي ظلامية المجتمع، التي تجعل منه سيدًا ذا جبروت، وتجعل من المرأة جاريةً ذليلة، لكيلا أقول عبدةً، يجوز معها أن اتباع صدر بيت الشعر الذي قاله أبو الطيب المتنبي: “لا تشترِ العبدَ إلا والعصا معه”!
لكن الجمعية العامة للأمم المتحدة وسّعت مفهوم "العنف ضد النساء" ليشمل أي اعتداء مبني على أساس "النوع"، جسديًّا كان أو نفسيًّا أو جنسيًّا، أو تهديدًا بالاعتداء، أو الضغط المعنوي أو الحرمان التعسفيّ من الحريات، في إطار الحياة العامة أو الخاصة. وأشار الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة الصادر عام 1993 إلى أن الجاني قد يكون من كلا الجنسين، أو يكون من أسرة الضحية، وقد يكون الجاني هو الدولة نفسها، إذا ما تهاونت في احترام المرأة والانتصار لحقوقها إن سُلبت. أما في الدول المتحضرة، فحماية المرأة تعدُّ مسألة أمن قومي، وليست وحسب أمرًا أخلاقيًّا ودستوريًّا ودينيًّا. لأن إيذاء المرأة يكلّف الدولة أموالا هائلة، إضافة إلى كُلفة الخلل المجتمعي والتصدّع الذي يهدد أمن المواطنين والأطفال جراء تلك الحماقات العنصرية. فتقارير منظمة الصحة العالمية WHO ترى أن العنف ضد النساء عبءٌ ماديّ لا مبرر له تتحمله نُظم الرعاية الصحية (التي لا نتمتع بمثلها) في الدول المتحضرة التي تحترم حقوق الإنسان. ذاك أن النساء اللواتي يتعرضن للعنف يحتجن إلى خدمات صحية بتكلفة باهظة مقارنة بالنساء الآمنات. وأكدت الدراسات البحثية وجود ارتباط شرطي بين سوء معاملة النساء وبين مستوى العنف في المجتمع، إلى درجة يمكن معها التنبؤ بمستويات العنف في الدول المختلفة بمجرد تسجيل مدى سوء معاملة المرأة في كل دولة.
لكل ما سبق، ولأن مصر تطرّز الآن ثوبًا جديدًا يليق بها، لتخطو به خطواتها نحو "استعادة" التحضّر الذي ضاع منها، منذ نصف قرن، كان لابد أن يكون لمصر نهجٌ مؤسسي يُعيد للمرأة المصرية مكانتها التي اهترأت بفعل عوامل كثيرة، أهمها الجهل والفقر.
لهذا احتشدنا يوم الاثنين الماضي 7 يوليو لنشهد هذه اللحظة التاريخية في حاضر مصر. مؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة، بمبادرة المجلس القومي للمرأة، تحت رعاية السفيرة ميرفت التلاوي، المناضلة الشرسة التي تنتزع حقوق المرأة من أنياب مجتمع لم يتعلم على مدى عقود احترام حقوق الإنسان بوجه عام، والمرأة على وجه الخصوص. لكن مصر بعد ثورتين هائلتين، أعادتا للمواطن المصري ثقته في أنه صانع القرار، آن لها أن تعيد النظر في مسألة المرأة التي أُرجئت طويلا حتى وصل الأمرُ إلى آماد غير معقولة من زواج مبكر واغتصاب طفلات وحرمان من التعليم وختان وتحرش وعنف أسري وغيرها الكثير مما يدخل في نطاق العنف ضد المرأة. دشّن المؤتمرُ هذه الاستراتيجية ووقع البروتوكول الرسميّ رئيسُ مجلس الوزراء المستنير، مهندس إبراهيم محلب، ووزراءُ سبعةٌ يمثلون سبع وزارات: الداخلية، التضامن الاجتماعي، العشوائيات، التربية والتعليم، الصحة، العدل، القوى العاملة والهجرة، وقع كلّ منهم على بيان المجلس.
أثق في أن غدًا أجمل سيشرقُ على وجه مصر في ظل دستور يرعى حقوق المرأة ويضمن لها مكانتها ويعيد إليها احترامها الذي كفله لها اللهُ وأمر به البشرَ.

1