أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
المرأة والإعلام من يشوه صورة الآخر !!
بقلم : د. ناديا بوهنّاد ... 08.06.2014

*التلاعب بمشاعر المشاهد واستفزاز فكره فلن تُجدي مع مثل من تسمح للإعلام وتُعطيه الضوء الأخضر للإساءة لها ولبنات جنسها ثم تنادي بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل.
قرأنا الكثير مما كُتب عن صورة المرأة في الإعلام الغربي والعربي، وكيف أن الإعلام دأب على تشويه صورة المرأة حتى حوّلها من إنسان يحمل صفات المرأة المكرمة ذات شخصية تمارس أدواراً عدة بدءًا من كونها أمّا وابنة وزوجة وامرأة عاملة وذات نفوذ في مجال عملها إلى أنثى مجردة من كل المشاعر السامية إلى كونها سلعة رخيصة متداولة هنا وهناك على صفحات الجرائد والمجلات والإعلانات التلفزيونية التي تستخدمها كأداة جذب وطعم لشراء المواد الاستهلاكية لا أكثر ولا أقل.
الإعلام هو السلطة الرابعة في العالم وهو كذلك في معظم دول العالم العربي، وقد تطور بشكل ملحوظ من الناحية التقنية وتقدم بشكل مبهر ورائع في الانتقال الورقي إلى الالكتروني وفي سرعة عرض أهم، وأحيانا، أصدق الأحداث والأخبار، ولكن يبقى التعامل مع صورة المرأة هو ذاته كما تم استنساخه من الغرب. وهذا شيء متوقع نسبة إلى أن العرب بشكل عام أمّة مقلِدة لا تبدع، فمعظم ما لدينا هو تقليد للغرب حتى أن العديد من الأفلام العربية هي تقليد واضح لأفلام نجحت في الغرب ولكنها فشلت بسبب التقليد غير الموفق في العالم العربي. وصورة المرأة في الإعلام العربي هي الصورة النمطية التقليدية التي نسخها عن الغرب، صورة الموديل وسيلة للجذب الجنسي. وقد التبس الأمر على الكثير من النساء في العالم العربي وتطور لا شعوريا حتى صارت المرأة هي نفسها من تتبنى وتتقمص الصورة النمطية المعروضة أمامها لتعتبرها نوعاً من أنواع التقدم والرقي الحضاري.
وعلى صعيد الإعلام المرئي فإلى جانب البرامج الترفيهية التي تركز على الجمال والموضة هناك برامج توعوية تناشد وتُطالب بحقوق المرأة. فبرامج الجمال والموضة ترسل رسائل لاشعورية وغير مباشرة للمرأة المشاهدة أنها قبيحة وأنها لا شيء من دون اقتناء المنتج المعلن عنه وأن جمالها مقترن بالتشبه بتلك الموديل التي تبيع المنتج المعروض. أما البرامج الثقافية والتوعوية والتي من المفترض أن تكون كذلك فهي أيضاً ترسل رسائل متناقضة للمشاهد، فعلى سبيل المثال البرامج التي تنادي مقدمتها بحقوق المرأة هي متناقضة، المضمون راقٍ والشكل مبتذل، فنشاهد المذيعة تكاد تموت جوعا وتبدو كهيكل عظمي وكأنها تُعاني من مرض الأنوريكسيا حتى تبدو أضعف وأصغر سناً أمام الكاميرا ناهيك عن الكيلوجرامات من الأصباغ التي تضعها على وجهها والتي في معظم الأحيان تلغي ملامح الوجه الحقيقية لتبدو وكأنها مخلوق فضائي قريب الشبه من العارضة المجسمة التي توضع في محلات بيع الملابس، لعبة جامدة لا حركة في تعابير وجهها ولا مشاعر.
على الرغم من صحة الكثير من التهم الموجهة إلى الإعلام العربي، إلا أن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المشاهد الذكي هو الآتي: من يشوّه صورة الآخر، الإعلام أم المرأة؟! السلطة الرابعة وبرغم الكثير من السلبيات التي تكتنفها إلا أن الاعلام هو ليس الملام الوحيد هنا إنما هي المرأة بقدر ما هي الضحية في نظر الكثير.
المتتبع للإعلام الغربي يُلاحظ أن الصورة النمطية للمرأة كسلعة رخيصة مجردة من إنسانيتها بدأت تنحسر بل بدأت في السنوات الأخيرة تأخذ أطراً جدية، فهناك إعلاميات يعتبرن من أفضل وأنجح الإعلاميات في العالم الغربي واللاتي يحظين باحترام العالم هن ممن تقدم بهن السن واللاتي يظهرن على شاشات التلفاز يتبنين قضايا جدية ثقافية أو اجتماعية تهم الرأي العام. تشاهد الإعلامية منهن بتجاعيد وجهها التي تزيدها جمالاً طبيعيا وبساطة وتلقائية حضورها التي تعطي للبرنامج والمضمون مصداقية وتجعل المشاهد يزيد احترامه وتقديره لها أكثر من المذيعة العربية التي تهتم بقضايا اجتماعية أو سياسية ولا توجد أية مصداقية في طرحها للموضوع بسبب الشكل الذي يتناقض مع البيئة الإعلامية التي تقدمها، فترى أن المذيعة وهي تُحاور سياسيا محترما له سمعته في مجال عمله وهي بكامل زينتها ومساحيق التجميل التي تُظهرها وكأنها تستعد لتقديم حفل غنائي أو لتُشارك في حفل زفاف ناهيك عن استعراض بعض من أجزاء جسمها المكشوف وكأنها تتحدى المشاهد ولا تُعيره أيّ احترام باسم الحرية الشخصية!
قبل أيام أرسلت لي إحدى المتابعات للقضايا الساخنة على القنوات العربية صورا لإحدى المذيعات التي طالما دأبت على طرح نفسها كإعلامية وطنية تدافع عن قضايا وطنها بل وتدافع عن قضايا المرأة بكل الاتجاهات بل وتُطالب بالمساواة بين المرأة والرجل، تلك المرأة كانت تظهر على غلاف إحدى المجلات بملابس شبه عارية تُظهر فيها عن مفاتن جسدها وسيقانها بطريقة تُثير فيها غرائز الرجال المكبوتة وفي نفس الوقت تُثير فيها اشمئزاز كل امرأة مثقفة واعية، تناقض غير طبيعي والهدف منه هو مجرد الظهور والاستعراض لا أقل ولا أكثر. للكثير من النساء والرجال كانت تلك الصور صادمة لكنها لم تكن كذلك بالنسبة إليّ لأنني سبق وأن التقيت بها وتعرفت على مدى ضحالة تفكيرها وحديثها المستمر عن الحرية الجنسية بل وقدرتها على الإطاحة بفلان وعلان بشكل يُثير القرف إن صح التعبير.
لا بد من إعادة النظر في هذا التناقض الذي تمارسه المرأة على بنات جنسها والذي لن يأتي إلا بمبادرة من السلطة الرابعة نفسها. لابد من وجود برامج حقيقية تُعنى بقضايا المرأة والرجل بشكل واقعي على الصعيد الاجتماعي والسياسي والثقافي وليس عن طريق شعارات ترفعها أية فتاة تُطلق على نفسها إعلامية لمجرد الحصول على الشهرة. وحتى يرتقي الإعلام العربي والمرئي خصوصاً عليه أن يُركز اعتماده على اختيار شخصيات ورموز ثقافية لإعداد وتقديم البرامج خصوصا التي تكون ذات طابع تخصصي، والحرص على الاهتمام بلغة الجسد لدى الإعلامية التي توصل عن طريقه الكثير من الرسائل غير اللفظية إن كانت صحيحة بدلاً من لغة الجسد الرخيصة من إيماءات وحركات التي تقوم بها بعض المذيعات والتي لا علاقة لها بالمضمون والنقاش ولا تنسجم مع واقع المشاهد. وحتى لا تتعرض مثل تلك القنوات للخسائر وربما عليها الاحتفاظ بالمذيعات ضحيلات الفكر ورخيصات المظهر للبرامج الترفيهية التي تتناسب وفكرهن وشخصياتهن، أما التلاعب بمشاعر المشاهد واستفزاز فكره فلن تُجدي مع مثل من تسمح للإعلام وتُعطيه الضوء الأخضر للإساءة لها ولبنات جنسها ثم تنادي بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل. وأتذكر هنا قول شاعر العشق والغرام نزار قباني “أكثر ما يُثير استغرابي في بلادي أن تأتي النساء ضد حقوق النساء”.

المصدر: العرب
1