تتّفق أغلب ثقافات الكون على انّ الشّرف منظومة متكاملة من القيم الانسانية كالتفوق والقدرة على القيادة والمروءة والشجاعة والتحلي بالكرامة والنزاهة والصدق في القول والامانة ..فهو مجموعة من القيم التي تتظافر فيما بينها وتتوفر في شخص او مجموعة من الاشخاص فيحق القول وقتها ان هذا الانسان شريف فهل ان هذا التعريف لمفهوم الشرف هو نفسه مفهوم الانسان العربي لهذه القيمة العليا ?لااا
كل هذه القيم التي ذكرتها لا تمثل مفهوم الشرف عند العربي ولا توفيه حقه فشرف العربي رهينة ووديعة بين فخذي امراته او لنقل نعجته فقد ذكر الجاحظ ان بعض الرجال في زمنه يخجل من قول كلمة زوجتي حين يتحدث عن امراته فيعوضها بكلمة النعجة اشارة الى زوجته فشرف الرجل العربي يحدّده السلوك الجنسي لامراته او اخته او امه ومعنى هذا ان شرفه خارج عن ارادته بل هو مسؤولية النساء اللاتي تربطه بهن صلة وسلوكهن الجنسي هو المحدد لشرفه وربما هذا ما يفسر اقبال الكثير من الرجال العرب على الزنا ومعاشرة النساء خارج اطار الزواج وخوض التجارب الجنسية المتعددة وسط سكوت المحيطين به بل مباركة ذلك احيانا بوصفه شهادة له على فحولته ودليل على انه في مأمن من عقدة الخصاء لديه في الوقت الذي ترتفع فيه اصوات التجريم للمراة بمجرد همس واقاويل تطال سلوكها الجنسي فهذه المراة لا تتحمل مسؤولية شرفها فقط بل عليها ان تتحمل ايضا مسؤولية شرف الرجل .....ظاهرة ثقافية محيرة حقا وتستوجب الكثير من البحث لفهم جذورها وخلفياتها ونتائجها?
في العصور الاولى من تاريخ البشرية حظيت المراة بمكانة عالية فقد كانت مصدر حب ورهبة وخوف في نفس الوقت كيف لا وهي التي من جسدها تنبثق الحياة ومن صدرها يتغذى الانسان عند ولادته كي يعيش ودورتها الشهرية تنتظم مع دورة القمر لذلك كانت تحظى بنوع من التقديس والتأليه وهذا ما يفسر وجود الالهة المؤنثة في الاساطير القديمة " وقد كانت " عشتار " تجسيداً لهذه الثقافة حسب رأي فراس السواح في كتابه " لغز عشتار" لكن هذه المكانة التي حظيت بها المراة لم تدم واهتزت مع توصل الانسان البدائي الى اكتشاف الصلة بين الممارسة الجنسية والانجاب وان الحياة لا تهبها المراة بمفردها بل تحمل البذرة من الرجل وان لا حياة دونه ومن هنا كان الانقلاب التاريخي على المراة ومكانتها المقدسة ف وانتقلت العبادة من الآلهة الأم إلى الإله السـيد وقد كان هذا الانقلاب التاريخي على الأنثى مقدمة ضرورية لتثبيت الاقطاع ونشوء العبودية فالفئات الذكورية خاضت حروبا ضارية لتثبيت مراكزها والاستحواذ على امتيازات المجتمع وارتبط جنس الأنثى بالاثم من خلال أسطورة آدم وحوّاء فكانت الأنثى هي سبب حرمان آدم من الجنّة ونزوله الى عالم الاسفل عالم الأرض وبالتالي فهي سبب كلّ عذاباته وآلامه النّاتجة عن هذا النّزول ولذلك اعتبرت المرأة هي الآثمة الأبدية والحاملة لوزر شقاء الانسان والذكر هو ظل الله في الارض ومصدر الخير والسّموّ فحقّت له السّيادة بموجب ذلك كما حقّ لجم الأنثى وكبح جماحها وحبسها تجنبا للشرور الّتي يمكن أن تصدر عنها اذا ما اطلق سراحها وبهذه السلطة الذّكورية وهذه النّظرة الآثمة للمرأة ضمن الرجل الى جانب الامتيازات العديدة التي تمنحها له سلطته ضمن لنفسه ممارسة الشّروالتنصل من تحمّل مسؤوليّته طالما هو منسوب بالأساس الى الكائن المدنّس أي المرأة سبب كلّ الشّرور وأساسها .
من هنا نفهم الخلفية التّاريخية لسيطرة الذّكر الذي دعمه الضعف البيولوجي للمراة بسبب الحمل والولادة والرضاعة .
في كتابه "الحجاب والشخصية المزدوجة للمرأة"يرى المفكر المصري جمال البنّا أنّ لاضطهاد المرأة عدّة اسباب أهمّها ميول النّفس البشريّة الطّبيعي الى الظّلم والاستقواء اذا ما توفرت لها الفرصة لذلك وبما ن المراة اضعف من الرجل من الناحية الفيزيولوجية فان اضطهادها وممارسة الظلم والاستبداد عليها غير مستغرب من النظم الذكورية ونماذج الظلم والاستبداد المسلط على المراة عبر العصور والتي ذكرها التّاريخ من الصّعب جدا احصاءها وعدّها وهذا الاضطهاد لم يتفرّد به مجتمع دون آخر أو عقيدة دون غيرها .
يذكر د محمد شحرور في كتابه " فقه المرأة " أن الفُرس من أوائل الحضارات التي اضطهدت المراة وفرضت عليها وضع لثام على وجهها كي لا تدنس انفاسها النّار المقدّسة ثم تطوّر الامر عندهم الى فرض حجاب كامل يخف شر هذا المخلوق المدنّس أي المرأة وذكر أيضا أن اليهودية التي نشأت برعاية كورش الفارسي وداريوس وعزرا هي أول دين شرعن الى احتقار المراة واضطهادها ثم امتد ذلك فيما بعد الى المسيحية في عهد قسطنطين وخلفاءه الذكور الذين نجحوا في تحويل الانثى التي كانت رمزا للتّنوير الرّوحي إلى شيطان مريد وجب طرده من معبده واعتقال ارادته الّتي لا تجلب للانسان الى الشقاء والشّر فمحاكم التفتيش الكاثوليكية كانت تحكم باعدام كل النساء العالمات والكاهنات والغجريات والمتصوفات ومحبات الطبيعة وجامعات الأعشاب الطبية وحتى القابلات كلهن بتهمة الهرطقة وممارسة السحر هذا ما ذكره دان براون في روايته الشهيرة " شيفرة دافنشي "فالكنيسة على مدار ثلاثة قرون قامت بحرق خمسة ملايين امراة بتهمة ممارسة السحر والشعوذة ويذكر براون في روايته ان الجنس الذي كان يعتبر رمزا للتواصل مع الرّب من خلال الاتّحاد الجسدي تحوّل في ظلّسلطة الكنيسة الى عمل شيطاني مقرف هذه النّواميس وجدت في الجزيرة العربية مرتعا خصيبا حين امتدّت اليها فالصّحراء القاحلة وكثبان الرّمال العالية التي جعلت الجزيرة ومجتمعها في انفصال عن بقية العالم وما يحدث من تطورات ثقافية جعل من اهل الصّحراء الشعوب الأكثر ثباتا وتعصّبا في نظرتهم الى المرأة الّتي استغلّها بعض الفقهاء وعلى مقاسها فصّلوا ما يحلو لهم من الفتاوي الّتي لا يمكن أن يقبلها عقل أو منطق والّتي أسّست لثقافة مجتمعية قوامها النّظرة الدّونية للمرأة واضطهادها الّذي كان مقدّمة لجميع نواع الاضطهاد واخضاع الانسان لخدمة السلطة من خلال ترسيخ ذهنيّة التّحريم التي اتّخذت كسلاح تشهره السّلط السّياسية لاحكام قبضتها على الأعناق والعقول باجهاض كل محاولات التّنوير والتّغيير ومن الطبيعي أن تحتاج هذه السلطات الى اطار ايديولوجي يشرعن سياستها ويبرر مظالمها فكان الظلم تجاه المراة تاسيسا وترسيخا لجميع انواع المظالم في حق الانسان واتخذ منها شمّاعة عليها تعلّق أغلب الأخطاء والخطايا فكان الشّرف بمفهومه المعروف والمتداول لدى العرب هو أوّل قيد يطبق على عنق الكائن الأضعف أي المرأة فقد أفرغ هذا المفهوم من محتوياته ومعانيه الحقيقية وشحن بمعاني اخرى تدور كلها حول جسد المراة وسلوكها الجنسي ...لم يعد الشرف يعني النزاهة والصدق في القول والدفاع عن الوطن والخلق والابداع بل اصبح جسد المراة مسؤولا عن هذا العبء الثقيل المختزل في كلمة شرف ,فهو مسؤوليتك يا امراة ولا علاقة لي انا الذّكر به واذا خنت المسؤولية التي انيطت بعهدتك فسيراق من عنقك الدم أمّا أنا الّذي حباني الرب بالقوة الجسدية فان كل أخطائي مغفورة ما دمت في حلّ من عبء الشّرف الذي تحملينه في جسدك الملعون .....المغضوب عليه .
هكذا افرغ مفهوم الشرف من معانيه فبات الرجل مالك الارض والعقارات والمال والسلطة صاحب شرف رفيع بقطع النظر عن الوسيلة او الطريقة التي امتلك بها ما امتلكه فهو شريف ما دام شرفه وديعة محفوظة لدى اناثه وتمكن من فرض ثقافته هذه على البيئة المحيطة به لتصبح من البديهيات والمسلّمات فالفاسق شريف ما دام في مأمن من خيانة زوجته له مع رجل آخر والمنافق شريف ما دامت ابنته محافظة على عذريتها والمراة الحقودة الحسودة صاحبة الكيد والبغض شريفة طالما هي محافظة على النواميس الشكلية والظاهرية التي يفرضها مجتمعها والكسولة الجاهلة الخانعة شريفة ما دام خنوعها وخضوعها يرضي سيدها وهكذاسارت الامور بشكل يسهل ويبرر لقمع السلطات العليا للانسان انطلاقا من المرأة !!
حديث في مفهوم الشرف عند العرب!!
بقلم : سيدة بن علي ... 04.06.2013
المصدر : مركز مساواة المرأه