أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
بين مفاوضات فاشلة ونموذج المثقف المشتبك!!
بقلم : هيثم أبو الغزلان ... 13.03.2017

يُفهم من الإشارات المعلنة من الأطراف المعنية بعملية التسوية حصول "حلحلة ما" لاستئناف العملية التفاوضية. لم يشر أحد إلى فرص نجاح ذلك، ولا على حساب من ستكون هذه التسوية إذا تمت. وفي الوقت الذي يجدد فيه الزعماء العرب تمسكهم بمبادرتهم التي أُطلقت في قمة بيروت 2002، ويعتبرون كما قال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في اجتماع وزراء الخارجية العرب أن موقفهم هو:"الثوابت العربية على قاعدة الثوابت الفلسطينية"، داعيًا لإعطاء ترامب الفرصة والتريث قليلا، في مقابل ذلك، فإن "إسرائيل" تعمل على فرض الوقائع الاستيطانية وغيرها على أرض الواقع بما يمنع قيام دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي، أو قادرة على الحياة. وهذا ما أكد عليه رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي تراجع عن خطاب جامعة "بار إيلان" الذي أعلن فيه موافقته على حل الدولتين، وأكد أنه غير مستعد لهذا الحل، وأن كل ما يستطيع تقديمه للفلسطينيين هو دولة ناقصة من دون جيش أو سيادة كاملة.
وإذا كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أعلن "التزامه بمفاوضات تقود إلى سلام حقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين"، فهذا لا يعني أن الأمور سالكة باتجاه ذلك، أو أن "السلام ممكن، وأن الوقت حان لإبرام الصفقة"، كما نُقل عن ترامب، خلال الاتصال الهاتفي مع رئيس السلطة محمود عباس.
إن مضمون كلام ترامب للرئيس عباس يشير إلى تبني الموقف الإسرائيلي بشكل كامل، فهو ينزع عن المفاوضات مرجعيتها "الرباعية"، ويدعو إلى التفاوض المباشر بين الطرفين، وأن «الولايات المتحدة لا تستطيع فرض حل على الإسرائيليين والفلسطينيين، ولا يمكن لجانب واحد فرض اتفاق على الآخر». ويدعو يوسي بيلين في مقال له إلى إجراء محادثات مباشرة برعاية الرئيس دونالد ترامب، بين عباس، ونتنياهو عبر قناة سرية "إذا كان الهدف هو الوصول إلى اتفاق دائم"، أما غير ذلك فإن الفشل مضمون لأيّة مباحثات علنية. ويرى بيلين أن "الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة والخطوط الحمراء لنتنياهو لا تسمح الآن بالوصول إلى حل كامل وتحقيقه". ويطرح بيلين أن ما يمكن، عمله في الوضع السياسي الحالي هو "الشروع الفوري في قناة سرية تعمل خلال أشهر قليلة على إقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة".
في كل الأحوال إن الأطراف الإسرائيلية تلتقي في جوهر طروحاتها على نفي وجود الشعب الفلسطيني، وتعمل على اجتراح الحلول لتأبيد الاحتلال للأرض الفلسطينية، والتخلص من "الزيادات الديمغرافية"، وخنق الفلسطينيين في معازل، والاستمرار في ابتلاع وضم وتهويد الأرض والمقدسات الفلسطينية. وذلك، وفق رؤية إسرائيلية ترى أن أي كيان فلسطيني يقوم يجب أن يكون غير "قابل للحياة". ومن أجل خلق حاضنة لهذه الرؤى، فإن ما يسعى له الإسرائيلي هو إشراك أطراف عربية وإقليمية في عملية التسوية تحصل من خلاله إسرائيل على تطبيع عربي وإسلامي.
رغم مرور أكثر من 23 عامًا على إطلاق مفاوضات مؤتمر مدريد، وما حدث خلال هذه الفترة الطويلة من أحداث مريرة، وفرض الإسرائيلي الوقائع على الأرض، وعدم الالتزام بأيّة مواعيد واعتبارها "غير مقدسة"، إلا أن محمود عباس وفريقه لا يزالون يصرون على الاستمرار بالمفاوضات، وأن الحل الوحيد هو باستئناف المفاوضات على "أمل الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية"، لكن دون جدوى، فحل الدولتين الذي راهن عليه الكثيرون، لم يعد خياراً قائماً، وحل الدولة الواحدة كذلك، وما تطرحه إسرائيل هو أقل من دولة بكثير وأعلى درجة من حكم ذاتي، ليس عندها اعتراض تسميته بإمبراطورية.
في مقابل ذلك، نجد أن حالة الانقسام الحاصلة، وعدم الاتفاق على مشروع وطني فلسطيني جامع، والوقائع الإسرائيلية المفروضة، تشير إلى أزمة في المشروع الوطني الفلسطيني الذي ترك أدوات النضال والمقاومة دون رعاية، وترك انتفاضة القدس وحيدة ويتيمة، إلا من إصرار الشباب الفلسطيني على المواجهة واجتراح المعجزات في سبيل تأكيد حق شعبنا في مقاومة الاحتلال، وما النموذج الذي قدمه المثقف المشتبك، باسل الأعرج مؤخرًا إلا أحد النماذج القادرة على خلق واقع فلسطيني جديد عماده ثقافة المقاومة، وحاضنة شعبية، وسلاح مقاوِم لغة لا يفهم الاحتلال الإسرائيلي سواها.

1