ان المتتبع لجملة المستجدات والتغيرات على الساحة الفلسطينية والاقليمية وانعكاساتها، يرى حالة من الارباك والضعف لرئيس السلطة محمود عباس لم يعهدها من قبل، مما يجعله يكسر كبرياءه وعنفوانه، فها هو يقدم الاعتذر لايران عن موقفه ازاء عاصفة الحزم، ويوعز للمحكمة رفض الدعوى المقدمة ضد دحلان، ويأمر حكومة الحمدلله بتلمس اشارات من حركة حماس حتى تزور غزة وهي من أصدر قبل ساعات بيان كالت فيه الاتهامات بحق حماس، ويلغي فكرة الانتخابات من قاموسه ومن قاموس الشعب الفلسطيني، ويشن ردة فعل هوجاء ضد الطلبة الذين فازوا في انتخابات جامعه بيرزيت، وفي اخر المطاف يرسل أجهزته الأمنية لقمع مظاهر الفرح والابتهاج بعودة النائب المفرج عنه من سجون الاحتلال عبدالجابر فقهاء..هذه المظاهر وغيرها تشير لحالة قد تكون الأسوء على رئيس السلطة عباس، ويمكن أن تعزى أسبابها الى التالي:
أولا: التغير الملكي في السعودية، حيث تغيير أبرز الشخصيات التي كانت بمثابة بطانة داعمة لهوى عباس وماربه في وجه أي دولة اقليمية تدعم حماس ومشروع المقاومة سواء كانت قطر أو تركيا، علاوة على فشل سعيه الدؤوب ومحاولة اقتناص الفرصة لتوجيه بوصلة عاصفة الحزم ضد حركة حماس، فكان رد السعودية كوقع العاصفة عليه، بان ثمة فرق كبير بين المقاومة وما يجري في اليمن.
السعودية تعيد ترتيب أوراقها وحلفائها في المنطقة لمواجهة المشروع الايراني، حماس تمثل محور مهم في هذا الاطار، وعباس يشعر بأنه خارج اللعبة وبعيدا عن المشهد، وما يزيد من تخوفه انعكاس ذلك التغير على مصر في اتجاه تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة.
ثانيا: حماس وأوراق القوة، فحركة حماس تمتلك أوراق قوة متمثلة في القوة العسكرية وابداعاتها المقاومة للاحتلال، والحاضنة الشعبية الحصينة، واحكام القبض على جنود للاحتلال في الصندوق الأسود، مما جعل قادة الاحتلال يلهثون وراء صفقة مع حماس اولا لتثبيت تهدئة طويلة، وثانيا لابرام صفقة تبادل للأسرى، فوجهوا الدبلوماسيين الاوروبيين لذلك، وبالتأكيد هذا الأمر لا يرق لرئيس السلطة عباس لانه سيرفع من أسهم حماس ورصيدها الشعبي بوفاء أحرار 2، وبالتالي يرى المواطن الفلسطيني أن سلطة عباس لم تقدم شيئا يذكر يوازي هذا الانجاز من خلال مشروع التسوية على مدار أكثر من عشرين عاما.
ثالثا: الضفة.. فوز حماس وخيبة أمل الرئيس، فالانتخابات التي حدثت مؤخرا في جامعات الضفة وما نتج عنها، كانت بمثابة الخنجر في صدر عباس وحركته، رغم كل محاولات السيطرة والاحتواء، فأصبح الخوف من لحظة الثورة في الضفة وانتقال نموذج غزة، وهذه ستكون بمثابة القشة التي تقسم ظهر البعير.
رابعا: حركة فتح ..الترحم على الماضي وانسداد أفق التسوية، فحركة فتح باتت منقسمة داخليا، وأبناء الحركة لا يفتؤوا بالترحم على أيام الرئيس الراحل أبوعمار، الكثير منهم لا يرى في عباس سوى ديكتاتورا يطيح بكل من يقف في وجهه، في سبيل البقاء على رأس السلطة والتربح العائلي وهذا ما صرح به بعض قيادات حركة فتح. ومن جانب اخر هناك انسداد في مشروع التسوية الذي يتبناه رئيس حركة فتح عباس، وهو يشعر أنه لا يملك أي ورقة تجعل الاحتلال يفاوضه عليها من جديد بعد رهانه الذي فشل في الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة.
خامسا: غزة الصامدة المقاومة، فلقد باتت غزة تمثل عقدة نفسية لرئيس السلطة عباس، فبعد خطابه امام مليون ومائتي الف في غزة كما ادعى عبر وسائل الاعلام، والجماهير التي ركبت الزوارق من رفح لتستمع لخطبته العصماء، ظن أن ثمة قاعدة شعبية في غزة تؤيد مشروعه وتسير على دربه، وان الشعب سينبذ المقاومة وسينفض من حولها بعد سنوات عجاف طويلة من الحصار والتضييق، ولكن تحطمت هذه الامال وتبددت بعد حرب العصف المأكول والانتصار الذي حققته المقاومة والالتفاف الشعبي حولها.
ان هذه الأسباب وغيرها تجعل رئيس السلطة محمود عباس يبحث عن طوق النجاة، في ظل تهديد كبير يواجهه هذه الأيام، والأيام القادمة قد تكون حبلى بالمفاجات، وهنا سيتساءل المواطن كما المرات السابقة وهو من أصبح خبيرا بسلوك السيد عباس في مثل هذه المواقف، ترى هل سنسمع في الايام المقبلة عن تحريك لملف المصالحة ووعود جديدة من حكومة التوافق في ملف موظفي غزة وملف الاعمار؟ هل سينجح الرئيس من جديد في تثبيت سلطته واطالة عمرها بعد ما باتت في مهب الريح؟
الرئيس في أسوأ أحواله!!
بقلم : محمد رضوان ... 03.05.2015