نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا عن دروس الحرب في ليبيا بعد عشرة أعوام، قال فيه بيتر بيومنت إن الأيام الأخيرة لمعمر القذافي قبل 10 أعوام تستدعي صورا مختلطة عن التحدي والهزيمة والموت. ففي آذار/مارس 2011 وفي آخر ظهور له حيث كان التمرد يتجمع حوله، وصل الزعيم الذي سيطاح به قريبا إلى البرلمان في طرابلس على متن عربة تستخدم في ألعاب الغولف. ودخل القاعة منتفخ الأوداج والكبر باد عليه، لوح القذافي بقبضته قبل إلقائه خطابه مرتبكا أمام الحضور. وقال هادرا إن ليبيا ستقاتل حتى آخر رجل وامرأة ضد تدخل الناتو. وقدم المال ووعد بدستور جديد للمتمردين ضد حكمه مقابل التخلي عن حربهم وحمل القاعدة ولاعبين آخرين. وحذر الليبيين أنهم سيصبحون “عبيدا مرة أخرى” لو ذهب.
وفي شوارع دولته البوليسية وخارج مؤتمر الشعب وممثليه المطاوعين كان مفهوم الحرية عند القذافي أن من انتقدوا النظام علنا قد اختفوا وقتلوا وحوصرت البلدات والمدن. وبحلول آب/أغسطس كانت النخبة حول الزعيم قد رحلت عن طرابلس بعد أن قامت طائرات الناتو بقيادة فرنسا وبريطانيا بدخول الحرب. وكانت سيطرتها على الأجواء سببا في حرف مسار الحرب لصالح المتمردين. وفي تشرين الأول/أكتوبر وقد أحاط المتمردون حوله ولم يبق لدى أنصاره إلا بضع عمارات في سرت، حاول القذافي كسر الحصار حيث ألقي القبض عليه وقتل.
وبنظرة إلى الماضي، فقد كانت معركة سرت هي التي أظهرت الكثير مما حدث لاحقا من تنافسات بين الشرق والغرب والمعركة على المدن. وتميزت المعركة على سرت بحرب شوارع مرة بين كتائب المتمردين المتنافسة من بنغازي ومصراتة حيث تلاقت حولها. ولأن الحرب في ليبيا غطت عليها الحرب في سوريا فإنه لم يتم البحث عن دروس الحرب في العقد الماضي، ولكنه نزاع ألقى بظلاله على العلاقات الدولية وأثر على سمعة بعض الدول. وفي 2016 تحدث باراك أوباما عن خيبة أمله من الجهود الأوروبية بعد نهاية القذافي، مقترحا بالتحديد أن رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون كان “مشتتا” وساهم بالفوضى التي تبعت ذلك. وبالنسبة للرئيس نيكولا ساركوزي فقد كان الأثر شخصيا حيث لاحقته اتهامات بتلقي أموالا من القذافي أثناء حملته الإنتخابية عام 2007.
وفي البداية، نظر للتدخل الليبي على أنه نموذج للتدخل الإنساني بناء على عقيدة المسؤولية للحماية إلا أنه وبعد عامين بدأ ألان كوبرمان في مجلة الأمن الدولي يتعامل مع الحالة الليبية كتدخل فاشل، وحالة عن ضرورة عدم التدخل. وبحلول 2016 وجه رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، كريسبين بلانت، نقدا حادا للتدخل الذي قام به توني بلير في العراق وديفيد كاميرون في ليبيا. وأشار إلى أنه في حين أن “سياسة المملكة المتحدة في ليبيا كانت مدفوعة في البداية بالرغبة في حماية المدنيين”، إلا أنه أضاف:” نحن لا نقبل أنها [المملكة المتحدة] فهمت تداعيات ذلك، والتي تشمل انهيار الدولة وفشل الاستقرار وتسهيل التطرف الإسلامي في ليبيا “. والحقيقة أن التوترات في ليبيا مقارنة بدول العالم العربي ما عدا ربما سوريا كانت دائما مفهومة بشكل أقل من دوافع الانتفاضات في مصر وتونس، حيث كانت هناك حركات سياسية وإن كانت مقموعة. وكان الخلاف في أعقاب سقوط القذافي سريعا كما لم يكن متوقعا.
التوترات في ليبيا مقارنة بدول العالم العربي ما عدا ربما سوريا كانت دائما مفهومة بشكل أقل من دوافع الانتفاضات في مصر وتونس، حيث كانت هناك حركات سياسية وإن كانت مقموعة. وكان الخلاف في أعقاب سقوط القذافي سريعا كما لم يكن متوقعا
وسرعان ما تبعثر مخزون الأسلحة الكبير الذي كان يحتفظ به النظام مما ساهم في زعزعة الاستقرار في المنطقة الأوسع، وليس أقلها مالي. ونزح عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة في ليبيا، الذين لم يعودوا موضع ترحيب، في بداية أزمة الهجرة المعقدة التي ستشهد فيما بعد ليبيا طريقا إلى أوروبا والاتجار بالبشر على نطاق واسع. وكل هذه المخاطر كانت حاضرة بمقال نشره موقع “فورين أفيرز” في 2012 وناقشت فيه زاهية الزبير أن ليبيا في خطر التفتت وسط الجماعات المسلحة المتنافسة. وقالت إن “التحدي الأكبر لليبيا هو تجنب الانقسام كما حدث السودان” والأسوأ من هذا “الصوملة” حيث لم تعد الدولة قادرة على التحكم بالميليشيات الي تفرض قوانينها على المناطق التابعة لها. وكما قالت كلوديا غازيني، الباحثة في الشأن الليبي بمجموعة الأزمات الدولية، إن مقتل القذافي البشع محاطا بأعدائه بمدينة سرت وصور على الفيديو لم يعن نهاية العنف بل نشره. وبالنسبة غازيني فبدون الناتو لم تكن المعارضة قادرة على التخلص من القذافي و”لو بدأت من التدخل الذي قاده الناتو، فالدرس الأكبر منه هو أنه بذر بذور الفرقة التي تلت، وتدخل مثالي قائم على مسؤولية الحماية تحول إلى تغيير عنيف للنظام” و”الطريقة التي قتل فيها القذافي عززت فكرة القتل والقبول به ومهاجمة الميليشيات المسلحة مناطق مثل ترهونة وبني وليد بناء على فكرة أنها موالية للنظام”.
ونظرا لعدم وجود خطة لما بعد الإطاحة بالنظام فقد تفتتت البلد بناء على خطوط جهوية وميليشيات سيطرت على مدن حاول استخدام السلاح لشراء التأثير السياسي. ولم يؤد هذا إلى فتح الباب أمام التدخلات الخارجية واللاعبين الإقليميين بمن فيهم دول الخليج وتركيا ولكن الجماعات الإسلامية المتشددة.
وفي ورقة بحثية نشرها معهد تشاتام في لندن ناقش فيها جورج فهمي أن العنف الذي تبع الإطاحة بالقذافي ترك تداعياته على عمليات انتقال الدول من الأنظمة الديكتاتورية. وقال إن “اللجوء للعنف هو أسهل طريقة لإنهاء أي أمل للتغيير الديمقراطي”، مضيفا أن “المحتجين الذين لجأوا إلى السلاح منحوا أنظمتهم الفرصة لتأطير الإنتفاضة السياسية بأنها حرب أهلية، كما في حالة سوريا. وحتى عندما استطاعت الجماعات المسلحة التخلص من النظام، فقد عرض وجودها المرحلة الإنتقالية كما في حالة ليبيا”، حيث تنافست الجماعات القبلية والجهوية في بلد انقسم بين الشرق والغرب على الغنائم السياسية والمناطق الغنية بما فيها الزنتان ومصراتة. وبشكل متساو كان التنافس بين الشرق، برقة وبنغازي والمناطق التي سيطرت عليها الحكومة في طرابلس غربا. وكما ترى غازيني فإن التنافسات في مرحلة ما بعد القذافي عادة ما تلاقت وبشكل خطير بل وفاقمتها المصالح الأوروبية لمنع الهجرة، مشيرة “لم تكن هناك خطة لبناء الدولة باستثناء تشكيل بعثة أممية لتنظيم الإنتخابات، ولم تكن هناك إرادة قوية أو قدرة غير ذلك”. كما أن المجتمع الدولي تبنى موقفا غامضا لدعم القطاع الأمني الليبي بدون الإعتراف بوجود شبكة جهادية تشق طريقها ثم نزعة التشدد في الخطاب والإستقطاب التي مارسها كل طرف.
وعندما ينظر إلى الجماعات الجهادية على أنها تهديد، كان الرد هو عكس هذه القضية لمن ينظر إليهم على أنهم يقاتلون ضدهم، ليس أقلهم في ذلك أمير الحرب خليفة حفتر الذي جعلته طموحاته لاحقا يحاصر الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس في محاولة فاشلة للسيطرة على السلطة.
واستطاع حفتر باسم محاربة الإرهاب الحصول على دعم عدد من اللاعبين بمن فيهم الإمارات العربية المتحدة وروسيا ومصر وفرنسا والسعودية، وهو ما قاد للتوتر في المنطقة حيث دفعت تركيا لدعم حكومة طرابلس. ويرى إيسندر العمراني، الخبير في مؤسسة الديمقراطية المفتوحة بعمان، أنه لم يتم تعلم الدروس المفقودة، كما في حالة النقاش غير الصادق بين من دعموا التدخل وعارضوه. وقال إن من يشيرون إلى ظهور تنظيم “الدولة” وأمراء الحرب ينسون أن مذبحة كانت سترتكب في بنغازي وأن معظم الليبيين كانوا مع التدخل. لكن الروس الذين دعموا ت التدخل تحت مسؤولية الحماية شعروا بالخداع لأنه تحول لتغيير النظام.
و”ليبيا، على ما هي عليه، تلخص فوضى سياسات القوى العظمى كما هي الآن. لم تكن هناك قيادة دولية موحدة. لا توجد قيادة أمريكية بعد أن ابتعد الأمريكيون عن عملية السلام من 2014-2017 بعد وصول ترامب إلى السلطة. لم يكن هناك أي اهتمام باستثناء مكافحة الإرهاب”.
ومع ذلك، فإن كلا من غازيني والعمراني أكثر تفاؤلا بشأن عملية السلام المتجددة التي تبرز سأم الناس من الحرب في ليبيا بعد عقد من الصراعات. وقالت غازيني: “يبدو أن هناك إرهاقا حقيقيا من الحرب في جميع أنحاء البلاد. لكن يبدو أن الليبيين قد عادوا إلى رشدهم ويريدون ليبيا التي حرموا منها في جولات الحرب المختلفة والمشاحنات السياسية.. علاوة على ذلك، كانت ليبيا مستقطبة في ذروة الخلاف الخليجي الداخلي والتوترات بين تركيا ومختلف العواصم العربية. الآن نشهد هذه تنتهي تدريجيا”.
صحافة:الغارديان: دروس منسية عن التدخل الإنساني في ليبيا.. تغيير النظام قاد للفوضى وتفتت البلد وتعب من الحرب!!
27.04.2021