أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
1 2 3 47239
استفحال "التكييش" في غزة... استنزاف المواطنين والاقتصاد!!
22.01.2023

*كتب يوسف أبو وطفة..دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2006 ونقص السيولة النقدية، إلى ابتكار ما يعرف محلياً بـ"التكييش" من أجل توفير الأموال والسيولة المالية اللازمة لتدبر أمور حياتهم.ويلجأ الكثيرون حالياً إلى شراء السلع من المحال التجارية أو بعض الشركات بنظام التقسيط الذي لا يتجاوز في كثير من الأحيان مدة عام، ثم يبيعونها لذات المؤسسة أو شركة أخرى مقابل الحصول على دفعة مالية نقدية أقل من ثمن السلعة التي اشتروها.وتكبّد هذه الخطوة صاحبها أموالاً مالية كبيرة، رغم حصوله على السيولة النقدية حال بيعه للسلعة، لكونه يتحمل فائدة إضافية على ثمن السلعة التي اشترها بالتقسيط قبل قيامه ببيعها، إضافة إلى إمكانية تعثره في عملية السداد، وهو ما يعرض صاحب هذه الخطوة للسجن.وبرزت هذه الظاهرة في أعقاب الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية بحق موظفيها في القطاع عام 2017، وكانت تقتصر على الموظفين فقط، قبل أن تمتد لتشمل فئات أخرى لاحقاً، وتصبح أكثر اتساعاً على صعيد الأفراد، وحتى الشركات العاملة في هذا المجال.
بيع الهواتف الذكية
وفي بداية ظهور "التكييش"، كانت عملية الشراء والبيع تقتصر على الهواتف الذكية من خلال شرائها حديثة، ثم بيعها في ذات اللحظة، قبل أن تتسع في العامين الماضيين لتشمل الأجهزة الكهربائية والعقارات والسيارات وغيرها من السلع. وأسهمت هذه الظاهرة في تراكم عشرات القضايا أمام المحاكم العاملة في القطاع نتيجة تعثر المئات من المواطنين في عملية سداد أقساطهم المتراكمة عليهم، بفعل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها أكثر من مليوني مواطن في القطاع.وفي الفترة الأخيرة أصدرت وزارة الاقتصاد في غزة، التي تديرها حركة حماس، سلسلة من القرارات لمحاربة هذه الظاهرة ووضع حد لها، مع تناميها بشكلٍ لافت وزيادة معدلات الشكاوى والقضايا أمام الجهات الحكومية في القطاع.وخلال الفترة الماضية برزت عشرات الشركات العاملة في هذا المجال، التي تعتمد على توفير السلعة والسيولة النقدية في آن واحد للمواطن، ثم تُلزم الراغب في الحصول على السيولة النقدية بتوقيع "كمبيالات" أو شيكات تفوق السعر الأساسي للسلع تحت إطار "حفظ حقوقها"، وهو ما أدى إلى وجود مبالغ مالية طائلة ناتجة من "كمبيالات وهمية".ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر، أن جميع محاولات وزارة الاقتصاد في القطاع لوقف ظاهرة "التكييش" لن تنجح بسبب البيئة المالية التي تكونت في القطاع خلال سنوات ما بعد 2017 وحتى الآن.
ويقول أبو قمر لـ"العربي الجديد" إن الـ"تكييش" وجد بيئة خصبة بعد إجراءات السلطة الفلسطينية قبل نحو ست سنوات، التي تمثلت بقطع الرواتب والتقليصات وإحالة عدد كبير على التقاعد، وبالتالي إن المطلوب التخلص من جميع الظواهر المسببة، وآليات التحايل على الموظفين في هذا الجانب، والعمل الجاد على مضاعفة المعروض النقدي في الأسواق بعدة طرق، أهمها رفع نسبة رواتب الموظفين.
غسل الأموال
ويضيف أن "نظام المرابحة في البنوك الإسلامية أفرز أيضاً ظاهرة "التكييش"، الذي يفقد العميل فيه نسبة كبيرة من أمواله، قد تصل إلى أكثر من 30%، إلى جانب أن غسل الأموال أسهم كثيراً في هذه الظاهرة".ويشير إلى أنه لا يمكن الحديث عن مبلغ معيّن أو حتى تقريبي لـ"التكييش" في غزة، فأغلب المعاملات في هذا الجانب تُجرى ضمن "اقتصاد الظل"، وهو ما يفرض ضرورة التخلص من مسببات المشكلة بشكل كامل من قبل الجهات الحكومية في غزة.ويشدد على سلبية هذه الظاهرة الاقتصادية وانعكاساتها على الاقتصاد المحلي في القطاع، كنتيجة طبيعية لضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين وحاجتهم الماسّة للسيولة النقدية من أجل تلبية احتياجاتهم ورغباتهم اليومية.ومنذ عام 2013، لم يتقاض موظفو الحكومة التي تديرها حركة حماس منذ سيطرتها على القطاع عام 2007 رواتب كاملة، واقتصر الأمر على صرف نسب من الرواتب تراوح بين 40% إلى 60% في أفضل الأحوال.أما موظفو السلطة الفلسطينية في غزة، فتعرضوا منذ عام 2017 لسلسلة من الإجراءات، تمثلت بصرف 70% فقط من رواتبهم، إلى جانب عدم صرف راتب شهر مارس/ آذار من ذات العام، فضلاً عن قطع رواتب المئات وإحالة بعضهم على التقاعد المبكر قبل أن تجرى إعادتهم أخيراً.ويؤكد المدير العام لغرفة غزة التجارية، ماهر الطباع، أن الظهور الرئيسي لظاهرة "التكييش" بدأ في أعقاب الإجراءات التي اتخذت عام 2017 بحق موظفي السلطة في القطاع وما نتج منها من عجز شديد في السيولة النقدية المتوافرة.
الظاهرة تمتد إلى السيارات والعقارات
ويقول الطباع لـ"العربي الجديد" إنّ الظاهرة نشأت في بداية الأمر على صعيد الهواتف الذكية وضمن فئات محددة بعينها قبل أن تتسع في الفترة الأخيرة لتشمل الأجهزة الكهربائية والسيارات، وحتى العقارات، وأصبح انتشارها ملحوظاً وكبيراً.ووفقاً للمدير العام لغرفة غزة التجارية، فإن هذه الظاهرة أضرت كثيراً بالاقتصاد الفلسطيني، نظراً لتراكم الديون على المواطنين وآليات السداد الصعبة المترتبة عن عملية التقسيط وحالة التردي الواضحة في المشهد الاقتصادي نتيجة لارتفاع معدلات الفقر والبطالة.ويشدد على أنّ استمرار هذه الظاهرة من شأنه أن يربك المشهد الاقتصادي ككل، سواء على صعيد التجار، أو حتى المواطنين المتعثرين في سداد ما عليهم من أقساط للشركات أو المحال التجارية، وهو ما أدى إلى تدخل حكومي لمحاربة هذه الظاهرة في الفترة الأخيرة.لكنّ المدير العام لغرفة غزة التجارية، يعتقد أنّ من الصعب إنهاء هذه الظاهرة خلال الفترة الحالية، بالرغم من الخطوات والقرارات الحكومية التي اتخذت لمحاربة "التكييش" والتي يخسر فيها المواطن ما نسبته 20% من قيمة السلعة.وتعتبر رواتب موظفي السلطة وحكومة غزة التي تديرها حركة حماس، المحرك الأساسي لعجلة الحركة الاقتصادية في القطاع، غير أن عدم صرفها كاملة، والتأخر في أحيان كثيرة في صرفها، ينعكسان بالسلب على المشهد التجاري ككلّ.ويقول المدير العام للسياسات في وزارة الاقتصاد في غزة، أسامة نوفل، إنّ وزارته أصدرت سلسلة قرارات في الفترة الأخيرة لمحاربة "التكييش"، أبرزها منع عمل الشركات تماماً، والثاني تحديد نسبة فائدة لا تتجاوز 5% فقط.
فواتير وشيكات وهمية
ويضيف نوفل لـ"العربي الجديد" أنّ السبب الرئيسي للتدخل، هو ما حدث في الآونة الأخيرة من تقديم أصحاب شركات فواتير وشيكات خاصة بمواطنين تفوق قيمتها القيمة الأساسية للسلع التي عملوا على شرائها خلال الفترة الماضية.وبحسب المدير العام للسياسات في وزارة الاقتصاد في غزة، فإن هذه الظاهرة نتجت منها فواتير وشيكات وهمية يصل بعضها إلى مبلغ 200 مليون شيكل إسرائيلي، وهو مبلغ ضخم للغاية يفوق أسعار السلع والأجهزة المختلفة في القطاع. (الدولار=3.42 شيكل إسرائيلي).ويلفت إلى أن إجمالي القضايا المنظورة في المحاكم نتيجة لظاهرة "التكييش" تتخطى قيمتها المليار دولار، وهو ما دفع الوزارة والجهات الحكومية للتدخل من أجل وقف هذه الظاهرة والحد منها.ووفقاً لنوفل، فإنّ الجهات الحكومية الاقتصادية استدعت ما يزيد على 80 شركة تعمل في هذا المجال وألزمت 70 منها بتوقيع تعهدات بعدم العمل بهذا النوع من التعامل التجاري، فيما امتنعت قرابة 11 شركة عن التوقيع وأُحيلت على النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقها.وسببت التوترات وعدم الاستقرار السياسي، وتداعيات جائحة كورونا، وتكرار الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، إضافةً إلى 16 عاماً من الحصار البري والجوي والبحري، تفاقم الأوضاع المعيشية، وفق تقرير صادر في وقت سابق من الشهر الجاري عن وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
وأشار التقرير إلى أنّ أكثر من 40% من سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ما يعني أنهم يعيشون يوماً من دون طعام بانتظام، لافتا إلى أنّ هذه العوامل مجتمعة أدّت إلى زعزعة استقرار حياة الأفراد والمجتمعات المحلية، وزادت من المصاعب التي يواجهونها.
**المصدر : العربي الجديد

1