أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 47737
غلاء الأسعار في الضفة… حراكات شعبية وإجراءات حماية حكومية لخيارات متواضعة!!
13.06.2022

رام الله ـ لا تخلو جلسة في عموم مناطق الضفة الغربية من أحاديث الغلاء الفاحش مع تنامي إحساس المواطنين بأنهم أصبحوا أكثر ضعفا أمام موجة الغلاء التي تضرب فلسطين المحتلة، أسوة ببقية دول العالم.هذا الواقع الفلسطيني المختلف جزئيا عن دول كثيرة مجاورة خلق حراكات اجتماعية مناهضة للسياسات الرسمية ومطالبة إياها بمزيد من التدخلات وإجراءات الحماية، وكان أبرزها حراك “بدنا نعيش”المجتمعي الذي انطلقت فعالياته في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية لكنه توقف فجأة.الحراك الغاضب والذي يعتبر امتدادا لذات التحرك المجتمعي الذي صعد قبل سنة تقريبا على خلفية موجة الغلاء إثر “وباء فيروس كورونا” كان قد استعاد نشاطه عبر اعتصام نظم الأسبوع الماضي في ساحة دوار ابن رشد وسط الخليل. خلال التظاهرة الحاشدة عبر النشطاء عن غضبهم من عدم تدخل الحكومة في ضبط ومراقبة السوق في ظل زيادة غلاء الأسعار، ومن ثم نصبوا خيامًا وأعلنوا عن اعتصام مفتوح، انتهى بعد ساعات بفضّه من قبل الأمن، واعتقال 20 ناشطا من الموجودين هناك.ترتب على ذلك لاحقا أن أعلن الحراك تجميد فعّالياته الاحتجاجية بعد يوم من الإفراج عن النشطاء المعتقلين. وبحسب منسق حراك “بدنا نعيش”أحمد أبو تركي فإنهم قرروا تجميد فعالياتهم الاحتجاجية، بعد عدم الاستجابة لمطالبهم، وفي ظلّ إحجام الكثيرين عن المشاركة في الفعاليات.وأكد أبو تركي في حديث صحافي أن الفعاليات مجمدة حتى اتخاذ قرار جديد من مجلس الحراك وإجراء مشاورات ودراسة وضع الشارع.ورغم تجميد فعاليات حراك “بدنا نعيش” إلا أن دعوة ثانية انطلقت على المنصات الاجتماعية في مدينة رام الله، التي ينظر إليها على أنها العاصمة السياسية للضفة الغربية، للتظاهر ضد الغلاء، لكن التظاهرة لم تحظ بحشد جماهيري، وهو ما فسره خبراء ومراقبون على أنه ليس دليل رضا عن واقع السياسات الحكومية الاقتصادية إنما هو إحباط من إمكانية التغيير.
*جلسة استثنائية
وبعد أيام من الحسم الأمني في التعامل مع حراك الخليل عقدت الحكومة الفلسطينية جلسة استثنائية في مدينة رام الله اتخذ خلالها ما اعتبرته الحكومة سلسلة إجراءات صارمة لحماية المواطنين من ارتفاع الأسعار من ضمنها دعوة التجار للتقيد بالأسعار وتقديم المخالفين للقضاء، وتحديد السقوف السعرية للمواد الأساسية، وتكليف وزارة الاقتصاد مع جهات الاختصاص بتشديد الرقابة على الأسعار.وشملت القرارات التي لم تؤثر إطلاقا على أسعار السوق، بحسب مواطنين تحدثت معهم “القدس العربي”، تمديد الدعم الحكومي للطحين والماء والكهرباء والمحروقات، وإبداء المرونة في تقييم السلع المستوردة، وإلزام القطاع الخاص بدفع الحد الأدنى للأجور، وتشجيع إنشاء الجمعيات التعاونية، والاستثمار في إنشاء الصوامع لتخزين القمح، والتنسيق مع مصر والأردن لضمان استمرار دخول البضائع والسلع للسوق الفلسطينية، وعدم رفع أسعار المواصلات.وحسب ما جاء في تصريحات رئيس الوزراء محمد اشتية فإن الحكومة “اتخذت خلال الأشهر الماضية سلسلة إجراءات للحد من آثار وارتدادات الأزمة الأوكرانية علينا”، مشيرا إلى استمرار التعاون والتنسيق مع الأردن ومصر لمواجهة أي ارتدادات.وتابع: “نحن نعيش في ظروف حساسة وظرف دولي استثنائي، وامتداد لأزمة مالية صعبة، كل هذا يلقي بظلاله على جميع مفاصل المجتمع، ونحن نتفهم الظرف العالمي والمحلي للأزمة ونتفهم انعكاساتها على العالم وعلينا وعلى أهلنا بجميع شرائحه” .وأجرى مجلس الوزراء على مدى ثلاث ساعات نقاشا معمقا حول ظاهرة ارتفاع الأسعار ذات المنشأ العالمي والناجمة عن تداعيات الازمة الأوكرانية، إذ تجاوزت الكلفة الإجمالية للدعم الحكومي للطحين والمياه والكهرباء والمحروقات 600 مليون شيكل منذ بداية العام.ومن ضمن القرارات التي أصدرتها الجلسة الاستثنائية تكليف وزارة العمل بإنجاز رؤية استراتيجية لحماية المواطنين من أي تداعيات محتملة لارتفاع الأسعار، وهو ما يراه خبراء اقتصاديون بأنه الملف الأكثر حيوية في السياق الفلسطيني.
*الصورة قاتمة
ولا يخفي المحلل الاقتصادي بكر اشتية الحقيقة المرة التي تفيد بأن الوضع الحالي سيء، لكن القادم أسوأ والصورة سوداء قاتمة “في انتظار المواطن الفلسطيني أيام سوداء أسوة بدول مختلفة من العالم”.ويعلق اشتية على قرارات الحكومة بأن الوضع يزداد قتامة في ضوء انعدام الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية التي يمكن من خلالها العمل لتقليل من حدة ارتفاع الأسعار التي تشهدها المناطق الفلسطينية.ويقول المحاضر المتفرغ في قسم الاقتصاد بجامعة النجاح الوطنية، إن التدخلات التي تعتزم السلطة إنجازها مرتبطة بطبيعة الوضع المالي الذي تمر به، وهي مؤقتة وتنحصر في تأجيل رفع الأسعار أو جعل ذلك على مراحل.وتابع اشتية: “المناطق الفلسطينية تعاني من مستويات تضخم عالية جداً أسوة بدول العالم المختلفة. نحن نستورد 75 % وبالتالي فإن أي تضخم تمر به دول العالم سينعكس علينا على مستويات الأسعار، وتحديداً في ظل أننا مجاورون لدولة الاحتلال ومتأثرون بكل التحولات التي تمر بها” .
وأضاف: “موجة الغلاء الحالية لم يمر بها العالم منذ أربعين عاماً، في دول العالم المختلفة وحتى في إسرائيل فإن التضخم مربوط بجدول غلاء معيشة. وهو أمر لا يجعل من المواطنين يشعرون بالغلاء إضافة إلى أن الدول تقوم بعمليات تدخل لضبط الأسعار، وذلك يتم من خلال دعم السلع الأساسية، أو رفع الضرائب عنها، وهذان الخياران صعبان بالنسبة للسلطة، وجل ما يمكنها القيام به هو خفض الضرائب على الطحين خلال الثلاثة أشهر المقبلة.”وحول قراءته لقرارات مجلس الوزراء الفلسطيني الأخير اعتبر اشتية أن السلطة تبنت خيار مراقبة الأسعار، وهذا لا يعني منع رفع الأسعار، إنما أعلنت عن كونها ستراقب ارتفاع الأسعار ومدى مواءمته مع النسبة العالمية في سبيل منع الاستغلال وليس أكثر.وشدد على أن قدرة الحكومة محدودة جداً “هي مقيدة تماماً، خيار خفض الضرائب حتى لا تنفجر الأسعار في وجه المستهلك خيار جيد، لكنه غير متاح لحكومة تعاني ماليا، أما الخيار الثاني الذي تلجأ إليه الدول فهو رفع مستويات الدخل وهو أمر صعب في الحالة الفلسطينية، لكون الحكومة عاجزة أصلا عن سداد الرواتب العادية، وهو ما يجعل من إمكانية رفع الرواتب أمرا شبه مستحيل”.وأضاف “تخيل أن الحكومة عاجزة عن تنفيذ الحد الأدنى للأجور بصيغته القديمة 1450 شيكل، فكيف ستقوم بتنفيذ الحد الأدنى الجديد 1880 شيكل وهو مبلغ أصلا غير كافٍ؟”.
ويرى اشتية أن الحكومة تمتلك خيارات استراتيجية على المدى المتوسط، من خلال إعادة النظر في ضريبة الدخل، وزيادة الجباية الضريبية، بحيث تزيد الضريبة على الشرائح العليا من كبار التجار والمحتكرين وتقليله عن ذوي الدخل المحدود. أما المستوى الثاني من التدخل فيمكن أن يكون تقليل النفقات، من خلال وقف التوسع في الوظائف الحكومية والنفقات التشغيلية والمباني”.وبرأي اشتية فإن تراجع المشروع السياسي (عملية السلام) ترتب عليه تراجع الدعم للفلسطينيين، وهو أمر يفرض على الحكومة تقليل النفقات ونهج سياسة تقشف حقيقية. فعلى الحكومة الفلسطينية أن تتوقف عن التصرف كدولة مستقلة فعلياً.وأمام هذا الواقع الذي يفرض نفسه على الحكومة الفلسطينية فإن الخيارات أمامها متواضعة جداً بحسب المحلل الاقتصادي بكر اشتية، وهو يقترح أن تكون الحكومة أكثر شفافية ومكاشفة وصراحة تجاه المواطنين، حول حقيقة الوضع المالي الذي تمر فيه. وهذا يكون من خلال العمل لتحقيق تراجع في مؤشرات الفساد وزيادة الشفافية في إدارة المال العام. وفي حال لم تفعل الحكومة ذلك فإن المواطن العادي لن يتفهم ولن يتقبل أي إجراءات قاسية ستقوم باتخاذها.ويؤكد اشتية أن ثقة المواطنين بالحكومة مهزوزة، وهي عاجزة عن تقديم حلول حقيقية مثل تحسين الدخل العام للمواطنين، وزيادة الجباية من الفئات ذات الدخل المرتفع، وهي مسألة تجعل من المواطنين يواجهون مصائرهم أفرادا عبر خلق مصادر دخل إضافية وأنماط من التعاون والتكافل المجتمعي، فالقادم يشير إلى أن “الحكومات لن تتمكن من دعم السلع ولن يتم التمكن من ضبط الأسعار مستقبلاً، هذه حقيقة مرّة والصورة سوداء فعليا”.

1