غزة: كتبت شيرين خليفة..مرةً أخرى تقف مؤسسات المجتمع المدني في مواجهةٍ مع السلطات الحاكمة، هذه المرّة؛ عبر مرسوم رئاسي صدر مساء الثلاثاء، ونُشر في الصحيفة الرسمية الفلسطينية "الوقائع"، ليفرض المزيد من القيود على عملها ويقوّض برامجها.المرسوم الذي أصدره الرئيس وفق "قرار بقانون"، حمل الرقم (7) لعام 2021، بشأن الجمعيات الأهلية، تضمّن ثمانية بنود، أكثرها خطورةً: المادة الثانية، التي تنص على تعديل المادة رقم (13) من القانون الأصلي، وتشترط المادة المعدّلة، ضرورة تقديم الجمعيات، خطة عملها السنوية للوزارة المختصة، ووصفًا لأنشطتها وموازنتها.ردود الفعل توالت على هذا المرسوم. الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، أصدرت بيانًا، وصفَته فيه بـ"النهج القائم على الإقصاء، وتقييد الحريات العامة"، خاصةً حرية تشكيل وعمل الجمعيات، "بالإضافة إلى كونه إعاقة لعمل مؤسسات المجتمع المدني، ودورها الحيوي في حماية حقوق الإنسان، وتحقيق المصالح المجتمعية"."حشد" في بيانها، عدّت "هذه القيود" أيضًا، توسعًا في الصلاحيات الرقابية الثقيلة للسلطة التنفيذية، إزاء عمل الجمعيات الخيرية، مُطالِبةً الرئيس محمود عباس، بالكف عن إصدار القرارات بقانون، خاصةً تلك التي تفتقر إلى "الضرورة".مؤسسات المجتمع المدني التي كانت في حالة انعقادٍ يوم أمس، اعترَضَت على القرار، وأعلنت في "ورقة موقف" صدَرَت عنها مساء الأربعاء، تشكيل لجنة طوارئ دائمة الانعقاد؛ لتصعيد الإجراءات الاحتجاجية إلى حين إلغاء القرار، "بما في ذلك، الامتناع عن الرقابة المحلية على الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة".وحسب ما أوردت ورقة الموقف، فإن "القرار يأتي في إطار سيلٍ من القرارات بقوانين، التي صيغت بنهج السرية الكاملة وفي الغرف المغلقة"، مؤكدةً أنه يتناقض مع قرارات "حوارات القاهرة"، التي دعت الى إطلاق الحريات العامة وتهيئة البيئة الداخلية لإنجاح الانتخابات.الحقوقي مصطفى إبراهيم كتب في صفحته على موقع الاتصال الاجتماعي "فيس بوك": ونحن في الطريق للمحكمة الجنائية الدولية، تعترض السلطة الوطنية طريق منظمات المجتمع المدني، وتصدر قرارًا بقانون لتعديل قانون الجمعيات".وأضاف: "للعلم؛ المجتمع المدني الفلسطيني، خاصةً منظمات حقوق الإنسان، تتعرض لهجمة شرسة منذ سنوات من جهة الممولين، وتجفيف تمويلها، بوضع شروط وقيود، ومن جهةٍ أخرى ما تقوم به سلطات الاحتلال، وأذرعها المختلفة، سواءً موقع "المونيتور" الذي يراقب أنفاس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، أو وزارة الشؤون الاستراتيجية التي تقوم بدور كبير لمواجهة المجتمع المدني، وكأن السلطة تكمل مشوار سلطات الاحتلال في الإجهاز علي المجتمع المدني".في مقابلة مع "نوى"، وصفت النقابية سميرة عبد العليم عضو مجلس إدارة لجان المرأة، المرسوم بـ "غير الموفق"، فالمؤسسات وُجدت -تقول- لتأخذ مساحة من الاستقلالية في عملها وبرامجها، ولتقوم بمعالجة الثغرات التي لا تغطيها المؤسسات الرسمية، بالتالي: "كيف نُدمِج عملها مع عمل الوزارات؟" تتساءل.وتكمل: "مثلًا؛ اندماج عمل مؤسسات المرأة أو الصحة مع وزارة المرأة، أو الصحة، فيه تذويب لشخصية المؤسسات، وبالتالي تصبح تابعةً للسلطة، والأصل أن المؤسسات لها شرعيتها وشفافيتها وبرامجها المستقلة، وهي مسانِدة لدور المؤسسات الرسمية".وتضيف: "إن بيروقراطية عمل مؤسسات السلطة والوزارات بحد ذاتها، تمثل عائقًا أمام مؤسسات المجتمع المدني، فما بالنا بوضع مزيدٍ من القيود، أمام مؤسساتٍ يُفترض أنها تعمل على تعزيز قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية؟"، مبينةً أن "الوزارات" تحتكم للون سياسي، وبالتالي فإن اندماج العمل معها يُلغي وجود المؤسسات.والقرار كما تراه عبد العليم، يأتي في سياق القرارات التي سعت لعرقلة ترشيح الناس لأنفسهم في الانتخابات المقابلة، وهي في إطار حرب على المؤسسات، وتحديدًا النساء، الأكثر استفادة منها وعملًا فيها، داعيةً إلى ضرورة التحرّك من خلال حملات ضغط، لإفشال هذا القرار وإلغائه تمامًا.وينص قانون الجمعيات الفلسطيني رقم (1) لعام 2000، على حرية تشكيل الجمعيات، وتنص المادة (7) منه، على أن الجمعيات والهيئات تتمتع بشخصية اعتبارية، وذمة مالية مستقلة فور تسجيلها، طبقاً لأحكام هذا القانون، ولا يجوز لها ممارسة نشاطاتها قبل التسجيل.رئيس شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا، قال لـ"نوى": "إن المرسوم فيه إرباكٌ كبير، ويمثل تراجعًا على مستوى الحريات في فلسطين، خاصةً الحق في تشكيل الجمعيات، وتراجعًا أيضًا لالتزامات فلسطين الدولية باحترام هذا الحق، وضمان استقلالية تشكيل الجمعيات، وعدم التدخل في برامجها وخططها وميزانيتها، ويتناقض حتى مع مرسوم تعزيز الحريات العامة، الذي أطلقه الرئيس قبل أيام.الكثير من بنود القرار –وفقًا للشوا- تتجاوز القانون، وتُحدد تبعية عمل الجمعيات للهيئات الحكومية، وتتجاوز مجالس إداراتها، والجمعيات العامة لها، وأيضًا تحدّ من قدرتها على التأثير والضغط والمناصرة، "وهذا بدوره، سيعمل على تقويض العمل الأهلي، في وقتٍ تتعرض فيه هذه المنظمات، لحملة تحريض إسرائيلية غير مسبوقة"."فالجمعيات كانت تنتظر ونحن في مرحلة الإعداد للانتخابات، أن تكون شريكًا فاعلًا لحشد المواطنين من أجل المشاركة فيها، وتوقيت القرار يضع علامات استفهام كبيرة، إلا أن الشبكة بدأت منذ اللحظة الأولى، بالتحرك لحشد كل التحالفات والاتحادات، من أجل رفض المرسوم، والمطالبة بإلغائه، وتم إعداد مذكرة قانونية لتفنيد ما جاء فيه" يؤكد.
"المجتمع المدني".. وعلامات استفهامٍ حول "المرسوم الإقصائي"!!
04.03.2021