أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
التهجين يهدد سلالة السلوقي في الصحراء التونسية !!
04.01.2019

*كلب الصيد السلوقي الحرّ لا يزال يصارع البقاء صامدا في قلوب أبناء المناطق الصحراوية في الجنوب التونسي.
خبر سكان العرب منذ القديم صعوبة البيئة الصحراوية التي يعيشون فيها لذلك عملوا على توفير بعض سبل العيش، فاختاروا نوعا من الكلاب، وهو السلوقي، ليكون رفيقا لهم في حلّهم وترحالهم، واهتموا بتربيته وأعطوه قدرا كبيرا من الرعاية والدلال، كونه الكلب الذكي والمطيع، الوفي والصيّاد الماهر، لتنتشر بعدها تربية السلوقي ومحبته في الجزيرة العربية وبلدان شمال أفريقيا التي بدأ يعاني فيها السلوقي من خطر الانقراض بسبب التهجين وتمدّن البدو.
دوز (تونس) - لا شيء يشغل بال مربي كلب الصيد السلوقي بدوز في الجنوب التونسي سوى حماية هذه الفصيلة الصحراوية النادرة من اختلاط السلالات ومن التهجين الذي قد يقضي على النوع “الحرّ” ويؤدي إلى انقراضه، وسط جهل تام بميزاته، وعدم وعي بقيمته الرمزية كعنصر من عناصر التراث اللامادي بالمنطقة.
ولا يزال السلوقي الحرّ يصارع البقاء صامدا في قلوب أبناء المناطق الصحراوية في الجنوب التونسي، مستمدا وجوده من هواية قديمة توارثها الآباء عن الأجداد، ومن انبهار واسع بمهاراته في الصيد وذكائه ووفائه، وذلك رغم استخدام البعض للدراجات الصحراوية و”الكواد” بدويّها المزعج الذي يخترق أجواء الصحراء الساكنة بداعي أنها الأوفر صيدا، والأكثر نجاعة وسرعة في الصيد بالأضواء.
صديق بدو الصحراء
عرف السلوقي بأنه كلب هادئ وحسّاس يحب العزلة، ويكنّ الكثير من الود والعطف والولاء لصاحبه، ومن صفاته الصبر والقوة والذكاء وتحمّل مشقة المطاردة مهما كانت الظروف شاقة، إذ يساعده على ذلك احتفاظه بالسوائل في جسمه، لأنه لا يفقدها عن طريق العرق، وهو من أشهر أنواع الكلاب التي استخدمت للصيد بسبب تمتعه بخصائص جسمانية هائلة، إذ يتميز ببنية قوية، كما أنه سريع العدو وحادّ النظر وله حاسة شم تمكنه من رصد الفريسة على بعد المئات من الأمتار.
هذا ما أجمع عليه عدد من أصحاب هذه النوعية من الكلاب المشاركين في مسابقة “أجمل سلوقي” في إطار مهرجان الصحراء في دوز. وتتضمن المسابقة لوحات صيد أصبحت مشهدا قارا في مختلف دورات المهرجان يعكس العادات الصحراوية التي يسعى الأهالي للمحافظة عليها ويعولون عليها لتنشيط منطقتهم ذات الجمال الصحراوي المميز.
مربي السلوقي لمجد مأمون والمسؤول عن تنظيم مسابقة أجمل سلوقي في مهرجان دوز، يوضح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات)، أنه على غرار غيره من أبناء المنطقة الغيورين على هذه السلالة يحاولون توعية المربين وهواة الصيد بالسلوقي بعدم التهجين أو التزاوج بين السلالات.
وظهرت في السنوات الأخيرة على الحدود الجزائرية التونسية تجارة كلاب صيد أوروبية آتية خاصة من إسبانيا تسمّى بالسلوقي الإسباني الهجين يتميّز بسرعة المطاردة، غير أنه لا يقاوم المسافات الطويلة حسب شهادات الصيادين.
وأفاد مأمون، أن السلالات الجديدة التي تكاثرت في السنوات الأخيرة هي السلوقي الإسباني القادم من الحدود الجزائرية دون وعي بخطورة التهجين الذي يؤدي في النهاية إلى انقراض جميع السلالات وليس الفصيلة العربية فقط .
ويرى المختصون أن أعداد السلوقي آخذة في التناقص بفعل التهجين والتمدن المتزايد لمناطق الجنوب التونسي الذي بدأ تمدّد مدنه وقراه يقلص من المساحات الرملية الشاسعة التي يحتاجها السلوقي لتدريب قوائمه العالية وبدء رحلة صيد الأرانب وجلب الطرائد للصياد بمهارة مشهود له بها.
ويرجع البيطري أديب صمود انخفاض أعداد السلوقي في تونس إلى تراجع ثقافة البدو والرحّل الذين عادة ما ارتبطت بهم ثقافة الصيد البري والصحراوي، إضافة إلى ارتفاع نسبة التمدن.
ويرى المختصون أن أغلب أنواع السلوقي التي تُربّى حاليا هي هجينة وليست لها الصفات الفيزيولوجية ولا البيولوجية التي يتميز بها السلوقي العربي الأصيل، مما يتطلب الاهتمام وتكوين مختصين للحفاظ على السلالة الأصيلة.
يذكر أن بعض الجمعيات ظهرت في السنوات الأخيرة تهتم بهذا الحيوان الوفي، مثل جمعية المحافظة على البيئة الصحراوية والصيد التقليدي بالسلوقي لتحرص على الاهتمام بهذا النوع من الكلاب الذي يشكل رافدا للسياحة الصحراوية، ولعل تهافت السياح على مواكبة اللوحة الفنية بالمهرجان الصحراء بدوز والمتعلقة بصيد الأرانب بالسلوقي، هو دليل على قيمة هذا الحيوان .
*مميزات السلوقي المدلل
يتمتع السلوقي بجسم رشيق وحجم رأسه الصغير جدا والممتد إلى الأمام وبأذنين صغيرتين متجهتين إلى الخلف وليس إلى الجانبين مثلما هو حال معظم الكلاب.
ويتميز بالعنق الطويل والصدر غير البارز للأمام، أما الظهر فهو محدب للأعلى قليلا عند الاتجاه نحو النصف الخلفي، والعمود الفقري مرن جدا ليتناسب مع الجري السريع. أقدامه طويلة جدا، ويلاحظ أن الأقدام الأمامية كاملة الاستقامة، أما الأقدام الخلفية، ففيها قدر من التقوس مع ضخامة عضلات الفخذ، والذيل طويل ورفيع وهو مقوّس بين القدمين الخلفيتين.
وفي طبعه يحرس صاحبه ويحمي داره في حضوره وغيابه، وهو من أيقظ الحيوانات عينا في وقت حاجته للنوم، وهو أشدّها فتكا وأرمقها حدا .
ويعرف بسرعة العدو ولمسافات طويلة، حيث تصل سرعته إلى حوالي 65 كم في الساعة ولمسافة تصل إلى ثلاثة أميال، ولا يأكل ولا يشرب من وعاء قذر ولا يصطاد إلا في حضرة صاحبه.
ويعدّد الشاب عمر التواتي وهو مربي سلوقي صفات الكلب الذي يرفض أغلب الأهالي تسميته بـ”الكلب”، مؤكدا أنه الأقوى والأسرع، وهو يخضع منذ ولادته لتدريبات ترقية حسّ المطاردة والاستجابة السريعة لحركة الطريدة والقدرة على الانطلاق والانقضاض على الفريسة.
ويقتصر غذاء السلوقي، وفق هذا المربي، على وجبة وحيدة ليلا تتمثل في التمر والحليب أو الزيت وشرب الماء نهارا، مع المداومة على التنزه في الصحراء أو الخروج في رحلات صيد، وهي لحظات المتعة القصوى التي تستهويه.
ويؤكد أن أنثى السلوقي أكثر نجاعة في الصيد، وهي تجري لمسافات طويلة دون تعب، وتتحمل مشقة المطاردة يساعدها على ذلك احتفاظها بالسوائل في جسمها الخالية من المسام الجلدية.
هذه الخصال اكتشفها جمهور مهرجان دوز من خلال عروض الصيد بالسلوقي التي احتضنتها ساحة حنيش، إذ ترصد كلاب السلوقي فريستها لتنطلق بعد برهة خلفها بسرعة البرق بصدورها المنخفضة وبطونها الضامرة ورقابها وقوائمها الطويلة، حتى تنقض عليها، ويقوم أحدها بحمل الأرنب بين أنيابه ويعود بحثا عن صاحبه ليسلمه الفريسة.
ويقول التواتي إن هذه الصفة لا تتوفر إلا لدى فصيلة السلوقي الحر ذي الشعر الرقيق وبألوانه الأشهب والبني والأبيض، وبطوله المتوسط.
وتعود أصول السلوقي إلى اليمن بحسب المصادر التاريخية، ثم انتقل إلى شمال أفريقيا عن طريق القوافل التجارية، فانتشرت تربيته والاهتمام به في بلدان المغرب العربي، حيث الصحراء والمناطق شبه الصحراوية في تونس والجزائر والمغرب، وامتلكته القبائل في الصحراء ليساعدها في الحراسة والصيد وليؤانسها في حلّها وترحالها.
وتأتي تسميته، حسب الروايات من مدينة سلوق التي تقع جنوب اليمن، والتي اشتهرت قديما بصنع الدروع والصيد، كما اشتهر أهلها بخبرتهم الواسعة في تربية الكلاب.
ويعود وجود السلوقي إلى أكثر من سبعة آلاف سنة قبل الميلاد بحسب المصادر التاريخية، وقد وجد في القرن الثالث قبل الميلاد في منطقة الجزيرة العربية، وصحراء نجد، واستخدمه العرب في صيد الأرانب والظباء والغزلان المختلفة.
وقد استخدمه الفراعنة قديما في رحلات الصيد لما له من صفات القوة والسرعة، وتم نقله إلى أوروبا، وبريطانيا تحديدا مع بدايات عام 900 ميلادية بمعرفة التجار الذين كانوا يترددون على القارة الأوروبية في ذلك الوقت.
ويصل ثمن السلوقي الحر في تونس إلى ألفي دينار (حولي 700 دولار أميركي)، حسب ما يقول عدد من هواة الصيد، مؤكدين أن هذا الصديق وهب للإنسان جميع خصاله من سرعة وذكاء ومهارة كبيرة في الصيد والتي تميّزه عن بقية الحيوانات، ليصطاد لصاحبه ويجلب له الطريدة وإن كان جائعا .
*ما درسه الذئب يحفظه السلوقي
رمّاح، خطّاب، مهجة، رملة، نجمة، شاطر، سارة، والفايز أسماء يتريّث أصحابها في اختيارها عند ولادة السلوقي، ويبتكرونها بحثا عن التميز والتفرد، وهي أسماء جامعة لصفات القوة والمهارة والذكاء الواردة في المثل التونسي الشهير “ما درسه الذئب يحفظه السلوقي”.
ويقول الحسين العلوي، رئيس الجمعية الجهوية للصيد البري بقبلي، إن تربية السلوقي تتزايد، وهواية الصيد تستهوي شباب دوز ومختلف مناطق محافظة قبلي عموما، والجميع متمسك بها ويصر على إحيائها وإعادة الاعتبار لها. ويحتاج السلوقي إلى تدريب ليّن بعيدا عن القسوة والصرامة، حتى يكون طيّعا ويمكن التحكم بغريزته في القتل التي لا يمكنه التخلص منها بشكل نهائي، لكن يمكن السيطرة عليها نسبيا. ومن المستحسن تربيته في فضاء واسع، حيث يمكنه الركض والجري لمسافات طويلة لأنه كلب نشيط وحيوي، كما يجب أخذه يوميا في نزهة لتفريغ طاقته، ومن الأفضل أن يبيت في غرفة دافئة، لأنه لا يتكيف مع البرد ولا مع الحرارة الشديدة. ويشير العلوي إلى أنه تم إدراج الصيد بالسلوقي ضمن تراخيص الصيد التي يمكن الحصول عليها رسميا لصيد الأرانب فقط، ودون المساس بالحيوانات المحمية والمحجر صيدها.
ويقول، إن الجمعية لم تسلّم سوى ترخيص وحيد للصيد بالسلوقي بمحافظة قبلي عامة رغم سهولة الإجراءات والتي لا تتطلب سوى شهادة تلقيح من البيطري، معلّلا ذلك بعدم الوعي بأهمية الترخيص ناهيك عن التشدد في إسناد رخص الصيد البري في السنوات الأخيرة بالنسبة للشباب خاصة، وسحب 65 بندقية في يوليو 2016 منها 40 بندقية لأبناء مدينة دوز فقط، وعدم
*حل الإشكالية التي من شأنها القضاء على الصيد العشوائي بمختلف أصنافه وتنظيم القطاع .
ويقول ماهر وهو شاب من قبلي، إن عائلته كانت تملك كلابا من فصيلة السلوقي، مؤكدا أن امتلاك هذا الحيوان الأليف يغني عن السلاح الناري لممارسة الصيد، وبواسطته يمكن اصطياد أي نوع من الحيوانات البرية، لأنه أسرع وأقوى خاصة إذا كان قوي البنية وخضع لتمرينات ترقية حس المطاردة والاستجابة السريعة لحركة الطريدة والقدرة على الانطلاق.
ولأهالي المناطق في الجنوب التونسي قصة ألفة قوية مع السلوقي، ولهم عشق لا يوصف له، وقد تغلغل في عاداتهم كعنصر قار ضمن موروثهم الثقافي، وبات شأنه شأن الجمل واحدا من أفراد عائلاتهم يتألمون لألمه، ويحزنون إن أصابه مكروه.

1