قفصة (تونس) - كدأبه كل صباح يتوسّط العم حسناوي العيّادي بهو منزله الكائن بأحد أحياء مدينة السند التابعة لمحافظة قفصة جنوبي تونس، ليشرع في اختيار الحلفاء (وهي نبتة تنتمي إلى الفصيلة النجيلية) المناسبة لصنع السلال والمظلات. ويملك العم حسناوي مهارة فائقة في صنع مظلات الحلفاء، وكل المنتجات التي تعتمد على هذه النبتة كمادة أولية، بل يعتبر من الأوائل الذين ابتكروا طرقا جديدة لصنع المظلة من الحلفاء في المنطقة.
يقول حسناوي “تعلّمت هذه الحرفة على يد والدي، الذي كان يتقن جيدا صناعة الزّنبيل والقفاف، قبل أن نُطوّر المنتج إلى تحف ومظلات مصنوعة من الحلفاء”، مضيفا، “الإقبال جيّد على منتجاتنا، فنحن نبيعها بشكل متواصل، إلا أن الكمّيات التي نُعدّها لا تتوافق مع الطلب، فصنع مظلة واحدة يستغرق مني ثلاثة أيام على أقل تقدير”.
ويتابع “كان الإقبال كبيرا في الماضي على منتجات الحلفاء، التي كنا نصنع منها القفاف والشواري (سلتان كبيرتان توضعان على ظهر الدابة لنقل المشتريات أو المحاصيل)”.
ويستدرك بالقول “أما الآن ومع التطوّر التكنولوجي الذي نشهده، فقد اندثرت بعض المنتجات، وهو ما دفعنا إلى تطويع مادة الحلفاء إلى منتجات يقبل عليها الجميع ومن بينها المظلات”
ندرة نبتة الحلفاء ضاعفت من الصعوبات التي تواجه العم حسناوي في صناعة المظلات، التي باتت تشهد إقبالا خاصة مع ارتفاع درجات حرارة فصل الصيف.
ويردف حسناوي قائلا “الحلفاء أصبحت تباع كعلف للحيوانات في بعض المناطق، وأصبح من الصعب الوصول إليها، فأنا أشتريها من عند بعض النسوة اللاتي يجلبنها من الجبال والهضاب”.
ويتراوح سعر المظلة بين 10 و20 دينارا (نحو 3.7 و7.5 دولار)، فيما يتراوح ثمن القفة بين 10 و35 دينارا (بين 3.7 و13.5 دولارا).
وأمام صعوبة توفير لقمة العيش في المناطق الريفية أساسا، يستخدم سكان هذه الأماكن المتاخمة للجبال نبتة الحلفاء لصنع المظلات، واتخذوا من ذلك حرفة يوفرون من خلالها قوت يومهم، فبدأت هذه المنتجات تزاحم شيئا فشيئا مثيلاتها المصنوعة من السعف.
ويبدأ موسم قلع نبتة الحلفاء مع فصل الخريف، وينتهي مع فصل الشتاء، إلا أن زارعي الحلفاء يواصلون نشاطهم إلى نهاية الربيع لاستخدامهم النبتة كعلف للدواب.
وكان عدد كبير من سكان منطقة “أم العلق”، الواقعة بأحد أرياف محافظة قفصة، يمتهنون بيع الحلفاء في مركز خصص لتجميع هذه العشبة، وهو تابع للشركة العمومية لعجين الحلفاء والورق (مقرها مدينة القصرين وسط غربي البلاد)، إلا أنه أغلق قبل سنوات بسبب ندرة نبتة الحلفاء.
يقول عبدالرشيد (52 عاما)، وهو أحد سكان “أم العلق”، “منذ أغلق مركز تجميع الحلفاء، وجد البعض في صناعة المظلات وبعض التحف التي تعتمد على الحلفاء مورد الرزق البديل لهم”.
ويستدرك بالقول “ولكن هذه الصناعة بدورها تواجه صعوبات كثيرة، لا سيما وأنها صناعة يدوية تتطلّب موهبة ومهارة بدءا بجني الحلفاء من الجبل، وصولا إلى مرحلة بيع المنتج وهو ما يتطلّب وقتا طويلا”.
وتوجد نبتة الحلفاء في جبال وهضاب الوسط الغربي التونسي، الذي يشمل محافظات القصرين، وسيدي بوزيد، وقفصة، والقيروان، إلّا أنّه في ظل الظروف المناخية خلال السنوات الأخيرة، باتت الحلفاء نادرة في الهضاب القريبة، وهو ما جعل العم حسناوي وغيره من الحرفيين ينتظرون ما تجلبه بعض النسوة يوميا من الجبال.
وفي منتصف نهار أحد أيام الصّيف الحارة، كان محمد (35 عاما)، وهو أحد شاب مدينة قفصة، يقف على حافة طريق مرتديا مظلة حلفاء يترصّد سيارة تاكسي تقلّه إلى وجهته، يقول “ربما تكون المظلة التي تصنع من مادة سعف الحلفاء أكثر وزنا من تلك التي تصنع من سعف النّخيل؛ ولكنها أكثر جدوى في الوقاية من حرّ الشمس”.
من جانبه، يقول فوزي سوداني، الناشط في العمل المجتمعي في قفصة، إن “صناعة الحلفاء من أقدم الصناعات التقليدية بقرية السند الجبل، وكانت تمثل موردا أساسيا لأغلب أهالي المنطقة، إذ كان سكان منطقة السند يتكبدون المشاق ليصعدوا إلى الجبل من أجل قلع الحلفاء بطرق تقليدية أملا في تحصيل قوتهم وقوت أبنائهم”.
ويقترح “تجميع الحرفيين المنتشرين في القرى في مركز حرفي واحد، للم شملهم والتشجيع على المنتج المحلي، وإبرازه أكثر ليصبح علامة إشهارية للمنطقة”.
تونسيون يكسبون رزقهم من نبتة الحلفاء !!
11.08.2018