أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41135
رُحَّل قرغيز عالقون في أفغانستان، أفغانيون بالصدفة!!
13.02.2018

ممر واخان (أفغانستان) – عندما كان الرحّل القرغيز يقودون قطعانهم لترعى في جبال بامير ما كانوا ليتصوروا أنهم سيصبحون يوما عالقين في ممر جبلي يكافحون فيه من أجل البقاء في جحيم جليدي داخل أفغانستان.
وعلى مدى قرون جابت هذه المجموعات من الرعاة المتجوّلين بحرية وسط آسيا وجنوبها مسيّرين قطعانهم بين الأنهر والجبال المكسوّة بالثلوج. غير أن الأوضاع الجيوسياسية كان لها أثرها، إذ رُسمت حدود في القرن التاسع عشر تسبّبت المواجهة بين الشرق والغرب في إغلاقها خلال التحولات الكبرى في القرن العشرين.
وبعد ما كانوا يتمتعون بحرية تحرك مطلقة، وجد هؤلاء البدو الرحّل وأحفادهم والذين يقارب عددهم الألف حاليا، أنفسهم عالقين في ما يعرف بـ”ممر واخان” وهي أرض بطول 350 كيلومترا تتسم بظروف مناخية قاسية في أقصى شمال شرق أفغانستان بين طاجيكستان والصين وباكستان.
وتتوافر في هذه المنطقة كل الظروف لجعل الحياة فيها أشبه بالأشغال الشاقة إذ أنها تمتد على 10 آلاف كيلومتر مربع من القمم والوديان المتداخلة على علو 4 آلاف متر، حيث يستحيل الزرع في ظل طقس شديد البرودة دون مستوى الصفر في الكثير من الأحيان على مدى 300 يوم في السنة.
ويوضح جو بوي، وهو أحد وجهاء قبائل الرحّل، ذلك بقوله “نحن أفغان بالصدفة. لم نختر هذه الأرض، لكن ليس لدينا أي مكان آخر نقصده”.
ويعيش حوالي 1100 قرغيزي بحسب الحكومة الأفغانية في أحد جانبي هذه المنطقة الملقبة بـ”سطح العالم”، فيما يقطن أفراد من إتنية واخي بأعداد أكبر في المقلب الآخر من السلسلة الجبلية.
وللوصول إلى القرية الأقرب، وهي اشكاشم، يتعيّن التنقل لثلاثة أيام على صهوة الجواد مع اجتياز بعض الطرق المتعرجة الضيقة المحفوفة بالمخاطر.
وفي ظل هذه الظروف تتجنب معظم الوكالات الحكومية بل جلها تقريبا الدخول إلى واخان، كما لم يعد هناك أي منظمة غير حكومية.
وليس للقرغيزيين العالقين سوى مدرسة واحدة دون أي مركز صحي، وبالتالي فإن مجرد الإصابة بالأنفلونزا قد تنطوي على خطر كبير.
ليس للقرغيزيين العالقين سوى مدرسة واحدة دون أي مركز صحي، وبالتالي فإن مجرد الإصابة بالأنفلونزا قد تنطوي على خطر كبير
ويقول تيلو، وهو راع دون اسم عائلة، “أمر طبيعي أن تفقد الأمهات هنا ثلاثة أطفال أو أربعة أو خمسة”، مضيفا “الوفيات هنا أكثر من الولادات”.
وتموت امرأة من كل ثلاث نساء جراء مضاعفات ما بعد الولادة، كما أن أكثرية الأطفال لا يصلون إلى سن الخامسة وفق جيف والكس مدير منظمة “كروس لينك ديفلبمنت إنترناشونال” غير الحكومية التي تتخذ مقرا لها في بيشكك عاصمة قرغيزستان التي تحاول مساعدة المحرومين في واخان.
ويضيف “في وقت يتقدم العالم على طريق التعلّم والعناية الصحية، يعيش القرغيز منسيين في واخان. هم على فوهة بركان”.
ويمثل ممر واخان الواقع عند ملتقى ثلاث سلاسل جبلية عند الطرف الغربي للهملايا، وهي هندوكش وقراقرم وبامير، أحد المواضع التي شهدت على صراع النفوذ بين الإمبراطوريات الروسية والبريطانية في القرن التاسع عشر في آسيا الوسطى والذي تخللته نزاعات محلية ومناورات دبلوماسية وتجسّس.
وهذه الأرض الضيقة (عرض 60 كيلومترا كحد أقصى)، كانت تستخدم كمنطقة فاصلة بين القوتين الكبريين.
وعلى مدى قرون، لم يكن القرغيز يأتون إلى واخان إلا خلال الصيف بحسب كايت كلارك من شبكة المحللين الأفغان. وهم كانوا يمضون الشتاء في قرغيزستان وطاجيكستان وأيضا في شنغيانغ الصينية حيث درجات الحرارة أقل قسوة.
وتشير كلارك إلى أنه “بعد الثورتين الشيوعيتين في روسيا العام 1917 والصين سنة 1949، فر الكثيرون إلى واخان مفضلين البرد القارس على نظام الاستملاك القسري”، بعدها أدرك هؤلاء خطأهم وما فتئوا يحاولون تصحيحه.
وفي 1978، بعد انقلاب شيوعي في كابول، اجتاز القرغيز بزعامة قائدهم حاجي رحمن قل ممر إرشاد على علو أكثر من 5400 متر للتوجه إلى باكستان في جنوب الممر، غير أن المئات من هؤلاء قضوا بعدما شربوا مياها ملوثة، أما الناجون فقد عادوا يائسين إلى واخان.
وبعد هذه الأحداث المأسوية، توسّل حاجي رحمن قل الحكومة الأميركية استقبال أتباعه في ألاسكا بسبب المناخ الملائم في هذه المنطقة لقطعانهم، غير أن هذا الطلب لم يجد له أي صدى.
ومنحت تركيا بعدها اللجوء لمجموعة صغيرة من القرغيز غير أن أكثرية هؤلاء بقوا عالقين في ممر واخان.
وفي قرغيزستان، حيث مصير قرغيز واخان ليس من الملفات ذات أولوية، صدرت مراسيم واتخذت مبادرات عدة على مر السنين للمساعدة في عودة حوالي 22 ألف قرغيزي حاليا في الخارج بينهم أولئك الموجودون في أفغانستان، غير أن قلة من قرغيز واخان استفادت من هذه الفرصة.
ويقول جو بوي “الحكومة القرغيزستانية بدأت أخيرا عمليات استعادة رعاياها. بعض العائلات غادرت هذا العام”.
وتنفي سفارة قرغيزستان في كابول وجود مثل هذه السياسة، مشيرة إلى أن “الأشخاص من إتنية القرغيز في واخان هم مواطنون أفغان” والحكومة القرغيزستانية تكتفي بمدهم سنويا بمساعدة إنسانية.
وأكد القائم بالأعمال القرغيزستاني في العاصمة الأفغانية عشق إيرالييف، أن الأشخاص القلائل الذين تمكنوا من المغادرة إلى قرغيزستان فعلوا ذلك لأسباب تعليمية.
ومن هنا يبقى وضع الرعاة في هذا الممر معلقا كأنهم في مرحلة انتقالية رغما عنهم. ويتساءل تيلو، الذي يحلم أيضا بالتوجه إلى قرغيزستان، “من سيحب العيش هنا؟”، لكنه يضيف بحرقة “ليس أمامنا أي خيار آخر. هنا لا مجال للشيخوخة إذ أننا نموت شبابا”.

1