يسمّي الجزائريّون الحصان "العَوْد"، ويشبّهون به الفتى القوي والنشيط، وأنثاه "العودة"، ويشبّهون بها الفتاة الجميلة ذات القوام الرشيق. وتغنّى به الشعراء قديماً وحديثاً، ومن المعروف أنّ المرأة تغار من فرس زوجها، لأنّها تنافسها في اهتمامه.
ويقول الحاج مكي شيهب، من قبيلة "أولاد جحيش"، ، إنّ الفتى الذي يُلاحظ عليه إهمال فرسه، يُقابل بالصدّ حين يتقدم لخطبة إحداهن. "كان الرجل يخصّص لفرسه ركناً ملحقاً في البيت، وكان أكبر انتقام يطاوله أن تسرق منه، إذ يعتبر الناس أنه فرّط بشرفه".
وتتنافس الجهات الأربع في الجزائر في الحفاظ على هذه العلاقة بينها وبين الحصان من السلالتين البربرية والعربية. وعن البربرية، يقول علماء المتحجرات إنها تعود إلى الخيول البرية الناجية من العصور الجليدية، علماً أن طول الحصان يراوح ما بين 1.55 و1.60 متر، ووزنه ما بين 400 و500 كيلوغرام، ويتميز باستقامة الظهر والسرعة والشجاعة والتحمّل. أمّا العربيّة التي دخلت البلاد مع وصول المسلمين من شبه الجزيرة العربية في القرن الثامن، فيتميّز حصانها بنحافة الرأس وطول الرقبة واتساع المنخرين والعينين وارتفاع الذيل.
إلّا أنّ منطقة تيارت (الشمال الغربي) التي كانت عاصمة الدولة الرستمية ما بين عامي 776 و909، والتي كتب فيها ابن خلدون شطراً من مقدّمته الشهيرة، تأتي في صدارة المناطق الجزائرية المولعة بالخيول العربية والبربرية، تربية وبيعاً وشراءً وسباقاً وطقوساً. ويقول الباحث في الثقافة الشعبية، قادة دحّو، إنّ علاقة الجزائريّين بالحصان خارج تيارت قد تخضع للمزاج أو التجارة أو المشاركة في مهرجانات فنية، كما أنها ترتبط بأسر معينة، لكنها في تيارت تخضع للوراثة. ويوضح أنّه "في الوقت الذي لا يعرف فيه معظم أطفال الجزائر الحصان إلا في حدائق الحيوانات والأفلام الوثائقية، يكبر الطفل في منطقة تيارت وفي ذهنه أنّ الحصان جزء من العائلة، ويشكل أجمل هدية تقدم له في مناسباته السعيدة حين يكبر".
ويبرر دحو هذه العلاقة العميقة قائلاً إنّ "عوامل موضوعيّة كثيرة تجعل الجيل الجديد في المنطقة لا يقاطع ثقافة الخيول، منها تحرّره من عقدة النقص، إذ تقدم شخصيّات وازنة في السياسة والفن والرياضة في الجزائر وخارجها على شراء الحصان التيارتي والتباهي بامتلاكه وإهدائه". يضيف: "أعرف شباباً هنا لو خيِّروا بين سيارة مرسيدس وحصان عربي أو بربري أصيل، لاختاروا الحصان".
من جهته، يقول الناشط فتحي كافي إنّ الحصان في المنطقة لا يُورّط في الأشغال الشاقة، من حرث وحمل لأغراض ثقيلة، بل يظهر في المناسبات السعيدة. في حفلات الزفاف مثلاً، تفضّل عائلات حمل العروس على حصان أو فرس، فيما تكتفي أخرى بأن يرافق موكب الفرسان أو الخيالة موكب العروس. ويكون الحصان حاضراً في "الوعدة"، وهو تجمّع سنوي لأتباع طريقة صوفيّة ما عند ضريح مؤسّس الطريقة، بالإضافة إلى المهرجانات مثل "مهرجان الخروف"، و"مهرجان الحصان" نفسه، ويشارك فيه نحو 700 فارس من الداخل والخارج.
هذه العلاقة المميّزة بالحصان كرّست تجارة ذات صلة عادة ما تتوارثها أسر معيّنة، مثل لوازم الحصان من ألجمة وسروج، ولوازم الفارس من حقائب جلديّة وألبسة تقليديّة. ويقول أسامة (26 عاماً) إنّه تعلّم صناعة السروج من جدّه منذ كان في السابعة عشرة من عمره، لافتاً إلى أنّ هذا العمل لا يضايقه على الإطلاق، بل إنه ينافس مصلّحي أرائك السيارات في ما يتعلّق بالدخل. ويوضح أنّه يصنع سروجاً عادية للركوب اليومي، وأخرى للعرسان والاستعراضات العامة، ويلبّي طلبات المؤسّسات الحكوميّة، والشخصيات النافذة، عادة وما تدبّج بمعادن ثمينة مثل الفضّة.
وعلى غرار عالم السيارات، ففي عالم الخيول سماسرة ووسطاء، منهم الحاج مخلوف، ويعرف بـ "خو العود" لأنه ارتبط بتجارة الخيول منذ عام 1965. يقول: "في البداية، كنت متخصّصاً في خيول السباق، وأعرف نقاط تواجد النادرة منها، ليس في تيارت فقط، بل في الغرب الجزائري أيضاً، بالإضافة إلى أعمارها وسلالاتها مثل الغازي وسفلة وسيدي جابر".
يُسمّي هواة الخيول في العالم منطقة تيارت بـ "جنّة الحصان"، ليس بسبب ولع إنسانها به فقط، بل لتوفرها على أكبر حظيرة نموذجية لتربية الأحصنة في أفريقيا، وأول مختبر عربي للمزاوجة بين السلالتين العربية والبربريّة أيضاً، هي "حظيرة شاشاوة" التي تنطلق منها فعاليات "الصالون الوطني للفرس".
الحظيرة التي أنجزتها الإدارة الفرنسيّة في عام 1877 لأسباب عسكرية، وصنّفت في عام 1995 تراثاً وطنيّاً، تتربّع على مساحة تقدر بـ 876 هكتاراً، وتنتج سنوياً ما بين 55 و65 رأساً، يوجّه بعضها إلى الحرس الجمهوري ومؤسستي الرئاسة والحكومة للإهداءات الديبلوماسية، ويُباع بعضها إلى دول مثل سورية ولبنان وسويسرا وفرنسا وإيطاليا والبرازيل، التي اشترت في عام 2005 تسعة رؤوس.
تيارت الجزائرية... الحصان ينافس السيارات الحديثة!!
17.03.2017