أحدث الأخبار
الجمعة 26 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41122
نبروه قلعة الفسيخ في مصر!!
21.04.2023

تشتهر مدينة نبروه في محافظة الدقهلية بأنها قلعة صناعة الفسيخ في مصر رغم أنها لا تطل على البحر، حيث امتدت المهنة من الأجداد حتى الأبناء، فهناك مئات الأماكن التي تقدم أجود أنواع الفسيخ المحبب للجميع، ويأتي إليها المشاهير من كافة أنحاء المعمورة طلبًا للفسيخ رغم التحذيرات من تناوله.
نبروه (مصر)- تطأ قدماك شوارع مدينة نبروه المصرية بمحافظة الدقهلية في دلتا النيل، فيخيّل إليك للوهلة الأولى أنك في منطقة ساحلية رغم أنها لا تطل على بحر، وذلك بسبب رائحة السمك المملح المنبعثة من محالها العديدة والذي يطلق عليه المصريون اسم “الفسيخ”.
وتقع نبروه على الشاطئ الغربي لنهر النيل فرع دمياط وتبعد 7 كيلومترات عن المنصورة، ويوجد فيها أكثر من 50 مصنعا و65 محلا لتصنيع الفسيخ وبيعه.
يقول شريف اليماني البالغ من العمر 44 عاما، صاحب أحد أبرز محال بيع الفسيخ في نبروه، بينما يفتح برميلا خشبيا مغطى بالورق، “نبروه هي قلعة الفسيخ في مصر”.
وأوضح أنه يشترط لصناعة الفسيخ استخدام أجود أنواع الأسماك الطازجة والسمينة، وتبدأ عملية التمليح بغسل السمك جيدًا مع التأكد من تنظيف الخياشيم تمامًا، ثم يُترك ليجف من الماء يوما واحدا. بعد ذلك يُرص السمك في براميل من الخشب، ويوضع على كل طبقة من السمك الملح الخشن، وتزيد نسبة الملح في آخر سطرين عند ملء البرميل.ويتم التخزين بتغطية البرميل بغطاء من البلاستيك ثم الورق، ويُربط بطريقة محكمة كي لا يتسرب إلى داخله أي شيء، ويبقى مغلقًا لمدة تتراوح بين 10 و21 يومًا، حسب درجة حرارة الجو، ويصبح بعد ذلك صالحا للأكل.
وأضاف أن من علامات نضج الفسيخ أن يكون لونه ورديا وليس أزرق، مؤكدًا أن سبب انبعاث الرائحة النفاذة هو العلف المستخدم للأسماك، ويعتمد التمليح على أجود الأنواع من محافظة دمياط.ويتابع اليماني “نحن نتقن هذه الصنعة، وأنا أعمل في هذا المجال منذ 26 عاما. تعلمتها على يد شقيقي الراحل الذي تجاوزت خبرته فيها أكثر من 40 عاما”.
ويروي أنه منذ أكثر من مئة عام كانت هناك ثلاث أو أربع عائلات بدأت حرفة تمليح الأسماك. وبمرور الزمن امتهن عدد كبير من السكان الصنعة، ومن أشهر العائلات التي لها باع طويل مع صناعة الفسيخ “الحداد والغلبان والملاح”.ويقبل معظم شباب مدينة نبروه على مصانع ومحلات الفسيخ، كما يشير إلى ذلك عبدالرحمن منصور (عامل في محل فسيخ) قائلا “ليست لدينا بطالة، معظم الشباب يشتغلون في صناعة وبيع الفسيخ خاصة في موسم ما قبل شم النسيم رغم أن نبروه تبيع الفسيخ طوال العام”.
وقال “أصبح الإقبال على شراء الفسيخ من نبروه، في الأعياد والمواسم وغير ذلك من المناسبات، جيدا للغاية”، مضيفا “إننا نستقبل زبائن من جميع محافظات مصر”.وأشار إلى أن العديد من المشاهير يقبلون على شراء الفسيخ من المحل الخاص به ويرسلون أشخاصا لشرائه من هذا المحل، كما وصل فسيخ نبروه إلى كل الدول العربية وكذلك الدول الأوروبية، ويأتي أجانب إلى المحل لشراء الفسيخ وأكله.
وعرف المصريون القدامى الفسيخ منذ أكثر من أربعة آلاف عام، بحسب عالم الآثار المصري البارز زاهي حواس الذي أكدّ في تصريحات أن مركز الفسيخ أو السمك المملح عند الفراعنة كان في إسنا بجنوب البلاد.
وقال حواس “في اكتشافاتنا الأثرية كشفنا آثارا تثبت أن المصريين القدامى كانوا يملّحون الأسماك لتطول فترة صلاحيتها للأكل ويتمكّن العمّال من تناولها أثناء بناء الأهرامات”.
ويقول اليماني إن الإقبال على شراء الفسيخ كان مكثفا في الأسبوع السابق لشهر رمضان لكنه تراجع، مشيرا إلى أن الصائمين يخشون الشعور بالعطش في حال تناولوا الفسيخ خلال الشهر. وبعد الصيام يكون الجميع ملهوفين عليه”.
ويرجع اليماني أسباب شعبية الفسيخ في نبروه إلى “النظافة والتمليح؛ نحن نترك الفسيخ على طبيعته ولا نستخدم مع الأسماك سوى الملح والماء”.
وفي محافظات أخرى قد يلجأ منتجو الفسيخ أو بائعوه إلى إضافة بعض التوابل أثناء عملية التمليح، وفق اليماني الذي يقول إنه يحرص على احترام رغبة الزبائن الذين يميلون، وفق قوله، إلى المذاق الأصلي.
ولا يتحمّل البعض رائحة السمك النفاذة في المكان، لكن كثيرين يستمتعون بتناول لحمه. وبالتالي يبقى السمك البوري المملح أو الفسيخ من أكثر الوجبات والأطعمة المثيرة للجدل في مصر.
ويقول كريم عبدالجواد، أحد زبائن محل اليماني، بعد أن اشترى كمية من الفسيخ له ولأسرته “أقود سيارتي من محافظة الغربية لكي أشتري الفسيخ من نبروه.. له مذاق آخر”، مضيفا “الفسيخ لا تنفع معه التجارب.. لا بدّ أن تشتريه من مكان تعرفه”.
وفي أعياد الربيع، وهي أكثر المواسم التي يتناول فيها المصريون هذه الوجبة، تُنسب حالات تسمم غذائي أحيانا إلى الفسيخ.
لكن اليماني يقول “الفسيخ بريء مما يشاع عنه، فطريقة تعامل البائع معه هي الفيصل”. وتأثر الفسيخ بموجة غلاء الأسعار التي تشهدها مصر. وفي هذا السياق يقول اليماني “لم نكن نتخيّل أن نبيع بهذه الأسعار في نبروه، ولكن لم يتأثر الإقبال على الفسيخ”.
وتتراوح أسعار هذا السمك حاليا بين 220 و240 جنيها (حوالي 7 و8 دولارات) للكيلوغرام من الحجم الكبير.
من القاهرة أتى محي الدين عبدالوارث (ضابط شرطة) إلى نبروه لشراء السمك. ويقول إن المدينة “منبع الفسيخ”، مشيرا إلى أنه يزورها للمرة الأولى، لكنه كان يطلب في الماضي من أقارب له شراء السمك منها.
وتستمر نبروه في حمل لقب عاصمة الفسيخ في مصر لكثرة محلاتها وجودة الأسماك المملحة وطريقة تمليحها في تلك المحلات.

1