أمام التغيرات المناخية التي تهدد الحياة الطبيعية في كل أنحاء العالم، تسعى مصر من خلال زراعة شجرة المانغروف على شاطئ البحر إلى مقاومة عوامل النحر وتآكل الشريط الساحلي وتوفير نظام بيئي صالح للحفاظ على الحيوانات المهددة بالانقراض، وتوفير غابات ذات جدوى اقتصادية لصالح السكان المحليين.
حماطة (مصر) - على شاطئ البحر الأحمر، تنمو الآلاف من أشجار المانغروف المزروعة حديثا في إطار برنامج تسعى من خلاله مصر إلى إنقاذ النظام البيئي والحفاظ على تنوعه بهدف التصدي للتغير المناخي وتأثيراته.
وتعرف الشجرة باسم القرم، والقندل، والشورا، وتعرف بأنها أكثر الأنظمة البيئية الساحلية إنتاجاً، حيث إنها تنمو بكثرة في مناطق المد والجزر، كما تعد حضانات طبيعية، ومكانا لتزاوج العديد من الكائنات والطيور البحرية، وتشكل بيوتا للعديد من الكائنات المستوطنة والنادرة والمهددة بخطر الانقراض والحيوانات المائية والبرية.
ويشرح خبير الزراعة سيد خليفة، أنه "نظام بيئي متكامل، عندما يزرع المانغروف ستكون هناك كائنات بحرية وستأتي قشريات وستكون هناك طيور".
وتوفر هذه الشجرة حياة طبيعية للشواطئ التي تتواجد عليها، حيث تقاوم عوامل النحر وتآكل الشريط الساحلي، وتوفر مكان طعام للعديد من الأسماك، وأيضا غذاء للعديد من الحيوانات البرية خاصة الجمال، كما أنها تستطيع تحويل المياه المالحة إلى عذبة لنفسها، وذلك يعني أن تواجدها في مكان ما يدل على وجود تنوع بيئي بيولوجي ضخم.
ويدير خليفة منذ العام 2017 هذا المشروع لإعادة زراعة المانغروف على ضفتي البحر الأحمر في مصر، تلك الواقعة في سيناء والأخرى في صحراء مصر الشرقية داخل القارة الأفريقية.
غذاء للحيوان ورزق للإنسان
ويقول، إنه سيتم عرض المشروع على قمة المناخ المقرر عقدها في مدينة شرم الشيخ في نوفمبر المقبل، موضحا أن مشروع استزراع غابات المانغروف سيقدم كأحد المشروعات التي تنفذها مصر للحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية الطبيعة والتكيف مع التغيرات المناخية.
وقال، إن المشروع يعد أحد طموحات مصر ونموذجا للاقتصاد الأخضر الذي ينعكس على حالة التنوع الحيوي في إحدى المناطق السياحية في مصر، من خلال إقامة 4 مشاتل لإكثار غابات المانغروف لإنتاج حوالي 300 ألف شتلة بمختلف مناطق المشروع.
وأوضح، أن مصر لديها خطة طموحة للتوسع في غابات المانغروف بمواصلة خطة التوسع في أحد أكبر مشروعات لهذه الغابات على سواحل البحر الأحمر للمساهمة في تحقيق قيمة اقتصادية من هذه الغابات وتحسين الأوضاع البيئية في المنطقة لصالح السكان المحليين ومواجهة مخاطر التغيرات المناخية.
ويؤكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن هذه الأشجار بالغة المرونة تتحمل كل يوم "أكثر من قدرتها بكثير".
وتمتص هذه الأشجار خمسة أضعاف كمية الكربون التي تمتصها الغابات على اليابسة وتقوم بتنقية المياه الملوثة وتحمي من حرارة الشمس الحارقة، كما أنها تشكل جدارا دفاعيًا طبيعيا في مواجهة ارتفاع مستوى سطح البحر.
وتقوم هذه النباتات بكل هذه الأدوار رغم أن كلفة حمايتها والحفاظ عليها أقل بما لا يقارن بكلفة بناء سور لصد الأمواج. وعلى الرغم من ميزاتها النسبية الكبيرة، اختفى ما نسبته 35 في المئة على الأقل من أشجار المانغروف في العالم خلال الفترة ما بين 1980 و1990. بل إن 80 في المئة من هذه الأشجار اختفت في بعض المناطق مثل المحيط الهندي حيث كانت تشكل مصدا طبيعيا ضد أي تسونامي مدمر.
ويوضح طالب الدكتوراه في جامعة ريدينغ البريطانية نيكو هواي، أن المسؤولين لم يكونوا مدركين "لأهمية المانغروف" وفضلوا "فرصة تحقيق دخل" من خلال تشييد منشآت سياحية بأكبر سرعة ممكنة على الشواطئ.
ويقول أستاذ علم النباتات في جامعة طنطا بشمال مصر كمال شلتوت، إن "الأنشطة السياحية الضخمة التي عادة ما تكون ملوثة للبيئة والأنشطة الخاصة بالتنقيب عن النفط واستخراجه.. كل هذا أثر سلبا على المانغروف".
لكن في الوقت الراهن تخصص القاهرة قرابة 50 ألف دولار كل عام من أجل إعادة زراعة المانغروف، ولكن كل هذا "سيذهب هباء" إذا لم تتم السيطرة على الأضرار الناجمة عن السياحة، وفق شلتوت.
اليوم تغطي أشجار المانغروف قرابة 500 هكتار في مصر وهي نسبة محدودة للغاية مقارنة بالمانغروف في المحيط الهندي. وفي حين يستحيل معرفة حجم الأشجار التي اختفت، هناك أمر واحد مؤكد وهو أن أشجار المانغروف التي تم إحصاؤها "في خمسينات وستينات القرن العشرين" اختفت بالكامل خصوصا في منطقة الغردقة، وفق مجموعة من الباحثين، بينهم شلتوت، قامت بإجراء دراسة لهذا الغرض في العام 2018.
وقد تحولت الغردقة منذ مطلع الثمانينات إلى منتجع سياحي مفضل لدى هواة الغطس في العالم كله. ويرى هؤلاء الباحثون أن حجم الخسائر "يتجاوز على الأرجح بكثير ما يمكن تحقيقه خلال سنوات طويلة من برامج إعادة التشجير".
ويشرح خليفة أن هذه الشجرة مثل شجرة الزيتون يمكنها أن تعيش قرنا كاملا ولكنها بحاجة إلى ما بين “20 و30 عاما لكي تنمو، كما تحتاج إلى حماية كاملة” طوال هذه الفترة.
ورغم كل شيء، لا يزال خليفة يؤمن بجدوى مشروعه لإعادة زراعة المانغروف ويأمل في أن يمتد "إلى أقصى نقطة ممكنة جنوبا"، مشيرا إلى مدرسة لليخوت على بعد ستة كيلومترات.
وعلى ساحل البحر الأحمر، الذي يدر 65 في المئة من عائدات قطاع السياحة الحيوي لمصر، تنتشر أشجار المانغروف في خط متعرج لتفادي الموانئ والفنادق والمنتجعات السياحية.
يعتقد هواي أن "الأمر ليس مستحيلا ولكنه سيكون معقدا" لأن هذه الأشجار "قوية وحساسة في آن واحد خصوصا عندما تكون صغيرة ولم يشتد عودها بعد". أما خليفة فيصر على ضرورة "استزراع هذه الأشجار والتوسع في ذلك وتوعية أصحاب المنشآت السياحية بأهميتها".
بل يقترح أن تكلف كل منشأة سياحية بزراعة أشجار المانغروف في منطقتها. ويقول إنه يمكن تحفيز أصحاب المنشآت من خلال "خفض الضرائب" مقابل تمويل كلفة الاستزراع. ويعتبر أن أصحاب هذه المنشآت "حققوا مكاسب كبيرة ولا ضرر من أن يؤدوا دورًا في حماية الطبيعة".
أشجار المانغروف تنمو على الشواطئ في مصر!!
19.10.2022