أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
كورونا يدفع سائقي مركبات "جيبني" في مانيلا إلى التسول!!
17.08.2020

**أجبر وباء كورونا العديد من الناس على تغيير مهنتهم التي توقفت بسبب الحجر الصحي، لكن في الفلبين لم يجد سائقو مركبة جيبني، أشهر وسيلة نقل، ما يشتغلونه فأصبحوا مشردين بعد أن عجزوا عن دفع إيجار بيوتهم ما أجبرهم على السكن في “ملكة الطريق” والتسول في الشوارع بحثا عن صدقة يعيلون بها عائلاتهم.
مانيلا - بعدما أرغمه وباء كورونا على التخلي عن قيادة حافلته “جيبني”، وهي وسيلة نقل مشترك محببة في الفلبين، بات دانييل فلوريس يجوب شوارع مانيلا متسولا المال لتوفير القوت لعائلته.
هذا السائق البالغ 23 عاما لم ينقل راكبا واحدا منذ مارس إثر فرض الرئيس رودريغو دوتيرتي تدابير الحجر على العاصمة للحد من تفشي الوباء.
وجيبني أو ملكة الطريق كما يفضل السائقون تسميتها، هي مركبة رباعية الدفع معدّلة بشكل خاص وتستخدم في المواصلات العامة. ومع مرور السنوات أصبحت وسيلة نقل محببة ويسيرة التكلفة للملايين من الفلبينيين وجزءا أساسيا من نسيج الثقافة الفلبينية.
وتمتاز هذه المركبة بقدرتها على الوصول إلى أماكن يصعب الوصول إليها باستخدام وسائل مواصلات أخرى، وبأشكالها المزينة التي تجذب الأنظار، ويفضل سائقو جيبني تزيين مركباتهم بالديكورات والألوان.
وتسرد زينة كل مركبة قصة خاصة بالسائق أو المجتمع الفلبيني. مثلا، قد تشير رسوم الباخرات على مركبة جيبني إلى العمالة الفلبينية على متن البواخر والسفن، فيما رسومات المزارع، قد ترمز إلى تراث أسرة السائق في الزراعة. كما تتكرر رسومات لاعبي كرة السلة والشخصيات الكرتونية.
وظهرت جيبني للمرة الأولى في مانيلا في أعقاب معركة مانيلا في العام 1945، وانتشرت كوسيلة جديدة للتجول حول المدينة بعد أن دُمّرت وسائل المواصلات العامة الأخرى.
ويشار إلى أن ليوناردو ساراو، الذي كان ميكانيكيا وكان يعمل سائقا للعربات التي تجرها الخيل، قام بتصنيع الحافلة الشهيرة من خلال سيارات الجيب العسكرية التي تركها الأميركيون بعد الحرب العالمية الثانية. وقام ساراو بشد جسد السيارة الجيب لاستيعاب مقعدين متوازيين للركاب، بحيث يجلسون وجها لوجه.
وقام بإضافة سقف معدني لتوفير الظل، ووضع بابا في المؤخرة من أجل تسهيل النزول والصعود، كما وضع حواجز على الجانبين وفي أعلى الحافلة لمساعدة المزيد من الركاب على الإمساك بالحافلة، أو لاستخدمها في أغراض الشحن.
وعلى غرار باقي السائقين، فقد فلوريس مورد رزقه بعد أشهر من القيود التي شلت الاقتصاد المحلي. وإثر طرده من شقته بسبب عجزه عن تسديد قيمة الإيجار، بات يعيش حاليا في مركبته جيبني مع زوجته واثنين من أطفاله وسائق آخر.
وبدل تمضية يومه خلف مقود حافلته الصغيرة، يحاول رب العائلة هذا الصمود من خلال التسوّل. ويجوب سائقون آخرون في وضعه الشوارع حاملين لافتات ورق حول الرقبة لجذب انتباه المارة أملا في استعطافهم.
ويقول فلوريس “لم يعد لدينا مال”، وذلك لدى جلوسه في مركبته التي استعارها من مديره وحيث تتكدس أواني الطهو والملابس وقطع شتى بل قيمة. وعلى سطح المركبة لافتة يطلب فيها الرجل المساعدة.
وتصنف الفلبين أكثر بلدان جنوب شرق آسيا تضررا جراء كورونا مع أكثر من 157 ألف إصابة مؤكدة. وقد أعيد فرض الحجر على سكان مانيلا. وفي ظل هذا الوضع، تبددت آمال فلوريس في العودة قريبا إلى قيادة مركبته.
ومن حين إلى آخر، يوافق فلوريس على القيام بأعمال بسيطة بينها بيع الخردة والطلاء والتلحيم، غير أن هذه الأنشطة كلها لا تكفي لإعالة عائلته. ويقر “في أحيان كثيرة، لا نأكل سوى مرة واحدة يوميا، أو حتى لا نأكل البتة أحيانا إذا لم يعطف علينا أحد”.
وفي ظل الوضع الصعب، أرسل الزوجان طفلهما البالغ سبعة أشهر للعيش لدى أقارب لهما خارج مانيلا.بدأ سيسينادو بوندوك (73 عاما) قيادة جيبني في سن الـ28، لكنه يقف اليوم تحت أشعة الشمس الحارقة في شارع مكتظ بالمارة متسولا المال بجانب سائقين آخرين.
سكن لمن شردهم الوباء
ويقول بوندوك بصوت منكسر ووجه حزين وعينين تلمع فيهما الدموع، “كدنا نتعرض للصدم في إحدى المرات، لكن ليس أمامنا أي خيار آخر. علينا الخروج لنجرب حظنا في الشوارع علّنا نجد ما نسدّ به جوعنا”. وحصل السائقون على بعض الطعام والمال المقدم من الحكومة، غير أن هذه المساعدات قاصرة عن تعويض الموارد الضائعة.
وعيب جيبني أنها تطلق انبعاثات من الدخان، وكانت الحكومة الفلبينية أطلقت عام 2018 برنامجا مدته ست سنوات، للاستغناء عن سيارات جيبني التي لا يقل تاريخ تصنيعها عن 17 عاما، وإحلال حافلات صغيرة «ميني باص» تعمل بالكهرباء أو بمحركات تنتج انبعاثات أقل سمية محلها.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك حاليا أكثر من 240 ألف حافلة جيبني مسجلة في أنحاء البلاد، من بينها 70 ألف حافلة في العاصمة مانيلا.
وفي يونيو، خففت مانيلا تدابير الحجر لكنها لم تسمح سوى لقلة من مركبات جيبني البالغ عددها حوالي 55 ألفا بالسير مجددا. كذلك فُرضت تدابير مشددة بينها إقامة عوائق بلاستيكية بين المقاعد، ما يقلص عدد الركاب.
هناك أكثر من 240 ألف حافلة جيبني مسجلة في الفلبين من بينها 70 ألف حافلة في مانيلا
واضطر السائقون الذين كانوا يجنون ما يصل إلى 1500 بيزو (حوالي 30 دولارا) في اليوم، إلى الاكتفاء بأرباح أدنى بكثير.
وفرضت السلطات الفلبينية مطلع أغسطس حجرا جديدا على سكان مانيلا الذين يشكّلون ما يقرب من ربع سكان البلاد، ما أرغم السائقين على التوقف مجددا عن العمل.
ويخشى البعض من أن يكون هذا التوقف نهائيا، ليصبح الكسر مصيرا حتميا لهذه المركبات التي تشكّل رمزا وطنيا. وقررت الحكومة العام الماضي الدفع في اتجاه الإنهاء التدريجي لاستخدام وسيلة النقل هذه بسبب أثرها البيئي السلبي وخطرها.
وقد باع ريناتو غانداس وهو في السابعة والخمسين من العمر ويقود حافلات جيبني منذ ثلاثة عقود، إحدى مركباته. وفي ظل التهديدات التي تتربص بمورد رزقه، يفقد غانداس الأمل. ويقول “قد نضطر إلى الاكتفاء بطلب الصدقة من الناس طيلة حياتنا”.

1