**مي الحمارنة تسعى أن تكون لوحاتها مرتّبة مفعمة بألوان الطبيعة التي تعكس شغفها في الحياة رغم الأمراض التي أصابتها.
الفنون شفاء وتطهير للروح والجسد لذلك التجأت الطبيبة الفلسطينية المتقاعدة مي الحمارنة إلى الريشة والألوان الطبيعية الزاهية لترسم لوحات تعالجها من الأمراض والآلام والفراغ الذي تعانيه بعد أن أحيلت على شرف مهنة الطب وتؤثث يومها الطويل بهوايتها المفضلة.
غزة (فلسطين) ـ لم يكن الرسم يوما مجرد هواية في حياة الطبيبة الفلسطينية مي الحمارنة، فالريشة الصغيرة والألوان الزاهية باتت علاجا ناجحا ينسيها ما أصابها من أمراض مختلفة بعد بلوغها سن التقاعد.
وقبل مغيب شمس يوم السابع من فبراير 2022 بدأت الحمارنة بوضع لمساتها الأخيرة على لوحة لفتاة فلسطينية ترفع علم بلادها في وجه جندي إسرائيلي مدججة بترسانة من الأسلحة.
وتركن الحمارنة على أحد جدران منزلها لوحة لبحيرة صغيرة تحيط بها الزهور وعلى جانبيها الصخور، ويلعب حولها طفلان.
فيما تقابل تلك اللوحة لوحة أخرى انعكست عليها أشعة الشمس تسللت من نافذة منزلها، لعمق بحر تمتلئ به الأسماك، وبجانب آخر من الجدار رسمت شلالات للمياه، وجبال فلسطين ومزجتها بألوان الطبيعة الزاهية.
وغير ذلك خطت أناملها لوحة للمسجد الأقصى وقبة الصخرة بمدينة القدس المحتلة، والمسجد العمري بمدينة غزة، ولم تخل من تراث فلسطين، ودور المرأة في المجتمع.
ولا تخلو أيام الحمارنة (64 عاما) من ساعات طويلة تقضيها مع ريشتها وألوانها لتخط لوحات جديدة، في مهمة لتخفيف وطأة الأوجاع.
والحمارنة، هي طبيبة تخصصت في طب العيون بجامعة “غلاسكو” البريطانية عام 1989.
وتسعى الطبيبة الفلسطينية أن تكون لوحاتها مرتّبة مفعمة بألوان الطبيعة التي تعكس شغفها في الحياة، رغم الأمراض التي أصابتها في سنّ متأخر من عمرها.
وتحرص يوميا على تفقد لوحاتها الفنية التي رسمتها مسبقا، للتأمل بها وبألوانها.
وحولت الطبيبة التي أعطت من عمرها 29 عاما لخدمة المرضى، أحد أركان منزلها الواقع بمدينة غزة، لمرسم خاص تزينه لوحاتها، خاصة تلك التي تجسد جمال الطبيعة في فلسطين.
وأصبحت الحمارنة بعدما تقاعدت من عملها منذ 9 سنوات، معتمدة بشكل رئيسي على مرسمها لمحاولة التغلب على آلام عديدة تواجهها.
وتعاني السيدة التي لديها ثلاثة أبناء من بينهم فتاة، من مرض تليف الرئتين (تلَف أنسجة في الرئة) والسكري، ومشاكل في الغدة الدرقية.
وبدلا من أن تكون الحمارنة، غير منتجة، منهكة الجسد، جعلها الرسم مفعمة بالطاقة والحيوية.
واكتشفت حمارنة، موهبتها بالرسم في سن متأخر منذ ما يقارب 4 سنوات عندما ذهبت إلى مركز تعليم فنون الرسم في قطاع غزة، حيث أن المدربين أثنوا على إنتاجها من لوحات جمالية وأصبحت تعتمد على نفسها في الرسم بعد وقت قصير.
وقالت إن “فن الرسم ساعدني على نسيان آلامي التي تصاحبني بسبب الأمراض التي في جسدي”. وأضافت، “عندما أشعر بالتعب أذهب مسرعة إلى الرسم وللوحاتي للتأمل بها، وهذا ما ينصحني به أبنائي أيضا، فالرسم خير علاج لي”.
وأردفت “أبنائي سند لي في الحياة ويساعدونني على ممارسة موهبتي من خلال اختيار الألوان معا أو جلب معدات الرسم لي، بالإضافة إلى اختيار مناظر جميلة من طبيعة فلسطين”.
وأوضحت أنه بالرغم من مرضها إلا أنها تحب الحياة، ورسوماتها يغلب عليها طابع الطبيعة، وليس اليأس الذي يسيطر على كل مريض منهك.
ولفتت إلى أن “المرض ينهك الجسد، ويجعله طريح الفراش، لذلك على كل مريض النهوض للحياة، فكل إنسان لديه طاقة إيجابية داخله تحتاج لتحفيز قليل للنهوض مجددا للحياة لنكون منتجين”.
ورسمت الحمارنة، للقضية الفلسطينية، ومناظر طبيعية، وقبة الصخرة، والمسجد الأقصى عموما، وحقول زراعية، ومناظر جمالية لمعالم فلسطين وجمالها، والعديد من الرسومات، كالبحيرات والحدائق.
وقالت “أنا متعلقة جدا بجمال فلسطين ودائما أرسم الجبال والهضاب والسهول والأنهار والأماكن التراثية والدينية فيها”.
وذكرت أنها “ترسم لجميع مدارس الفن التشكيلي، من ضمنها الواقعية، والسريالية، والانطباعية، والتجريدية، والتأثيرية”.
ولفتت إلى أنها شاركت في معارض عديدة في غزة، وفي عام 2018 نظمت معرضا خاصا بها، بعد ثناء كبير على لوحاتها من زملائها الفنانين في القطاع.
وتأمل الحمارنة، أن تنتقل لوحاتها إلى خارج الأراضي الفلسطينية وتشارك في معارض دولية وعربية.
طبيبة فلسطينية تداوي آلامها بالريشة والألوان!!
04.03.2022