**استعان رجال القبائل البدو في منطقة الخليج بالصقور في عمليات الصيد منذ زمن بعيد، وبمرور الزمن تطورت عمليات الصيد بالصقور لتصبح اليوم رياضة شعبية وهواية للكثير من الخليجيين الذين اهتموا بها كجزء من التراث والهوية. وفي قطر خصصوا للصقور المصحات ونوادي التدريب، وكان مستشفى سوق واقف بالدوحة أفضل من يعتني بها تطبيبا وتجميلا، إضافة إلى تحديد هويات وتوفير جوازات سفر لها.
الدوحة - للوهلة الأولى يبدو مستشفى سوق واقف في الدوحة مثل أي مستشفى حديث آخر، حيث تنتشر الممرضات اللاتي يرتدين الميدعات الزرقاء، ويتحركن بخفة عبر الأجنحة المضيئة لإتمام جولاتهن الهادفة إلى متابعة المرضى.
وتُسمع أصوات من قسم الأشعة وغرف العمليات، بينما يدرس المتخصصون نتائج الأشعة السينية ويجري الأطباء الملثمون الجراحات باستخدام جميع الأدوات عالية التقنية الحديثة.
لكن مرضاهم هم من الصقور فقط، حيث تعد هذه الطيور من بين أكثر سكان البلاد تدليلا في إمارة قطر الصغيرة والثرية.
ولطالما حظيت الصقور بمعاملات خاصة في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية لشراستها وبراعتها في الصيد، وهي اليوم بمثابة رموز تذكّر بماض بدوي.
وكان الرابط بين الصقارين وصقورهم مصدر إلهام منذ العصر الحجري القديم، عندما ظهرت رسومات هذه الكائنات لأول مرة على جدران الكهوف.
وعلى الرغم من أن فن الصقارة أصبح أقل شيوعا الآن مما كان عليه في الأيام الماضية، إلا أنه لا يزال ينتقل من جيل إلى جيل في قطر ودول الخليج العربي الأخرى.
150**ألف صقر تدخل مستشفى الصقور في سوق واقف للعلاج والعناية خلال موسم التدريب والصيد
وقال الصقار القطري فيصل المري، الذي يملك ستة صقور “الصقر سابقا كان يستعمله الآباء والأجداد للصيد، ليست هناك وسيلة صيد إلا الصقر. لكن حاليا أصبحت (عملية الصيد) رياضة لها مسابقات وجوائز ومهرجانات، ولها العديد من الأمور (الأخرى)”.وأُدرجت الصقارة في 2021 على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.
وقال محمد بدر، كبير الأطباء البيطريين في مستشفى سوق واقف للصقور، “الصقارة تُمارس أكثر في هذه المنطقة من العالم، أقصد الشرق؛ فالصقر يمثل الشجاعة والجمال واحترام الذات، وتعلمون أن كل هذه الصفات الباسلة يمكن أن تتوقعها من طير جارح، والصقارة نشاط معروف جيدا هنا ورياضة شهيرة، لكنها لا تُمارس كثيرا في مناطق أخرى من العالم، وهذا يبرر وجود مستشفيات أكثر للصقور في قطر ودول أخرى في المنطقة”.
وقد انتشرت الأندية خلال السنوات الأخيرة في جميع أنحاء المنطقة لتدرّس المبتدئين من جميع الأعمار المعرفة والمهارات والخبرات ليصبحوا صقارين مؤهلين، كما توفر لمنتسبيها المعلومات والخبرات التي تمكنهم من قراءة تضاريس الصحراء، والاهتداء بالنجوم أثناء السير ليلاً، وتعقّب الآثار ومراقبة أحوال الطقس.
وتكلّف أجود الصقور ما لا يقل عن بضعة آلاف من الدولارات ولا يدخر القطريون أي نفقات للحفاظ على صحتها.
وكان إنشاء المستشفى سنة 2008 في أقدم أسواق الدوحة دعما لهواية تربية الصقور وتراثها، وقال مديره إقدام مجيد الكرخي إن “الهواية تمد عروقها إلى أجيال متعددة، لذا يُعدّ إبقاء الصقور على قيد الحياة وبصحة جيدة واجبا أساسيا”.
وتقدم المستشفيات العامة مثل سوق واقف رعاية متخصصة للصقور المريضة والجريحة، وتستقبل أكثر من 30 ألف طائر سنويا.
يقول الصقار القطري علي المري “المستشفى يوفر لنا خدمات جيدة جدا بالاعتماد على خبرات مختصين من أطباء الحيوانات بشكل عام، لأن الصقارة هي هواية كبيرة منتشرة في الوطن العربي”.
وفي سوق واقف نجح مستشفى الصقور في استقبال ومعالجة 150 صقرا يوميا خلال موسم التدريب والصيد بالصقور الذي يمتد من سبتمبر إلى مارس.
ويوفر المستشفى مدى واسعا من الخدمات الطبية للصقور، بداية من العمليات الجراحية وصولا إلى إصدار جواز السفر وبطاقات التعريف الخاصة بكل صقر لتسهيل التنقل بين الدول والمشاركة في المهرجانات والمسابقات.
ويتضمن المستشفى قسما للجراحة والعمليات، وقسما لفحص الصقور وتشخيص حالتها، وقسما آخر لحفظها والعناية بها قبل إجراء العمليات الجراحية، وقسما لمتابعتها بعد إجراء العمليات الجراحية، وقسم الأشعة، وقسما يضم المواد الطبية والعلاجية والمضادات الحيوية الخاصة بالصقور.
ويوفر المستشفى أيضا تحاليل الدم، وصيدلية بيطرية لدفع معاليم علاجات الصقور بأسعار رمزية، إضافة إلى قسم إصدار الشرائح الإلكترونية.
ويعمل لدى المستشفى أكثر من 30 مختصا أغلبهم لم تكن لديهم معرفة بطب الصقور ورعايتها لكنهم تدربوا وتعلموا واكتسبوا الخبرة من خلال العمل.
وتعج منطقة الاستقبال الرخامية بالمالكين الذين يجلبون طيورهم لإجراء الفحوصات الطبية وجراحات العظام وحتى العناية بالأظافر.
المستشفى يتضمن قسما للجراحة والعمليات، وقسما لفحص الصقور وتشخيص حالتها، وقسما آخر لحفظها والعناية بها قبل إجراء العمليات الجراحية
وتعتبر عملية حفظ أظافر الصقور مهمة، حيث لا تستطيع الطيور المأخوذة من الصحراء إلى المنازل الفخمة في الدوحة المرصعة بناطحات السحاب العثور بسهولة على أسطح حادة لتقليم مخالبها.
وقد يكون الصيد بالصقور تقليدا قديما، ولكنه عمل صعب أيضا، حيث تقاتل الفريسة المحاصرة في بعض الأحيان، وتضرب الصقر المهاجم وجناحيه.
وتُعد كل ريشة من ريش الصقر أمرا حيويا في رحلته، مما يستلزم استبدالها بعناية. ويبحث الأطباء في مجموعة من الريش للعثور على ما يتناسب تماما مع سلالة الطائر الجريح.
وقال الكرخي إن الريش التالف يقوّض لياقة الطائر، مما يستوجب التعامل معه بسرعة.
ويعالج جراحو المستشفى أنواع الإصابات الأخرى الناجمة عن الصيد، حيث تتضرر مناقير الصقور ومخالبها أيضا. وفي غرفة الانتظار بالعيادة يجلس الصقر على معصم صاحبه المغلّف بقفاز، حيث يعامل الرجال القطريون الطيور الثمينة مثل الأطفال، ويداعبون ريشها ويرشون مناقيرها بالماء.
وقال حمد المحشدي، وهو رئيس أحد مهرجانات الصقور وكان يصطحب طائره لفحص طبي منتظم، “إذا أهمل شخص طائره، فهذه مشكلة كبيرة. عندما يتمسك المرء بطائره، فهذا شيء آخر. إن حب الطيور غير عادي”.
وربما تكون الثروة النفطية قد حولت الدوحة إلى عاصمة مستقبلية بها مجموعة متلألئة من ناطحات السحاب والمشاريع العملاقة، لكن سوق واقف لا يزال يشهد تدفقا ثابتا للصقور يوميا، في إشارة إلى أن أصداء ماضي قطر القديم لم يضع.
وقال الكرخي إن “النظرة بين الصقر ومالكه تختلف عن أي نظرة أخرى. ويشعر المربّون بولاء هذا الطائر، فهو محارب شرس في البرية ومع ذلك هو أليف في أيديهم”.
مستشفى واقف للصقور بالدوحة عناية فائقة بالطير المفضل!!
30.03.2022