يعبّر المزارع العراقي، كامل حامد، عن خشيته وقلقه من تأثير وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية على حقول الحنطة الذهبية العراقية ومواد التموين عامة.وينظر حامد إلى حقوله الذهبيّة بعين خائفة لأن هذا العام تراجعت محاصيله إلى النصف بسبب الجفاف ونقص المياه.وكأنّ الجفاف وحده لم يكن كافيا، فجاءت الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الوقود والبذور والأسمدة لتلقي بظلالها منذ شباط/فبراير، على القطاع الزراعي في العراق مع ارتفاع تكاليف الإنتاج.يقول الرجل الذي ارتدى ثوبًا تقليديًا أبيض وكوفية، قرب قرية جليحة، "حاليًا يوجد جفاف غير طبيعي، حتى الآبار غير موجودة، تخرج منها مياه مالحة".وكما كل المزارعين في العراق، يتبع حامد توجيهات السلطات التي تشتري حبوبهم. وهي تحدّد المساحات التي ستتم زراعتها في كل محافظة ونسب الريّ، استنادًا إلى كمية الاحتياطات المائية والأمطار.وهذا العام وبسبب النقص في المياه، قرر العراق تخفيض مساحاته المزروعة إلى النصف وبالتالي تراجعت كمية المحاصيل.زرع حامد ربع المئة دونم زراعي من الأرض التي يملكها. في حقله، تجول آلة الحصاد ذهابًا وإيابًا لقطع النباتات الناضجة، ثمّ تُجري الحبوب في ظهر شاحنة.يقول المزارع البالغ من العمر 53 عامًا "السنة لم يوفر الدونم حتى 500 كيلوغرام" من الحنطة، فيما كان في المواسم السابقة يوفّر طنًّا واحدًا.ويدرك الرجل أيضًا مدى تأثير الحرب في أوكرانيا على وضع المزارعين العراقيين. ويقول إنها "أثّرت على ارتفاع اسعار زيت المحركات في الأسواق المحلية، وهذا ما أضاف عبئًا ماليًا آخر على المزارعين".كلّ هذه العوامل، تضع الرجل في حيرة. ويقول "لا أعرف كيف سأؤمن قوت عائلتي.
ليس عندي راتب أو عمل. أين أذهب؟".يظلّ الشح في المياه العامل الرئيسي في إرهاق القطاع الزراعي العراقي، وسكان البلاد البالغ عددهم 41 مليونًا. هؤلاء، يشعرون رويدًا بتأثير التغير المناخي على حياتهم، بدءًا من التصحر، والعواصف الترابية المتكررة، وتراجع المتساقطات وانخفاض مستويات الأنهر.وتعدّ قضية المياه أيضًا مسألة استراتيجية هامة، فالعراق يتشارك مياه نهريه التاريخيين، دجلة والفرات، مع كلّ من تركيا وسوريا وإيران. وتندّد بغداد مرارًا بتعمير جيرانها للسدود ما يخفّض من حصتها.يمرّ نهر الفرات في محافظة الديوانية حيث تقع قرية جليحة، ويغذّيها بـ180 مترًا مكعبًا من المياه في الثانية. لكن هذا الموسم، كما يوضح رئيس جمعيات مستخدمي المياه هاني شعير، "وصلت إلى 80 مترًا مكعبًا بالثانية".ويتجلّى هذا الجفاف بتراجع مياه مشروع الثريمة الاروائي الذي يغذّي مساحة 200 ألف دونم زراعي. بعض جداول المياه جفّت بالكامل.ويندّد شعير بغياب الحلول من الدولة، فوزارة الزراعة لم توفر هذا العام سوف 5 كيلوغرامات من السماد مقابل 40 كيلوغرامًا في السنوات السابقة.ويضيف أنه في ظلّ هذه الظروف القاسية، "الفلاح سوف يهاجر، سيترك الأرض ويذهب إلى المدينة بحثًا عن أي عمل".يتحدّث من جهته المتحدّث باسم وزارة الزراعة حميد النايف، عن رفع السلطات لأسعار بيع الحنطة لتدفع إلى المزارعين نحو 500 دولار مقابل الطنّ.ويشرح بدوره مدير زراعة الديوانية حسن الوائلي لفرانس برس أنه خلال الأعوام 2019 و2020، وصلت كمية الحنطة التي جرى إنتاجها إلى 5 ملايين طن، ما ضمن "الاكتفاء" الذاتي للعراق من هذا المنتج الحيوي.
لكن هذا الموسم، يشرح الوائلي أنه "بسبب هذه التغيرات وشح المياه والتغيرات المناخية... كل ذلك أدى إلى تخفيض الخطة الزراعية بنسبة 50%". يُتوقّع أن تنتج البلاد بين 2,5 إلى 3 ملايين طن من الحنطة. ويقول النايف "إنتاج ثلاثة ملايين لا يكفي لسنة كاملة للعراقيين"، مضيفًا "سنحتاج للاستيراد".وسيتأثر العراق كذلك بتقلبات السوق العالمي وارتفاع الأسعار بسبب الحرب في أوكرانيا، على الرغم من أن بغداد تستورد الحنطة من كندا وأستراليا والولايات المتحدة.ويشرح النايف "مع تسارع الحرب الروسية الأوكرانية، ترتفع الأسعار حتى في الولايات المتحدة والدول الأخرى، (على خلفية) العرض والطلب"، فالدول التي كانت تشتري حنطتها عادة من روسيا وأوكرانيا تتجه للاستيراد من الدول الأخرى.في حقله في جليحة، يتساءل أحمد الجليحاوي ما إذا اتخذ القرار الصحيح بامتهان الزراعة وترك الدراسة. ويقول الفلاح الثلاثيني لـ"فرانس برس": "تركت الدراسة وتوجهت إلى الفلاحة"، لكن "هذا العام الزراعة كانت صفر".سوّق العام الماضي 500 طن من الحنطة، أما هذا العام فلن يتجاوز إنتاجه ما بين 50 إلى 75 طنًا.بسبب الحرب في أوكرانيا، ارتفعت أسعار الأسمدة ومضادات الحشرات. ويضيف الرجل "مع قلة الانتاج لهذا العام، من المحتمل ألّا نتمكن من الزراعة في العام القادم والمواسم التي تليه، لا سيما بسبب ارتفاع الأسعار".!!
حقول العراق: كأن الجفاف وحده لم يكن كافيا.. فأتت الحرب على أوكرانيا!!
08.05.2022