السلط: لوح خشبي يحوي 14 تجويفا متساويا فيها حجارة ملساء طقطقتها تُطرب آذان من يمسكونها، يسرحون لحظة ويتحدثون أخرى قبل نقلها من أماكنها ضمن مشهد عام يؤكد انسجامهم واستمتاعهم.
هذا هو حال الأردنيين في مدينة السلط غرب العاصمة عمّان وهم يلعبون كبارا وصغارا «المِنقَلة».
وتلك اللعبة تعود بداياتها إلى العصر العثماني، وتوارثوها أبا عن جدّ، فهي موروث يجدون فيه متعتهم وفرصة لتبادل أطراف الحديث في مختلف المجالات.
تابعنا جلسة لعدد من أبناء السلط وهم يلعبون «المِنقَلة»، واستمع من بعضهم عن تاريخها وسبب تمسكهم بها وما تعنيه لهم.
أحمد الوشاح (57 عاما)، رئيس إحدى الجمعيات التراثية بالمدينة، قال: «نتيجة اهتمام وتعلق أهل السلط بالمِنقَلة، وخاصة كبار السن، ارتأينا تبنيها في جمعيتنا وتعليمها للأجيال الجديدة».
وتابع: «من أجل المحافظة عليها، نعقد بطولة سنوية منذ عام 2002، يُشارك فيها كبار السن والأجيال التي علمناها على شكل تصفيات».
واعتبر أن «الجميل بالموضوع أن الأجيال الحديثة ونتيجة حُبّها لهذه اللعبة، تغلبت على كبار السن في بعض الأحيان».
إبراهيم نوار (63 عاما) وصفه الجالسون معه بـ«المدرب والمرجع» في هذه اللعبة.
وقال: «والدي مواليد 1909 وتوفي عام 1991، وكان يتقن هذه اللعبة ببراعة، حتى إنني ما زلت أحتفظ بمنقلته، وقد تعلّمها من جدّي».
وأشار إلى أن «أصول اللعبة عثمانية ولا يقل عمرها عن 400 عام، حيث توارثها الآباء عن الأجداد، وسُميت بالمِنقَلة لتناقل أحجارها من بيت إلى بيت (الحفر)».
وأوضح أنها «تُصنع من خشب الجوز والزان الروماني، وتحتوي على 14 عينا محفورة داخلها، وكان الأجداد يحفرونها على الصخر الأصفر الطباشيري لسهولة الحفر فيه».
واستطرد: «يُخصص لكل عين في اللعبة 7 أحجار ملساء مصدرها مجاري السيول، بما مجموعة 98 حجرا لـ14 حفرة».
ولفت إلى أن «هناك لغزا يرتبط بهذه اللعبة يقول: ميت بين اثنين له 14 عينا وأولاده 100 بخسوا اثنين»، في وصف واضح يُشير إلى شكل اللعبة.
وعن طريقة اللعب، فهي تتمثل بحسب نوار بأن «يتفاضل اللاعبان ببدء اللعب بناء على العمر والكبير يبدأ».
وتابع: «يقوم اللاعب بنقل الأحجار بعكس عقارب الساعة، ولا يجوز له تحريك أي حجر فردي قبل أن يقوم بأكل حجرين».
وأردف: «عند التقاء حجرين أو 4 فوق بعضها، يقوم بأكلهما من أحجار اللاعب الثاني، حيث يكون الفائز من جمع حجارة أكثر من الثاني ولو بحجر واحد».
أما محمد العناسوة (52 عاما) فقال إنه «إذا تعادل الطرفان بشوط لكل واحد، فإنهما يلعبان شوطا فاصلا لتحديد الفائز».
واعتبر أن «ما يميز المنقلة أن الغرض منها ليس اللعب بحد ذاته، وإنما تبادل الحديث في مختلف القضايا السياسية والاجتماعية وغير ذلك».
فيما قال أمين عربيات (61 عاما) إن «السلط من المدن الأردنية التي تعاقبت عليها الكثير من الحضارات القديمة وخاصة العثمانية التي تميز طابع مبانيها، فمن الطبيعي أن تكون مميزة بألعابها».
وأضاف: «نسعى من خلال هذه اللعبة إلى إحياء إرث تاريخي وحضاري؛ حرصا منا على بيان أهمية السلط، والتي تعد مركزا لتلاقي الثقافات المختلفة».
وأعرب عربيات عن تطلعه إلى إقامة فعاليات خاصة بهذه اللعبة على مستوى محافظات المملكة لإعادة إحيائها بين الأجيال الحديثة، وحتى تنظيم بطولة دولية لهذه اللعبة.
وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول 2020، قررت اللجنة الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» إدراج «المِنقَلة» على قائمة التراث الثقافي غير المادي.
ويعمل الاتحاد العالمي للرياضات التقليدية (غير حكومي) على عقد دورات تدريبية سعيا لزيادة الوعي باللعبة التي تنتشر في مساحة جغرافية واسعة في تركيا وتمتلك تاريخا يمتد لآلاف السنين.
وتقع مدينة السلط على بعد 30 كم من عمان، وهي رابع أكبر مدن المملكة سكانا وسميت قديما بـ»سالتوس» نسبة إلى القائد اليوناني الذي فتحها زمن الإسكندر المقدوني، وبنى فيها معبدا للإله «زيوس» بمنطقة «زي».
وفي 2021، أُدرجت السلط على قائمة التراث العالمي تحت مسمى «مدينة التسامح والضيافة الحضرية».
ويقع في السلط صرح الشهداء الأتراك وبه رفات 300 جندي عثماني قضوا في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، دفاعا عن بلادهم في مواجهة الإنكليز.
"المِنقَلة» في الأردن: لعبة تاريخية تتيح اللقاء وتبادل الآراء!!
27.10.2022