أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
154 55 56 57 58 59 601135
الاندثار يهدد الحرف اليدوية في مصر بسبب أسعار الخامات وتراجع الطلب!!
05.01.2023

الفيوم (مصر) – داخل ورشة في قرية النزلة إحدى قرى محافظة الفيوم، مركز صناعة الفخار اليدوي في مصر، يعكف حسني ربيع على تحضير عجينة من طمي النيل قبل أن يمزجها بقش الأرز ليحولها إلى قطع فنية.
يعمل ربيع (41 عاما) في صناعة الفخار منذ 25 عاما، وتوارث المهنة عن أجداده إذ امتهنت سبعة أجيال من أسرته صناعة الفخار، إحدى أقدم الحرف اليدوية في مصر.
ويقتصر إنتاج ربيع على “الأزيار” وهي أوان فخارية تحفظ برودة الماء، و”البوكلات” وهي أوان تصنع خصيصا لحفظ الجُبن القديم، بالإضافة إلى بعض القطع الفنية التي تستخدم في تزيين المنازل والحدائق.
ومنذ ثلاثة أعوام كان يعمل بورشة ربيع ما يقرب من 150 حرفيا، لكن الآن لا يتجاوز عددهم 50 عاملا. وعلل ربيع ذلك قائلا “مكانش في اهتمام بالمكان ولا كان في تطوير، وكانت الحرفة كلها شقاء فا كانت الناس بتسيبها وتروح لحاجة أسهل تكسب منها فلوس أسرع”.
وفاقمت الحرب في أوكرانيا متاعب مصر الاقتصادية إذ رفعت تكاليف الواردات في بلد يعتمد بشدة على الاستيراد.
وأسفر ذلك عن شح في الموارد الدولارية نجم عنه انهيار في قيمة الجنيه وصعود التضخم لأعلى مستوياته في قرابة خمس سنوات مع زيادة أسعار المواد الخام والسلع الأساسية وسط قيود على الواردات للحفاظ على الموارد من العملة الأجنبية.
وكان أثر الأزمة ملموسا في صناعة الفخار اليدوي وبدأ ربيع في مواجهة بعض التحديات وقال “الأسعار ارتفعت وأصبحت عاجزا عن التزود بالمواد الأولية، كما أنني لا أُلاقي طلبا على منتجاتي”، مضيفا أن ما يقوم بتصنيعه هو “منتج ترفيهي” يمكن الاستغناء عنه في ظل زيادة الأعباء الاقتصادية.
وعلى الرغم من قيام ربيع بتشكيل ما يقرب من 800 إلى 1000 قطعة فخارية كل شهر، شكل ارتفاع أسعار بعض المواد الخام التي يعتمد عليها في عمله مثل نشارة الخشب، التي كانت تكلفتها 20 جنيها مصريا للكيلو ثم زادت هذا العام إلى 50 جنيها للكيلو، ضغطا إضافيا عليه وأصبح يطمح لزيادة الإنتاج.
وقال ربيع “أحاول أن أقدم تصميمات جديدة مختلفة عن التصميمات التي أشتغل عليها حاليا، أعتمد أشكالا فرعونية وأحاول اعتمادها في التصميم لعلها تساعدني في التسويق”.
وتعلم ربيع صناعة الفخار اليدوي في سن العاشرة بهدف مساعدة أسرته في مواجهة أعباء الحياة، وأحب المهنة لأنه وجد بها “حرية وراحة نفسية” بحسب وصفه، لكن الأزمة الاقتصادية الحالية عكرت تلك الراحة.
ولم يختلف الحال كثيرا في قرية العجميين بمحافظة الفيوم، والتي تشتهر بنوع آخر من الحرف اليدوية وهي منتجات النخيل.
ويعمل معظم أهل القرية في مجال صناعة الأقفاص والأثاث من جريد النخيل، ومن بينهم شعبان حلوم (55 عاما) الذي انخرط في تلك المهنة منذ طفولته.
ومنذ ما يقرب من 45 عاما اصطحبه والده إلى أحد الحرفيين ليتعلم صناعة الأقفاص التي تستخدم في تخزين الخضروات أو الدواجن، ومع مرور الوقت، أقدم حلوم على تطوير إمكانياته الحرفية وبدأ العمل في صناعة الأثاث مثل المقاعد والطاولات من الجريد.
ومع ارتفاع الأسعار لم يجد حلوم سبيلا لزيادة عائده المادي إلا من خلال التطوير، إذ أوضح أن الشكل المتعارف عليه للمقاعد المصنوعة من جريد النخيل لم يتغير منذ 100 عام، لكنه قام بتنفيذ فكرة جديدة لمقعد على طريقة “المكعبات” إذ يقوم بتركيب قطع الجريد بشكل هندسي مبتكر، آملا أن يؤدي ذلك إلى زيادة حجم المبيعات.
ويقول “نمط الشغل هو هو، التغيير يكمن في دماغ الإنسان لمن يريد أن يجدد. الزبائن يحبون كل ما هو جديد”.
ومع اشتداد الأزمة ارتفع سعر الجريد. وأصبح يكلف حلوم 2500 جنيه مقابل شراء ألف قطعة من جريد النخل بعد أن كانت تكلفتها 1200 جنيه، وذلك بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة النقل، إذ يقوم حلوم بشراء الجريد من محافظة أسيوط وشحنه إلى قريته في محافظة الفيوم، وعلى مدار العام الماضي ارتفع سعر النقل من 750 إلى 1500 جنيه.
ولذلك اضطر أن يرفع أسعار منتجاته إذ كان ثمن المقعد التقليدي 120 جنيها وأصبح الآن 150، أما المقعد “المكعب” فقد ارتفع سعره من 150 إلى 200 جنيه.
ويمني حلوم نفسه بأن تساعد الدولة صغار الحرفيين في صناعة منتجات النخيل من خلال توفير معارض تتيح الفرصة لتسويق عملهم، وقال “احنا منسيين خالص، القفاص منسي من ناحية الدولة خالص”.
وتعد محافظة الفيوم أحد أهم مراكز الصناعات اليدوية في مصر، حيث تشتهر العديد من قراها بحرف مختلفة. وضمن تلك القرى، تشتهر قرية دسيا بصناعة السجاد اليدوي.
ويقول أنور أبوزيد (35 عاما) الذي احترف صناعة السجاد اليدوي منذ أن كان عمره ثمانية أعوام، إنه نجح في الانضمام للقطاع الرسمي من خلال تأسيس شركته الخاصة وأصبحت لديه العديد من الفرص التسويقية من خلال المشاركة في معارض مختلفة. لكنه لم يسلم من تأثير ارتفاع الأسعار إذ أوضح أن معظم المواد الخام التي يعتمد عليها زادت بنسبة 25 في المئة.
وعلى الرغم من تلك المعوقات فقد حقق عام 2022 زيادة في الأرباح عن عام 2021 وصلت إلى 25 في المئة، ويرجح أن اشتراكه في معارض للحرف اليدوية بمختلف المحافظات كان هو العامل الأساسي لهذه المكاسب غير المتوقعة. ويرى أبوزيد أن السبيل الوحيد أمامه لمحاربة الغلاء هو تطوير المنتج والتكيف مع احتياجات وأذواق الزبائن.

1