أحدث الأخبار
الجمعة 29 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1187 188 189 190 191 192 1931135
الراشي يعود ضيفا مبجلا على مائدة العائلات العراقية !!
03.02.2020

*يحاول العراقيون أن يستعيدوا حياتهم اليومية وتحريك عجلة الاقتصاد بعد معاناتهم من استبداد التنظيمات المسلحة وما يعانونه من عدم الاستقرار السياسي اليوم، في مصانع الراشي أو زيت السمسم التي تنهض مجددا لتوفر فرص عمل للعائدين من رحلة نزوح قاسية.
الموصل (العراق)- تعتبر بعشيقة (15 كم شمال شرق الموصل) من المناطق الأولى في تأسيس معامل الراشي (زيت السمسم) التي تنتشر شهرتها بشكل واسع لأنها تتميز بنوعيتها الجيدة ونكهتها المميزة الطيبة والمستخلصة من عصر السمسم الصافي، لكن الدواعش أفسدوا ازدهار هذه الصناعة بعد احتلال البلدة سنة 2014 فرحل أصحاب المصانع كما رحل أغلب العراقيين دون أن يأخذوا معهم شيئا.
والراشي الذي يستخلص من السمسم أصبح الضيف الصباحي على المائدة العراقية خاصة في فصل الشتاء لاحتوائه على سعرات حرارية عالية وخالية من الدهون المشبعة ودخوله في صناعة مواد غذائية أخرى مثل الحلويات والمعجنات والمقبلات.
بعد طرد الدواعش عاد أصحاب المصانع إلى بعشيقة، فوجدوا مصانعهم مدمرة، كما أوضح صباح جبور وهو أحد أصحاب مصانع الراشي، “قبل عام 2014 ، كنا نملك مصانع متطورة وعندما جاء (تنظيم) داعش، فقدنا كل شيء”.
وأضاف بعد تحرير المنطقة في 2016 “عندما عدنا، وجدنا أن مصانعنا تعرضت للنهب أو الحرق أو التلف الجزئي أو التدمير الكامل”. بعد عودته، وجد أن نصف مصنعه قد هُدم في غارة جوية، ونُهبت المعدات والمواد أو دُمرت.
قال جبور، إنه في السابق كان يوفر فرص عمل لما يقرب من 40 شخصًا، لكن بعد إعادة فتح مصنعه، أصبحت لديه القدرة على توظيف ستة إلى ثمانية عمال فقط.
وعادت عجلات مصانع الراشي للدوران بعزم من أصحابها من أجل خلق فرص العمل لسكان المنطقة، الأمر الذي أدى إلى تحسن دخلهم ما يساهم في عمليات الاستقرار وإعادة الحياة إلى ما كانت عليه.
وكان سيد حاجي (صاحب مصنع آخر في بعشيقة) يشغّل ما يقرب من 45 شخصا وينتج أكثر من 10 أطنان من الراشي يوميًا، لكن الآن يعمل لديه أقل من 20 موظفًا وينتج في اليوم أربعة أطنان فقط.
وقال رائد حيران توفيق (55 عاما) -وهو صاحب معمل لصناعة الراشي- لوكالة أنباء “شينخوا”، “إن صناعة الراشي بدأت بالعودة من جديد نهاية عام 2017 أي بعد تحرير مدينة الموصل وبلدة بعشيقة من التنظيم الإرهابي (داعش)”.
وأضاف “قمنا بجلب الماكينات من داخل الموصل، وبعضها وجدناه في المناطق الصناعية بمخازن التنظيم، وبعضها الآخر تم العثور عليه في أسواق المدينة، وبعض هذه الماكينات جلبناها عن طريق سماسرة يتاجرون بالمواد المسروقة، و(هناك ماكينات) أخرى تم إرجاعها من قبل سكان الموصل”.
وأوضح بأنه قام باسترجاع هذه الممتلكات بجهود ذاتية لكي يعيد تشغيل مصانع إنتاج الراشي وتوزيعه في الأسواق المحلية، مبينا أنه أعاد الحياة للمصنع وهو الآن ينتج ويقوم بترويج منتجه في الأسواق المحلية.
واشتكى توفيق من عدم وجود دعم حكومي لأصحاب مصانع الراشي وكذلك قلة التسويق، لكنه لا يزال يأمل خيرا في المستقبل القريب قائلا “نحن نعمل على تطوير هذه الصناعة بإدخال التكنولوجيا الحديثة من ماكينات ومعدات جديدة وإضافة أحواض مائية أخرى تدخل ضمن مراحل الإنتاج”.
بدوره قال غانم إلياس صاحب معمل لصناعة الراشي، والذي ورثه عن والده وأجداده، “إن هذه الصناعة مرت بعدة مراحل عبر تاريخها وأزمنتها المختلفة، حيث بدأت بالصناعة البدائية التقليدية في عام 1949 عندما كانت تنتج من خلال الآلة الحجرية البدائية التي تجرها الحيوانات وتقوم بعصر مادة السمسم”. وذكر أن تطوير هذه الصناعة تم على مراحل إلى أن وصلت إلى مراحل متقدمة بعد أن أُدخلت التكنولوجيا والآلات الحديثة إلى صناعة الراشي، ما أدى إلى انتشارها في عدة مناطق من محافظة نينوى وليس الموصل وحدها، مبينا أن بعشيقة تعد الأكثر شهرة في هذه الصناعة.
وعلى بعد نصف كيلومتر إلى الشمال من بلدة بعشيقة اختار خورشيد رشيد (40 عاما) موقعا لمصنعه الصغير المخصص لصناعة الراشي والذي لا تقل طاقته الإنتاجية عن باقي مصانع البلدة، بالقرب من سفح جبل بعشيقة الشهير.
وتحدث رشيد عن مراحل تصنيع الراشي قائلا “في المرحلة الأولى نقوم بتنقيع السمسم في أحواض ماء كبيرة ويترك قرابة خمس ساعات، وبعدها نقوم بتجفيفه بفرشه على الأرض ثم يدخل مرحلة وضعه بماكينة لتقشيره، وبعدها نقوم مرة أخرى بغسله بالماء والملح في الأحواض المائية لفصل الشوائب عنه”.
وأضاف، أن المرحلة الثالثة تشمل غسل السمسم مرة أخرى لإزالة الملوحة، وهذه تسمى عملية التحلية، بعد ذلك يتم تنشيفه من الماء ووضعه في أفران خاصة لتحميصه بدرجة حرارة خاصة، ثم يتم تحويله إلى مرحلة التصفية بمكائن غربلة كبيرة. بعدها يوضع في المعاصر لعصره ومن ثم تتم عملية التعبئة ووضعه في علب بلاستيكية لتوزيعه على الأسواق المحلية في عموم العراق”.
الراشي دخل في صناعة مواد غذائية مثل الحلويات والمعجنات والمقبلات لأنه يحتوي على سعرات حرارية عالية وخالية من الدهون
وكشف رشيد عن وجود صعوبات تواجه عمل مصانع إنتاج الراشي منها عدم وجود دعم من قبل الحكومة خاصة في مجال توفير الطاقة الكهربائية والمواد الأولية، وكذلك انتشار عدد من المعامل الصغيرة التي لا تخضع للرقابة الصحية والتي تسوق منتجاتها بأقل الأسعار.
بدوره قال نشوان جيجو أحد سكان بعشيقة “إن هذه الصناعة تصنف ضمن التراث والأعمال والصناعات الفلكلورية لهذه البلدة القديمة التي اشتهرت بعدة صناعات في مقدمتها صناعة الراشي، كونها مادة غنية بالسعرات الحرارية والتي يعتبرها السكان مادة غذائية دسمة يتناولونها في وجبات الفطور الصباحية”.
وأضاف “أن الراشي أصبح يستخدم في عدة صناعات محلية أخرى كصناعة الحلاويات وصناعة أطباق المقبلات التي تقدم كوجبات أساسية في أغلب المطاعم، كما تم إدخال هذه المادة في صناعة المعجنات والكعك”.
و قال الخبير الاقتصادي أحمد المعاضيدي “إن الصناعات المحلية العراقية لم تعد كما كانت عليه في السابق حيث أغلقت أغلب المصانع والمعامل بسبب قلة الدعم الحكومي ووجود بضائع مستوردة من خارج العراق”.
وأضاف “أما صناعة الراشي فربما تختلف عن باقي المصانع في العراق لاسيما في الموصل حيث تستهلك هذه الصناعات من مادة السمسم آلاف الأطنان، كما أن أغلب تلك المصانع يتم صنع مكائنها محليا وهذا ما يفسر عودتها إلى الإنتاج”.
وأكد أنه بعد تحرير المدينة من سيطرة التنظيم المتطرف أعيد فتح العشرات من مصانع الراشي في بعشيقة ومناطق أخرى في محافظة نينوى، وعادت لتطرح إنتاجها عبر الأسواق المحلية وفي كل محافظات العراق ما وفر العديد من فرص العمل، وهو ما سيساهم في تحسن الاقتصاد في المحافظة.

1