غزة (فلسطين) - على وقع هدير البحر وبين زوايا أزقة مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة تتجمع العائلات كل واحدة منها في جهة خاصة للبدء في إفراغ شباك صيدها.
وفي إحدى الزوايا ينهمك الحاج بشير محيسن من سكان المخيم لعدة ساعات يوميا في تحرير العشرات من الأسماك خاصة سلطعونات البحر من شباك صيده بعد أن تمكن من اصطيادها في ساعات الليل.
ويواظب محيسن (60 عاما) الذي اكتست التجاعيد أساريره على صيد الأسماك لاسيما سلطعون البحر أو ما هو متعارف عليه محليا باسم “الجلمبات” منذ نعومة أظافره في مهنة توارثها عن والده وأجداده.
ويقول محيسن لوكالة أنباء (شينخوا) بينما يوجه أحد أبنائه حول كيفية تحرير الأسماك من شبكة الصيد، إن الصيادين في الأعوام الماضية لم يلتفتوا إلى السلطعونات وكان تركيزهم على أنواع أخرى كثيرة وعديدة من الأسماك.
ويضيف بينما بدى صوته مرتجفا أن فرض إسرائيل حصارها على القطاع قبل 14 عاما جعل الصيادين ممنوعين من الإبحار لمسافة 20 ميلا بحريا ما جعلهم لا يستطيعون اصطياد ما يريدون من الأسماك وعدم جني أموال كافية لإعالة أسرهم.
ويتابع محيسن الذي يعيل عائلة مكونة من 12 فردا بينما لا يمتلك أي فرصة أخرى للعمل فيها خاصة أنه قضى جل حياته في الصيد، أن نزول البحر يمثل الحياة والمتنفس للآلاف من الصيادين الذين يعتاشون من وراء المهنة.
ورغم أن عائلته كانت تعاني من الفقر المدقع حاول محيسن إيجاد فرص عمل أخرى غير صيد الأسماك إلا أنه وجد ذلك مستحيلا كونه لا يعرف مهنة غيرها.
ولذلك لجأ محيسن كما هو حال الآلاف من الصيادين إلى صيد السلطعونات، وبيعها في الأسواق المحلية لجني المال لإعالة أسرهم حتى وإن كانت لفترة محدودة سنويا.
ويبدأ موسم صيد السلطعونات في موسم الخريف من كل عام، ويتمثل في 3 شهور سبتمبر حتى نهاية نوفمبر حيث تتواجد بكثرة قرب الشاطئ مما يمكن الصيادين من التقاطها بشباكهم.
وعادة ما يقوم الصيادون بإلقاء شباكهم في مياه البحر طوال الليل كي يتمكنوا من صيد أكبر عدد من سلطعون البحر الذي يعلق بها ولا يتمكن من الإفلات منها.
ويقول محيسن إنه يصطاد مع اثنين من أبنائه حوالي 60 كيلوغراما من السلطعونات يوميا، حيث يقومون بفرزها في صناديق بلاستيكية تتسع ما يقارب خمسة إلى ستة كيلو تمهيدا لبيعها في الأسواق المحلية.
ويبيع محيسن الصندوق الواحد بحوالي 8 دولارات أميركية، ليحصد ما يقارب 80 دولارا في نهاية اليوم ما يمثل بالنسبة إليه مصدر سعادة في ظل ندرة العمل.
ويقول “أقوم بدفع إيجار لأبنائي وبعض الشبان الذين يساعدونني بالصيد والبيع، فيما لا يتبقى معي سوى ما يقارب 30 دولارا بعد يوم طويل وشاق”.
وعلى مقربة منه يرى الصياد محمود القوقا من سكان المخيم أن موسم صيد سلطعون البحر يمنحه “فرصة ذهبية” لكسب المال من أجل إعالة أسرته المكونة من ستة أشخاص.
ويقول القوقا (40 عاما)، وهو أب لأربعة أطفال، إنه تخرج من الجامعة في العام 2006، لكنه لم يجد أي فرصة للانضمام إلى أي وظيفة سواء كانت في القطاع الحكومي أو الخاص.
ويضيف أن ندرة توفر فرص عمل في مجال دراسته دفعته إلى البحث عن وظيفة في مجالات أخرى مثل البناء والزراعة وقيادة السيارات، فيما يتوجه إلى صيد سلطعونات البحر في موسم الخريف.
ويوضح أن الواقع الصعب في غزة يجبر الناس على الانخراط في أعمال موسمية كي يتمكنوا من العيش فيه بالحد الأدنى بسبب الوضع الاقتصادي.
ويقول إنه يتقاسم هو وشقيقه الذي يعيل عائلة مكونة من ستة أفراد ما يقارب 50 دولارا يوميا، مشيرا إلى أن هذه القيمة من الأموال تكفيه لإعالة أسرته طوال أشهر الخريف قبل أن ينتقل إلى مجال عمل آخر في الفصول الأخرى.
وعادة ما يتم اصطياد السلطعونات على مدار العام من خلال شباك الجر، حيث يبلغ معدل إنتاجها 200 كيلوغرام في اليوم.
ويدفع فصل الخريف السلطعونات إلى الشواطئ بأعداد كبيرة، مما يجعلها في متناول الصيادين، حيث يصطادون ما يقارب 2000 كيلوغرام يوميا.
ويقول محمد الأقرع من سكان غزة “إن السلطعونات تعد ثمرة البحر وننتظر موسم الحصاد لشرائها من أجل الاستمتاع بمذاقها”.
واعتاد الأقرع (35 عاما) شراء سلطعون البحر مرة واحدة على الأقل في الأسبوع لعائلته، لافتا إلى أن الكربوهيدرات الموجودة فيه أصبحت جزءا من ثقافة الطعام لسكان غزة منذ أكثر من 15 عاما.
ويضيف أن الفلسطينيين كانوا في الماضي يشترون الأسماك، ولكن في ما بعد عندما أصبح معظمهم يعانون من الفقر، لجأوا لشراء سلطعون البحر لأن لديهما نفس الفوائد الغذائية.
ويعاني سكان قطاع غزة من ارتفاع معدلات البطالة منذ سنوات طويلة، حيث وصلت معدلاتها إلى 54 في المئة وفق آخر إحصائية صادرة عن الإحصاء المركزي الفلسطيني.
صيد السلطعون موسم رزق للفلسطينيين!!
11.10.2021