اختلطت الأصوات الصادحة بالشعارات مع قرع للطبول وطنطنة على الأواني، وكان الإيقاع واحدًا هو: المطالبة بإطلاق سراح معتقلي حراك الريف وتحقيق مطالب ساكنة الريف التي أطرت حراكهم، في مسيرة شعبية حاشدة بالعاصمة الرباط، أمس الأحد، تناغمت فيها أصوات محتجين من أطياف سياسية وحقوقية مختلفة، بحضور بارز لجماعة «العدل والإحسان» المعارضة ذات التوجه الإسلامي التي اصطفت قياداتها إلى جانب قيادات يسارية ومثقفين وفاعلين مدنيين ونقابيين وجمعويين جمعهم نداء من المعتقلين وعائلاتهم، للتنديد بالأحكام الصادرة في حق معتقلي الريف التي بلغ أقصاها عشرين سنة في حق ناصر الزفزافي قائد حراك الريف وثلاثة من رفاقه.وفي صباح مشمس أذاب الخلافات الإيديولوجية بين مكونات المسيرة، تماهى الشارع الرئيسي بمدينة الرباط مع الهوية الثقافية الريفية، ليس من خلال اللافتات والأعلام فحسب بل أيضًا الشعارات التي غلبت على المسيرة منذ بدايتها إلى نهايتها، وهي تهتف بحياة الريف وبرفع «الحصار عن الحسيمة»، وشعار «الموت ولا المذلة» الذي طبع حراك الريف، و»يا المخزن حذاري كلنا الزفزافي»، إلى جانب شعارت أخرى تطالب بـ»إسقاط الفساد والاستبداد» وإحقاق الحرية والعدالة الاجتماعية، وهي شعارات تبعث ذاكرة الربيع المغربي مع حركة عشرين فبراير.وغطت المسيرة، التي جمعت الآلاف، لافتات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وتندد بالأحكام «الجائرة» وتطالب بعدم «استعمال القضاء لتصفية الحسابات السياسية « وصور للمعتقلين وأعلام أمازيغية وأخرى تحمل صور الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي (رمز مقاومة الاستعمار ذي المكانة الكبيرة لدى ساكنة الريف خاصة)، وملصقات حملت أرقام عدد السنوات الموزعة على المعتقلين، فيما امتد شريط من قضبان خشبية وقف خلفها عشرات المحتجين في صف طويل يضعون أقنعة بصور معتقلي حراك جرادة والريف، أمام مؤسسة البرلمان في تجسيد رمزي لقضبان السجن التي يقبع خلفها المعتقلون، كما توزعت آلاف الرسائل الرمزية موجهة لمعتقلي حراك الريف مكتوبًا عليها «نحن الموقعين أسفله من أبناء وبنات الشعب المغربي، نوجه لكم رسالة تضامن مع قضيتكم العادلة..» وإن كان الخلاف قد وسم الأجواء عقب المسيرة الأولى بالدارالبيضاء الأسبوع الفارط، والتي غابت عنها جماعة «العدل والإحسان» وقيل إن السبب هو عدم رغبة فيدرالية اليسار في التنسيق مع الجماعة- فمسيرة الرباط لمت شمل المختلفين وأعادت خطاب الوحدة وتغليب الدفاع عن الحريات، وهو ما جاء على لسان محمد عبادي الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الذي قال إن الغياب في المسيرة السابقة يعود لعدم استعداد الجماعة وبأنهم سيخرجون إلى جانب جميع المضطهدين في البلاد في أي خطوة مستقبلية ضد الاستبداد. وقال فتح الله أرسلان، القيادي في الجماعة نفسهاعن المشاركة في المسيرة لـ»القدس العربي»: إن جماعة العدل والإحسان لبت كما لبت مختلف أطياف الشعب المغربي نداء المعتقلين و»خرجنا لكي نرفض الظلم ونقول (لا) لهذه الأحكام الجائرة و(لا) لهذه المقاربة الأمنية التي عوض معالجة المطالب بمنطق الانفتاح فهي تزيد الوضع تأزيمًا»، مضيفًا: «هذه رسالة نرفعها مرة أخرى لنقول كفى، فإن مقاربتكم التي نهجتموها كل هذه المدة أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، والآن أصبحت جل الشرائح الاجتماعية تعيش حالة من الاحتقان، احتقان على مستوى الحريات، واحتقان اجتماعي وسياسي» .وبالرغم من تصريحات بعض قادة الأحزاب، سواء في الحكومة أو المعارضة، المتضامنة مع مطالب حراك الريف والتي شجب بعض منها الأحكام ووصفها بالقاسية، فقد غابت وغابت رموزها بشكل تام لتبقى الخريطة الحزبية المشاركة في المسيرة تقتصر على أحزاب فيدرالية اليسار المعارضة من داخل البرلمان وحزب النهج الديمقراطي المعارض خارجه وجماعة العدل والإحسان غير المعترف بها رسميًا والامتدادات النقابية والجمعوية لهذه المكونات المشاركة في المسيرة، إضافة إلى مثقفين وفاعلين مدنيين.وقال عبد الله حمودي، المفكر والأستاذ الجامعي بجامعة برنستون الأمريكية، الذي شارك في المسيرة: «خرجت في هذه المسيرة المباركة التي تأتي بعد مسيرات سابقة، والمهم فيها هو توحيد الصف بين المغاربة والمغربيات بجميع تشكيلاتهم، سواء كانوا إسلاميين أو يساريين أو عربًا أو أمازيغ أو من مشارب أخرى، كلهم يجب أن يتحدوا في صف للدفاع عن حرياتهم لأن هناك هجمة جديدة من طرف أجهزة الدولة التي تجهز على الحريات الأساسية كحرية التظاهر وحرية التعبير والدفاع عن الحقوق المشروعة في الشغل والتعليم والصحة في الريف وفي جرادة وزاكورة غيرها من مناطق المغرب»، مضيفًا أن هناك «هجومًا جديدًا على هذه الحقوق، وعدنا لعهد بائد للمقاربة الأمنية المحضة، وهي مقاربة فاشلة ولن تمنع الناس من الخروج للمطالبة بحقوقهم الأساسية ولوضع حد للمحاكمات الظالمة لنشطاء الريف التي هي سريالية وسياسية، وأيضًا لمحاكمات الصحافيين كمحاكمة حميد المهداوي ومحاكمة توفيق بوعشرين التي تغيب فيها شروط المحاكمة العادلة «، مؤكدًا: «هذه مسيرة موحدة للصف الدفاعي عن حقوق المغاربة « .من جهته، قال المؤرخ والمحلل السياسي المعطي منجب لـ»القدس العربي»: «أنا هنا من أجل إطلاق سراح الحريات العمومية وإطلاق سراح كل معتقلي الرأي في المغرب، ومنهم بالطبع معتقلو الريف وجرادة، وإطلاق سراح كل الصحافيين المعتقلين ربيع الأبلق وحميد المهداوي وتوفيق بوعشرين وكل المثقفين والمعارضين المتابعين ظلمًا وعدوانًا « .نبرة وحدة الجميع واستبعاد الخلافات الإيديولوجية والسياسية طغت على لسان اليساريين كما الإسلاميين، حيث اعتبرت الحقوقية خديجة الرياضي في تصريح لـ»القدس العربي»: أن «المسيرة هي مسيرة جميع المكونات الحية للمغرب التي تناهض الاستبداد، وهي تخرج اليوم من أجل المعتقلين على خلفية حراك الريف»، مؤكدة أنه «في هذه المسيرة وكل القضايا التي تهم الحرية والقضاء على الفساد يجب أن يتضامن فيها ويجتمع فيها كل من يرفضون الظلم بعيدًا عن الخلافات الإيديويوجية التي يتستمر فيها الأخذ والرد، لكن لا يجب أن تعرقل أي عمل مشترك وعمل ميداني لمواجهة تغول الظلم». ثم قالت: «كل الغيورين على الحرية والديمقراطية يجب أن يتجاوزوا الخلافات الثانوية؛ لأن التقاء جميع هذه المكونات هو ما يجعل المخزن يتراجع»، منددة بالأحكام ضد معتقلي حراك الريف ومعتبرة أنه «تم توظيف القضاء ضدهم تمامًا كما كان يحدث في سنوات الرصاص « .وعرفت المسيرة حضور عائلات معتقلي حراك الريف والمتابعين على خلفيته وعلى خلفية الحركات الاجتماعية التي شهدها المغرب، ومنها جرادة أساسًا حيث حملوا لافتات تطالب بإطلاق سراح أبنائهم وإيقاف المتابعات وبقضاء مستقل. وكان حضور أحمد الزفزافي والد ناصر الزفزافي قائد حراك الريف إلى جانب والده ناصر أيامًا قبل المسيرة بالرباط، قد أثاراهتمام نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي حيث استقبلتهم قيادات في «العدل والإحسان» وعقدوا لقاءات مع فاعلين حقوقيين ومدنيين مختلفين. ورددت زعيمة الحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب، وسط عائلات المعتقلين، شعارات منددة بالأحكام ضد المعتقلين وقالت لـ»القدس العربي»: «نعتز بمسيرة 8 يوليو بالدارالبيضاء التي كانت ناجحة، وحضرنا للرباط لنشارك في هذه المسيرة التي نادى بها المعتقلون وأسرهم ولندعمها «، مؤكدة أن «البلاد تحتاج لانفراج سياسي، وبداية هذا الانفراج هو إطلاق سراح المعتقلين وفتح صفحة جديدة من التشارك الحقيقي من أجل البناء الديمقراطي» وأن «الذي سيحصن المغرب هو الديمقراطية ضد الأخطار المحدقة من كل جانب، قوة أي بلد هي بالديمقراطية وإحقاق الحقوق».المسيرة التي حضرها الآلاف لم يستطع آخرون القادمون من مدن مختلفة الوصول، وقال بلاغ للجنة الإشراف عن التنظيم إنها تلقت «من مصادر متعددة بمجموعة من مناطق المغرب تعرض المواطنين والمواطنات القادمين إلى الرباط قصد المشاركة في المسيرة الشعبية من أجل المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار عن الريف، لمضايقات وتحرشات قصد منعهم من عبور الطرق المؤدية إلى مدينة الرباط «، واعتبرت «هذه الممارسات منافية للحق في التنقل والتظاهر والتعبير».!!
المغرب : مظاهرة حاشدة في الرباط تضامنًا مع معتقلي حراك الريف!!
16.07.2018