ارتسمت في الأردن بعد الليلة الثامنة من الحراك الشعبي الصاخب «لوحة سياسية» جديدة لها دلالاتها العميقة.ولي العهد الشاب الأمير حسين بن عبد الله يزور مصابي الأمن بعد يومين من ظهوره وسط تظاهرات العاصمة الشبابية، بالتزامن مع قرارين سريعين يحولان الدكتور عمر الرزاز من رئيس وزراء مكلف إلى «رجل مرحلة».حصل ذلك وسط مشاعر زهو وفخر ذاتية وطنية لم تظهر من قبل، وبعد «دفن» كل تراث الحكومة السابقة بقيادة الدكتور هاني الملقي، ومعادلة محسوبة بدقة دفعت الجميع في المجتمع والأمن للشعور ببعض «الانتصار».دقائق فقط فصلت بين قرار للرزاز بـ«سحب قانون الضريبة الجديد» وتصريح رسمي للناطق باسم صندوق النقد الدولي جبري رايس، يطالب فيه المجتمع الدولي بتحمل العبء الأردني ويسمح بعبور نحو 70 مليون دولار عالقة بسرعة.رايس اعتبر دعوة العاهل الملك عبد الله الثاني لإقامة حوار وطني شامل خطوة في الاتجاه الصحيح لا بد من دعمها.وزير التربية والتعليم الهادئ الذي أصبح «نجما شعبيا» وبسرعة في الحالة الأردنية، وجه رسالة ثانية للجمهور عندما قرر صرف الرواتب قبل عطلة العيد، لينفي ما سبق أن أعلن عن أزمة قد تطال الرواتب.لم يقف الرزاز وخلال ساعات فقط عند «الاتفاق» الذي حصل عليه عبر صندوق النقد الدولي، وقفز به كرجل لقيادة مرحلة، بل سارع وأوحى للرأي العام بأنه معني أيضا بمراجعة كل ملف التصعيد الضريبي، بما في ذلك «ضريبة المبيعات» هو أحد أسعد الأنباء بالنسبة للشارع الأردني.الأهم أن الرزاز ألقى بـ«حجر كبير» أيضا في مياه الإحباط عندما تعهد علنا بأن «تتخذ بعد الآن جميع السياسات العامة بموجب حوار»، مطالبا الشباب المعترضين في الشارع بدخول مقر رئاسة الوزراء المحاصر منذ أسبوع كمحاورين وكأصحاب منزل لأنه سيتبع سياسة الباب المفتوح.فوق كل ذلك بدأ رزاز بملامح مختلفة وغير معهودة حيث «لا أسرار»، فقد قرر التحاور مع مجلس النقباء أمام الكاميرات وعلى الهواء المباشر للحراكيين، والأهم حشر في حديثه مسألة «العودة لمضمون الأوراق النقاشية لجلالة الملك»، وهي أوراق لم يشر لها إطلاقا أي رئيس حكومة سابق، قبل أن يكرر ردا على منتقدين سريعين، بأن مهمته التي كلف بها تتعلق بـ«عقد اجتماعي جديد»، وهي عبارة تفوض حكومة الرزاز أيضا بـ«تعديلات دستورية».تلك عبارات لا تصدر إلا عن «رؤية مختلفة» لواقع وطني في ظل «غطاء دولي وإقليمي».وإلى أن يبدأ الرزاز بـ«تكييش» المشهد بكل تفصيلاته تمكن من نزع فتيل أزمة الشارع الملتهب الذي منحته قرارات الرزاز الأولى شعورا بـ«الإنتصار المدني»، ولأول مرة فيما بدا أن الجميع يشيد بالأداء الأمني الذي سيطر على إيقاع حراكات هادرة لثمانية أيام، وببرودة أعصاب وبالحد الأدنى من الحوادث.البرلماني حابس الفايز شتم الحراكيين، معتبرا المعتصمين في العاصمة «أرباب سوابق» ولا بد من اعتقالهم. بعد ذلك صدرت عن عضو مجلس النواب المخضرم خليل عطية رسالة تطالب بأن تخرس الأصوات المعنية بشعارات بائسة، لأن عمان مدينة التنوع الحضاري نهضت بمسؤولياتها، واصفا حراك العمّانيين بأنه وطني ومقدس.بالخلاصة ثمة إشارات إلى زوال الاحتقان في الشارع الأردني وتقديم مؤسسات القرار لتنازل كبير بعد ضغط منظم ومدني أدهش الجميع، وعبث بمعادلات الواقع في وضع يؤرخ لحالة جديدة لا يمكن تجاهلها، لأن الناطقين باسم الحراكات «قايضوا» فورا الرزاز وشكروه، وأعلنوا أنهم بانتظار «تنفيذ القرارات».!!
عمان..الاردن:الأردن في «حلّة» جديدة: الرزاز تحوّل لـ«رجل مرحلة»… الأزمة في طريقها للانفراج !!
08.06.2018