رصد المعهد الملكي للشؤون الدولية في بريطانيا «تشاتام هاوس»، مسارين لتهريب المهاجرين غير الشرعيين في شمال وجنوب ليبيا، مقدراً أرباح هذه التجارة بما يقارب من مليار دولار. وقال المعهد البريطاني إن أرباح تهريب البشر بلغت 978 مليون دولار في العام 2016، مشيراً إلى أنه من الأنشطة غير الشرعية الأكثر ربحاً في ليبيا.وفي تقرير تحت عنوان «اقتصاد الحرب في ليبيا: النهب والاستغلال وضعف الدولة» قدّر «تشاتام هاوس» نسبة أرباح الهجرة غير الشرعية بـ3.4% من إجمالي الناتج المحلي لليبيا الذي قُدر بـ29 مليار دولار في العام 2015، منوهاً إلى أن حصة شبكات التهريب في المنطقة الجنوبية تبلغ 726.3 مليون دولار، في حين تبلغ أرباح عبور البحر المتوسط بـ251.4 مليون دولار. وارتفعت أعداد المهاجرين إلى 163 ألفاً في 2016 مقابل 15 ألف مهاجر في 2012، حسب إحصائيات «تشاتام هاوس» الذي لم يوضح قاعدة البيانات التي استند إليها. ونبّه التقرير إلى أن تهريب البشر من المكونات الحيوية لـ (اقتصاد الحرب) في ليبيا، أو ما أطلق عليه المبعوث الأممي د. غسان سلامة اسم «الاقتصاد الأسود» .واتهم المعهد الملكي للشؤون الدولية نظام القذافي بالسماح بتهريب البشر عبر البحر المتوسط لكن في نطاق محدود، متحدثا عن هدفين هما تحفيز المجموعات الصغيرة للاستمرار في ولائها للنظام، وممارسة نوع من النفوذ السياسي أمام القوى الأوروبية. لكنه أشار إلى انهيار الضوابط كافة التي وضعها القذافي بعد 2011، إذ سجلت ليبيا زيادة ملحوظة في أعداد المهاجرين وزيادة في أنشطة تهريب البشر منذ 2013.وقال إن العلاقة بين شبكات التهريب والمجموعات المسلحة تختلف بشكل واضح استناداً إلى الموقع أو المنطقة. ففي الجنوب، يفضل المهربون الروابط المحلية، سواء إثنية أو قبلية أو عائلية، وذلك لضمان القدرة على التحرك بحرية في مناطق صديقة. وفور الوصول إلى مناطق أخرى غير صديقة يجري نقل المهاجرين إلى مهربين آخرين لديهم أيضاً الروابط الكافية للتحرك بحرية إلى المحطة التالية. وأضاف أن هذا هو النهج الذي تتبعه مجموعات من التبو والطوارق تنظم عمليات التهريب في الجنوب، وتعد منطقة سبها نقطة الانتقال المشتركة بين المهربين، أي بين من يديرون تدفق المهاجرين عبر الحدود، ومن يتولى الرحلة حتى شواطئ ليبيا.أما في شأن مسار التهريب في شمال البلاد، وخصوصا في المدن الساحلية، أوضح «تشاتام هاوس» أن المجموعات المسلحة تتورط بشكل مباشر في عمليات التهريب، مشيراً إلى صعوبة التهريب من دون دفع رسوم إلى المجموعات المسلحة، إذ تسيطر الأخيرة على نقاط الانطلاق قرب الساحل ونقاط انطلاق القوارب.وتطرق التقرير إلى سيطرة المجموعات المسلحة على مراكز احتجاز المهاجرين الرسمية وغير الرسمية، مشيراً إلى أنه يتيح فرصة سانحة لابتزاز المهاجرين للحصول على الأموال، ولا يملك جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية السلطة الكافية على تلك المجموعات.أما مدينة الزاوية، فقال التقرير إنها إحدى نقاط الانطلاق الرئيسة، وتمثل نموذجاً لعمل اقتصاد الحرب، موضحاً أن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في المدينة واقع تحت سيطرة إحدى الكتائب.وتحدث التقرير عن مجموعة من شباب صغار تستخدم دراجات مائية لسرقة المهاجرين على متن قوارب الهجرة، موضحا أنهم يوقفون القوارب في البحر ويسرقون متعلقات المهاجرين ويجبرونهم على العودة إلى سواحل مصراتة، حيث يجري احتجازهم ويُجبرون على دفع رسوم جديدة للانطلاق مجدداً صوب أوروبا.واستند واضعو التقرير إلى تحليلات دولية تشير إلى أن التركيز الدولي على تقليل تدفقات المهاجرين من ليبيا خلق في الواقع سوقاً جديدة لأنشطة مكافحة الهجرة، وبالتالي أعاد سلوكيات الاقتصاد الريعي لكن بما يلبي التفضيلات الأوروبية.وعبَّر عن تخوفه من ارتفاع أعداد المهاجرين الساعين للوصول إلى أوروبا مجدداً، حال عدم التوصل إلى ترتيبات دائمة بين المجموعات المسلحة والأطراف المحلية والدولية، لكنه عاد وحذر الحكومة من حل المشاكل عن طريق دفع الأموال، أو إدماج المجموعات الخارجة عن القانون في الدولة، فيما يشبه سياسة «العصا والجزرة» والذي قال إنه يشمل كثيراً من الحوافز من دون عصا.وعدّد التقرير البريطاني صعوبات رئيسية أمام إدماج المجموعات المسلحة في هيكل الدولة، من بينها أن تلك المجموعات حافظت على تسلسل قيادي تعمل بموجبه، وتعمل باستقلال، وتتقاضى رواتبها مرتين، محذراً من أن هذا يضع الدولة موضع الفريسة الجاهزة للاستغلال بدلاً عن السلطة الواجب احترامه!!
المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية يرصد خريطة تهريب البشر: مساران لنقل المهاجرين.. وأرباح طائلة!!
17.04.2018