خلق تبادل نادر جرى أمس بين مقاتلين وعائلة سنية وآخرين شيعة في سوريا واقعا يمهد لمرحلة جديدة يغلب التطهير العرقي والطائفي عليها في سوريا والعراق، بعدما كان المسيحيون في السابق هم أول من عانى من تصاعد وتيرة الانقسامات الطائفية في البلدين.وبدأ بالأمس إجلاء أكثر من 450 مسلحا ومدنيا ويفترض أن ينتقل الأشخاص الذين سيتم إجلاؤهم من الفوعة وكفريا المؤيدتين الشيعيتين للنظام والمحاصرتين من مقاتلي المعارضة في محافظة إدلب، عبر تركيا إلى مطار بيروت على أن يعودوا إلى دمشق في وقت لاحق. فيما يمر مقاتلو المعارضة الخارجون من الزبداني السنيّة المحاصرة من قوات النظام في ريف دمشق، إلى بيروت أيضا تمهيدا للانتقال إلى تركيا ومنها إلى سوريا .ويهرول المسيحيون والإيزيديون والتركمان وبعض الأكراد في طرقات بلدات سورية وعراقية حاملين معهم بعض الحاجيات الضّرورية وحقائب مهترئة وهم يفرّون من تطهير عرقي وطائفي اجتاح مناطق واسعة من البلدين اللذين لن يعود الناس المنتمون إلى طوائف مختلفة فيهما إلى العيش معا في سلام.وكان المسيحيون أول هذه الطوائف التي وقعت ضحية لممارسات تنظيم داعش الوحشية، وتمثّلت في مذابح وتهجير قسري بعدما تمكّن صيف العام الماضي من السيطرة على مناطق شاسعة شمالي العراق.وعلى وقع قصف متواصل ومعارك دامية لا تتوقف، أصبحت الطوائف والأعراق المختلفة تخشى بعضها بعضا حيث بات من الطبيعي اليوم رؤية طائفة أو عرق أقوى يحاول طرد طائفة أو عرق آخر أضعف من مناطق نفوذه.وتكرر هذا المشهد كثيرا في العراق وسوريا، بدءا بالمدن السنيّة التي تمكنت ميليشيات شيعية متشددة من السيطرة عليها خارج العاصمة العراقية بغداد، والقرى المسيحية التي سقطت تحت هيمنة تنظيم داعش في وسط سوريا، ووصولا إلى قرى تركمانية تعاني كل يوم قصفا عنيفا من قبل طائرات روسية تساند نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.ويعني عدم قدرة العراقيين والسوريين على العودة مرة أخرى إلى مدنهم وقراهم الأصلية، أن على الغرب أن يتعامل لعقود قادمة مع أزمة لاجئين لن تتوقف.ويعود ذلك إلى وتيرة القتال المتسارعة وأعداد الضحايا المتزايدة التي وصلت إلى مستوى مماثل لمعارك انفصال باكستان عن الهند عام 1947، أو تقسيم ألمانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حسب وصف الكاتب البريطاني المتخصص بشؤون الشرق الأوسط باتريك كوكبرن.ويقول فابريك بالانش، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن “حجم التطهير العرقي الذي يحدث على مستوى محليّ كل يوم جعل من تقسيم سوريا بحكم الأمر الواقع كل يوم حقيقة”. وأضاف “التنوع الطائفي أيضا اختفى بالفعل في مناطق عديدة في البلد” الذي يشهد حربا أهلية طاحنة منذ ما يقرب من خمسة أعوام.واضطر عدد كبير من سكان مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار العراقية التي تسكنها أغلبية سنيّة إلى الفرار بعدما تمكن داعش في مايو الماضي من بسط سيطرته عليها.وفرّ أكثر من مليون و400 ألف من الأنبار وهم يشكلون 43 بالمئة من سكانها، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.وبالأمس فقط أعلنت قوات الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد عن رفع العلم العراقي على مبنى المجمع الحكومي في الرمادي، معلنة بذلك انتهاء أشهر من سيطرة التنظيم على المدينة.ولا يتوقف الصراع عند قوى محلية تحاول الوصول إلى مكاسب عاجلة، لكنه يمتد إلى قوى إقليمية ودولية تحرك فصائل تابعة لها بالوكالة لتحقيق أهداف طائفية أو عرقية على أجندتها في البلدين.ويقول المصور السنّي الشاب محمود عمر، الذي كان يعيش في الأنبار قبل أن يجبر على مغادرتها “ستنتهي بنا الحرب إلى مصير المسيحيين، الذين أجبروا على مغادرة البلاد”.وقال جستن ويلبي بطريرك الكنيسة الإنكليزية إن “نهاية العالم” التي يعكف تنظيم داعش على التحضير لها الآن وضعت المسيحيين أمام مصير الاختفاء نهائيا من المنطقة التي ولد فيها الدين المسيحي قبل ألفي عام.وخلال عظته بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة في كاتدرائية كانتربري في لندن، قال ويلبي “هذا التنظيم يكره الاختلاف، سواء كان هؤلاء المختلفون مسلمين أو إيزيديين أو مسيحيين. وبسببه يواجه المسيحيون خطر الاختفاء من المنطقة التي ظهرت فيها عقيدتهم لأول مرة”.وليس من السهل على المهجّرين أو النازحين العودة مرة أخرى إلى بلداتهم الأصلية إذ تتحول بيوتهم عادة إلى أطلال.وأكثر من تعرضوا إلى هذه الصدمة هم السوريون السنّة الذين لعبوا دورا هاما في الاحتجاجات ضد الرئيس بشار الأسد منذ عام 2011، بينما تناصر أغلب الطوائف الأخرى نظامه.ويقول مراقبون إن الإرهاب والإرهاب المضاد الذي تشهده سوريا والعراق كشف عن الطريقة العدائية التي تنظر بها الطوائف والأعراق إلى بعضها بعضا في هذين البلدين، بشكل يستحيل أن يمهّد إلى عودتهم للعيش معا مرة أخرى.!!
دمشق..سوريا : المسيحيون يغادرون أرض المسيح: الشيعة والسنة يتنازعون على ما تبقى.. والنازحون لا يعودون إلى بيوتهم بعد تحولها إلى أطلال!!
29.12.2015