كتب عبد الله البشير..تواجه النازحات في مخيمات شمال غربي سورية تحديات صعبة تتعلّق بالعيش داخل الخيم، خصوصاً خلال فصل الشتاء، باعتبار أن عائلات كثيرة تعجز عن استبدال الخيم بأخرى جديدة قد توفر شيئاً من الحماية في مواجهة الظروف الجوية الصعبة التي تشهدها المنطقة مع انخفاض درجات الحرارة وهبوب عواصف شديدة.وتضطر نازحات كثيرات إلى ترقيع الخيام بما يتوفر لديهن من معدات، ومن بينها شوادر بلاستيك وقطع قماش من بطانيات قديمة وخيطان من القطن أو النايلون، ويُجبرن على التعامل مع ظروف صعبة أخرى، من بينها غرق أرضيات الخيام بسبب المطر، وتبلل الفرش والأغطية التي يُعتبر تجفيفها مهمة صعبة أخرى أيضاً خاصة في حال استمر هطول المطر.تعاني روعة الرحال، النازحة التي تقيم في مخيمات مشهد روحين، تكرارَ الشتاء القاسي كل عام الذي يُغرق خيمتها بمياه الأمطار الغزيرة وسط تدهور الظروف المعيشية وضعف قدرتها على تثبيت الخيمة أو ترميمها. وتقول لـ"العربي الجديد": "كلّ مرة تهطل فيها الأمطار نعيش الكابوس نفسه، فهي لا تتوقف لأيام أحياناً فنعجز عن التصرف بالكامل. كل شيء في الخيمة يتبلل إذا لم نكن يقظين، ونلجأ إلى خطة وضع أحجار أو طوب تحت الفرش لرفعها عن الأرض كي نمنع تبللها".تضيف: "تتحوّل الخيمة إلى بركة من طين، ولا نعرف حينها أين نذهب بالأولاد، علماً أننا نحاول دائماً وضع غطاء على الخيمة، لكن هذا الأمر لا ينفع في غالب الأحيان، إذ تتسرب المياه إلى الخيمة غالباً. هذا العام أحضرنا غطاء بلاستيك نرجو أن يفي بالغرض فالخوف أن يتمزق بسرعة مع هبوب أي عاصفة. ونحن نشعر دائماً بعجز مع تكرر الأمر، ولا ندرك ذلك إلا خلال حدوث عاصفة مطرية أو فيضان يُغرق الخيمة".
كثير من الخيام صغيرة وتفتقر إلى العوازل لتخفيف البرد القارس
وتقول أمينة المحمد أم يوسف (32 عاماً) التي تقيم في مخيم الوادي قرب مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، لـ"العربي الجديد": "الحياة صعبة في الخيمة التي تحتاج إلى ترقيع دائم لأنها أصبحت قديمة للغاية. وهي صغيرة وتفتقر إلى أي عازل لتخفيف البرد القارس، علماً أنني زرت صديقات لي في خيام تتضمن عازلاً حرارياً. أيضاً عندما تشتد الرياح نخاف أن تسقط الخيمة فوق رؤوسنا، كما أننا نملك بطانيات قليلة لا تكفي لمواجهة البرد". تضيف: "سئمت الحياة الصعبة داخل الخيمة، وقد حصل كثير من الناس على سكن، لكن لا أحد يكترث لنا". ويفرض الواقع في مخيمات شمال غربي سورية العديد من التحديات على النازحين خلال فصل الشتاء، من بينها احتمال غرق الخيام أو اقتلاعها بفعل الريح العاتية، أيضاً صعوبة وصول فرق الدفاع المدني إلى كثير من المخيمات بسبب الطرق الوعرة، خاصة في حال إجلاء سكان بعض المخيمات جراء الفيضانات. وما يزيد سوء أوضاع النازحين داخل المخيمات شحّ المساعدات الإنسانية، وغياب جهود المنظمات في توفير بدائل للخيام المهترئة التي تلفت بفعل العوامل الطبيعية.ومن بين النازحات اللواتي يعشن الأزمة داخل الخيم الممزقة، خديجة الحرير، وهي أرملة تعيل أربعة أولاد وتقيم في مخيم الرحمة قرب مدينة سرمدا. وهي تختصر أحلامها بالحصول على خيمة جديدة، وتقول لـ"العربي الجديد": "كنت أريد الذهاب إلى السوق لشراء عازل بلاستيك من أجل وضعه فوق الخيمة المهترئة، وتخيلت أن أنام ليالي الشتاء مع أبنائي من دون أن يتسرب الماء من سقف الخيمة، وكان ذلك مجرد حلم لأنّ سعر العازل مرتفع جداً، ولست قادرة على تأمينه".تتابع: "كان أملي الآخر أن يساعدني أحد في تأمين هذا العازل قبل حلول الشتاء وبدء هطل المطر، لكنني لم أحصل سوى على وعود. وقد تخليت حتى عن حلم الحصول على بيت من طوب أنتقل إلى العيش فيه مع أبنائي إلى حلم الحصول على خيمة جيدة لا تتسرب منها مياه المطر خلال فصل الشتاء، خيمة قوية تقاوم المطر".تضيف: "نحن على أبواب مأساة متجددة. الخيام لا تقاوم البرد أو المطر، وأطفالنا يواجهون أمراض الشتاء من التهابات الجهاز التنفسي والربو بسبب البرد القارس الذي تشهده أماكن المخيمات المنسية. وضعت كما حال الكثير من النساء حجارة على جوانب الخيمة وخطت التمزقات فيها ورقعت ما يمكن ترقيعه. لا أعلم من أي زاوية في الخيمة يتسرب المطر، وهذا ما ستكشفه العواصف والأمطار الغزيرة في الأيام المقبلة".بدورها، تقول الخمسينية أسماء العميري التي تقيم في مخيم بريف حلب الشمالي، لـ"العربي الجديد": "أحاط زوجي الخيمة من الداخل بالطوب بهدف منع تسرّب مياه المطر منها، لكن المياه ارتفعت العام الماضي وأغرقت الخيمة فحفرنا في محيطها هذا العام ورفعنا ساتراً من التراب لذا نرجو ألّا تغرق. وفي الداخل العازل عبارة عن بعض البطانيات وأقمشة النايلون التي خطتها لتخفيف البرد وإبقاء الجو مقبولاً مع إشعال المدفأة. ليس لدينا مكان آخر ولا خيار لنا سوى الصبر على واقعنا بعد سنوات من نزوحنا من ريف حلب الشرقي".وأظهرت دراسة أجراها جهاز الدفاع المدني السوري، وشملت 929 مخيماً في مناطق إدلب وحلب التي تخضع لسيطرة المعارضة السورية، أن نحو 68% من المخيمات تعرضت لفيضان، وأنّ 61% من المخيمات عانت تمزق خيام بسبب الرياح القوية، كما عانت 50% من المخيمات نقصاً في وسائل التدفئة وصعوبة في إيصال المساعدات الإنسانية بسبب الطرقات غير الصالحة.
المصدر : العربي الجديد
دمشق..سوريا : حياة الترقيع :مأساة شتاء جديد لنازحات سورية... لا خيام دافئة!!
27.11.2024