أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
غزة..فلسطين :مأساة نازحي غزة تتضاعف مع استمرار توغل الاحتلال.. خيام التبرعات نفدت.. والمواطنون يتكبّدون أموالاً كبيرة لإقامتها!!
05.01.2024

بات أمر إقامة النازحين الجدد من سكان قطاع غزة، بسبب الحرب البرية وعمليات التدمير الواسعة التي ينفّذها جيش الاحتلال وتطال يومياً عشرات المنازل، صعباً جداً في ظلّ التكدّس الكبير في مراكز الإيواء، وفي ظل انعدام الخيام وسوء جودتها، والتي يقيمونها في الساحات العامة والأراضي الفارغة، وهو ما زاد من مأساة هذه الأسر، وجعلها تواجه مصيراً صعباً للغاية.ولا تزال عمليات التهجير القسري، التي تنفذها قوات الاحتلال ضد سكان العديد من مناطق قطاع غزة، قائمة وتتوسع يومياً، حيث تطلب من حين لآخر من سكان مناطق عدة في غزة والشمال، الانتقال من مكان لمكان، وقد دفع ذلك الكثير منهم للإقامة في الجامعات الواقعة غرب مدينة غزة، بعد أن جعلوها مراكز للإيواء، فيما لا يزال مواطنون ينزحون يومياً من مناطق قريبة من العمليات البرية التي تنفّذها قوات الاحتلال في مدينة خان يونس جنوب القطاع، والتي طلبت، خلال اليومين الماضيين، من سكان مناطق جديدة النزوح، تمهيداً لدخولها البري، ومن مناطق أخرى وسط القطاع، وتحديداً من مخيمي البريج والنصيرات، التي تنفذ فيهما عمليات عسكرية برية.ويلاحظ ذلك من الشاحنات والعربات التي تجرها الحيوانات، التي تقلّ اليسير من أمتعة هذه الأسر، وهي متجهة من أماكن الخطر والتوغل البري إلى أماكن أخرى بعيدة نسبياً عن تلك المناطق، رغم أنها لا تكون آمنة من الاستهدافات الإسرائيلية، والتي طالت النازحين مرات كثيرة إما في مراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة، أو في مناطق الساحات العامة التي حددتها لهم جنوب قطاع غزة، فأوقعت بينهم عشرات الشهداء والمصابين.وسبق أن أعلنت وكالة “الأونروا” أنه لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة، وقال توماس وايت، مدير عمليات “الأونروا” في قطاع غزة، إن إصدار السلطات الإسرائيلية المزيد من أوامر الإخلاء للسكان في المنطقة الوسطى من غزة للانتقال إلى دير البلح لتوسيع العملية العسكرية المستمرة أثّر على أكثر من 150 ألف شخص، لافتاً إلى أن المنطقة بالأصل مكتظة بالنازحين، بما في ذلك ملاجئ “الأونروا”.ويقول إبراهيم عوض، أحد أفراد أسرة اضطرت للنزوح مؤخراً، إن عملية النزوح الجديدة، سواء التي تستقل فيها أسرة أو أكثر من الأقارب والجيران، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن والشباب، شاحنة بجوار أمتعتهم القليلة، وهي تتجه صوب مناطق نزوح جديدة، لا تعرف عنها هذه الأسر شيئاً، بعد ترك منازلها المسقوفة بالخرسانة، والتي تقيها برد ومطر الشتاء، والمرحلة الثانية التي تقيم فيها في مراكز إيواء مزدحمة، أو في ساحات تفتقر لجميع الخدمات الأساسية، تفطر القلب.ويشير في حديثه لـ “القدس العربي” إلى انه وأسرته ومن معهم من الجيران الذين خرجوا إلى مدينة دير البلح وسط القطاع، وهي منطقة طلب منهم الجيش الإسرائيلي التوجه إليها بعد تحديد العديد من مناطق العمليات العسكرية وسط القطاع، يعانون من أوضاع معيشية صعبة للغاية.هذا الرجل يقيم كغيره من الأسر في ساحة عامة، أقام فيها النازحون خياماً بلاستيكية، ويشير إلى أن أمر توفير الخيمة ليس بالسهل، ويضيف: “إنشاء خيمة بسيطة ببعض الأعمدة الخشبية وقطع من البلاستيك، تكلف أكثر من 2000 شيكل” (الدولار الأمريكي يساوي 3.75 شيكلاً).ويوضح هذا الرجل أن أسرته وأسراً من جيرانه حاولوا، بسبب عدم توفر أموال كثيرة لإقامة الخيام، النزوح إلى مراكز الإيواء، غير أنهم لم يجدوا فيها مكاناً للإقامة، بسبب الازدحام الكبير، ووصول نازحين جدد إليها، إضافة للعدد السابق الذي كان بالأصل يفوق قدرتها الاستيعابية.ويقول إنهم اضطروا، بسبب التكلفة العالية للخيام، وندرتها أيضاً، إلى دفع النساء للمبيت في خيمة واحدة، والرجال في خيمة، رغم ضيق المكان، مشيراً إلى أن غالبية النازحين لم يستطيعوا أن يوفروا خيمة لكل أسرة.وأكدت تمارا الرفاعي، المتحدثة باسم “الأونروا”، أن النزوح مستمر مع القصف الذي يجبر الناس على الاتجاه جنوباً، لافتةً إلى أن مدينة رفح مهيأة لربع مليون شخص تقريباً، وقالت: “الآن البنى التحتية تستوعب أكثر من 1.25 مليون شخص ما يمثل عبئاً عليها”.وهناك نحو 1.9 مليون فلسطيني من قطاع غزة نزحوا من منازلهم في مدينة غزة والشمال، ومن مناطق كثيرة في مدينة خان يونس، وعدة مناطق وسط قطاع غزة، علاوة عن سكان المناطق الشرقية الحدودية، ولجأوا للإقامة في مراكز إيواء، أقيمت في المدارس والجامعات والعديد من المؤسسات، وفي ساحات عامة وفي الشوارع وفي باحات المستشفيات، هرباً من الحرب البرية، وهؤلاء تركوا منازلهم بناء على أوامر عسكرية لجيش الاحتلال.وتقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” إن مراكزها المخصصة للإيواء، يتواجد فيها 1.4 مليون نازح، من العدد الإجمالي، يقيمون في 155 مركز إيواء، مع وجود أكثر من 400 ألف آخرين مسجلين كنازحين، ويحصلون على الخدمات التي تقدمها.وتشير إلى أن متوسط عدد النازحين المتواجدين في مراكز إيوائها يبلغ أكثر من 12 ألف نازح في المركز الواحد، أي أنه يمثل أكثر من أربعة أضعاف طاقتها الاستيعابية.وأبلغ ناهض أبو أحمد، الذي نزح مضطراً إلى مدينة رفح، “القدس العربي”، أنه اضطر لإقامة خيمتين فقط لأسرته، التي تضم ثلاثة أبناء متزوجين وزوجاتهم وأحفاده، وسبعة من أبنائه الصغار.وقال، في اتصال هاتفي، إن الخيمتين اللتين أقامهما بتكلفة مرتفعة جداً، لا تتسعان لكل أفراد الأسرة، ويضيف: “يسكن الرجال في خيمة، والنساء والأطفال في خيمة”، ويشير إلى أنه بحث عن مؤسسات أو جمعيات إنسانية لاستلام خيام مجانية لإقامة أسرته فلم يجد، وأن أحد المسؤولين أبلغه مع بداية وصوله لذلك المكان الموجود غرب مدينة رفح، وتحديداً أن الخيام التي وصلت إليهم نفدت جميعاً.وقد استطرد في حديثه بالعودة إلى ما قبل أكثر من 75 عاماً للوراء، حين أجبر الفلسطينيون على النزوح القسري الأول من مدنهم وقراهم، عام 1948، على أيدي العصابات الصهيونية، إلى العديد من مناطق النزوح في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، ويقول إن جدّه كان يحدّثهم أن اللاجئين، في ذلك الوقت، حصلوا على خيام مجانية من الفرق الإغاثية والدول التي وصلوا إليها، فيما يضطر النازح حالياً لشراء ثمن إقامته الجديد، في الوقت الذي يعاني فيه سكان غزة من قلة الأموال ومن ارتفاع كبير في الأسعار.ويوضح أن تكلفة إقامة الخيمة في هذا الوقت تزيد بأكثر من أربعة أو خمسة أضعاف عن ثمن تكلفتها في الوقت العادي، منتقداً من وَصَفَهم بـ “تجار الحرب” الذين رفعوا كل الأسعار بلا رحمة، بما فيها المواد التموينية، التي يواجه كغيره صعوبة كبيرة في توفيرها، بسبب ندرتها وارتفاع ثمنها لعدة أضعاف.وتساءل أيضاً هذا الرجل إن كانت تلك الخيام التي وصلت كتبرعات نفدت فجأة، لعدم ملائمتها للعدد الكبير من النازحين، أم أن سوء إدارة توزيعها هو السبب.وأثرت مشكلة ارتفاع الأسعار على قدرة أرباب الأسر في توفير الطعام، وفي ظل عدم قيام منظمات الإغاثة الدولية، بتوزيع الطعام يومياً على النازحين وغير القادرين على شرائه، ما زاد من أعداد المواطنين الذين يواجهون الجوع.وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذّرت من أن سكان قطاع غزة يواجهون خطر الجوع الحاد في جميع مناطقه التي دمّرها العدوان، فيما قالت وكالة “الأونروا” إن غزة تعاني من جوع كارثي، حيث هناك 40٪ من السكان معرضون لخطر المجاعة.وبسبب الضغط الكبير على مراكز الإيواء، واستمرار عمليات النزوح القسري، ينشر، وبشكل يومي، النازحون الجدد أو أقارب لهم أو ناشطون في مجال الخدمة الاجتماعية، مناشدات على مواقع التواصل الاجتماعي، يطلبون فيها ممن يستطيع سبيلاً أن يقدم خياماً لأسر نازحة جديدة، من ضمنها نساء وأطفال ورجال وسيدات طاعنون في السن، بعد أن تقطعت بهم السبل، وأجبروا على النزوح القسري من منازلهم.وبالغالب، وتحديداً في هذه الأوقات، لا يجد هؤلاء صدى لمناشداتهم، في ظل الأعداد الجديدة التي اضطرت للنزوح، وعدم توفر الخيام بالكم المطلوب لهم.وفي أوقات سابقة من الحرب، أوصلت العديد من القوافل الإغاثية خياماً جاهزة للتركيب، وضعت في ساحات عامة في المشافي، وفي غرب مدينة خان يونس، وفي عدة ساحات عامة في مدينة رفح جنوب القطاع، لإقامة النازحين.غير أن العدد الذي وصل إلى القطاع من الدول الداعمة التي قدمت المساعدات الإنسانية، لم تكف أعداد النازحين التي تزداد يومياً، فيما يشتكي من يقيمون بها، وبتلك التي تصنع محلياً بتكلفة مرتفعة من سوء جودتها، كونها لا تقيهم لا برد ولا مطر الشتاء.ويؤكد المشرفون على تلك المخيمات المخصصة للإيواء أن توافد النازحين اليومي إلى منطقة المواصي، غرب خان يونس، وعلى مدينة رفح، يزيد عمّا وصل من خيام مخصصة لهم، بأكثر من عشرين ضعفاً.لكن الكثير من النازحين أكدوا أنهم عندما وصلوا إلى مناطق الخيام، المقامة على شكل معسكرات محددة المساحة، أبلغوا أن هذه الخيام جرى توزيعها بناء على تسجيل سابق للمستفيدين من النازحين، وقال أحدهم: “لا أحد يعرف كيف تتم عملية التسجيل، ولا الأماكن المخصصة لها”.وأشار، وهو رجل في العقد الخامس، وفضّل عدم ذكر اسمه، خشية أن لا يستفيد مستقبلاً من المساعدات، إلى أن التسجيل بحد ذاته حتى لو عرف عنواناً لهذه الجهات هو خطأ كبير، وأضاف: “هذا يعني أن النازح سيضطر للمكوث لعدة أيام بلا مأوى حتى يصل إليه الدور”، وأكد أن الأصح هو أن تكون مناطق الإيواء جاهزة لمن يصل مضطراً إلى هذه الأماكن، حيث أشار إلى وجود سوء إدارة في هذا الملف.إلى ذلك، فقد قال ناهض إن خيام أسرته، التي تقام من البلاستيك، وتلك الخيام الجاهزة التي وصلت عبر قوافل المساعدات، يتسرب إليها الماء، ويشير إلى أن هناك ثقوباً صغيرة تحدث في هذه الخيام خلال تجهيزها وتثبيتها، يتسرب منها الماء الذي يتكون ليلاً (الندى) بسبب برودة الجو، ويوضح أن نازحين يقيمون في الخيام الجاهزة التي وصلت كتبرعات، اشتكوا أيضاً من تسرب الماء من الخارج، ما يعرّض أمتعتهم وأغطيتهم للبلل، وهو أمر يضاعف مأساتهم، خاصة في الشتاء.وكغيره من النازحين، لا يفضل هذا الرجل هطول أمطار فصل الشتاء، التي تزيد من أوضاعهم المأساوية بشكل كبير، بسبب دخول كميات من المياه إلى خيامهم، ما يجعلها غير قابلة للسكن، ولعدم توفر أغطية وملابس تقيمهم البرد بسبب تدني درجات الحرارة.وهذا الأمر يشترك فيه حتى أولئك النازحون المقيمون في مراكز الإيواء. ونقل تقرير صادر عن “الأونروا” عن إحدى السيدات النازحات مؤخراً في مراكز الإيواء بمدينة دير البلح، وتدعى فاطمة أبو رشيد، وهي أم لسبعة أطفال، قولها وهي تصف اليوم الأول للوصول: “كانت ليلة صعبة، اختلطت فيها أصوات الانفجارات بصوت الرعد، وكان أطفالي يرتجفون، وأحضرت لنا إحدى العائلات بعض الملابس الشتوية، لكنها لم تكن كافية لنا جميعاً”.وليست هذه هي المشكلة الوحيدة التي تواجه النازحين، فعلاوة على ذلك، هناك مشكلة الحصول على المياه سواء مياه الشرب أو المياه المخصصة لأغراض أخرى، وفي مدينة رفح، أكثر المدن التي تحتضن نازحين في هذا الوقت، حيث يقيم فيها نحو 1.2 مليون، ما يمثل تقريباً نصف سكان القطاع، يؤكد سكان المدينة الأصليون والنازحون الجدد أنهم يضطرون لحمل جالونات المياه، والسير لمسافات بعيدة من أجل الحصول على هذه المياه، وذلك لعدم كفاية الكمية المحددة للمدينة لهذا العدد الكبير من السكان ومنذ بداية الحرب، اضطرت السلطات المحلية لوضع جدول توزيع المياه، الذي يصل إلى كل منطقة بحد أعلى مرتين في الأسبوع، وفي كل مرة يستمر فيها تدفق المياه لتلك المناطق لساعات قليلة، ولا تستطيع الأسر دفع المياه إلى الخزانات العلوية من بناياتها، لعدم توفر الكهرباء، كما لا يستطيع النازحون تخزينها بكميات كبيرة تفي أغراضهم واحتياجاتهم، لعدم توفر خزانات بلاستيكية تتسع لهذا الغرض، ما يجعل مخزونهم من المياه يكفي بالكاد ليوم أو أقل.إلى ذلك تتواصل شكاوى النازحين من عدم توفر دورات مياه في مناطق النزوح المقامة في الساحات العامة، تكفي أعدادهم الكبيرة.ويضطر هؤلاء للاصطفاف في طوابير طويلة أمام ما توفر من دورات مياه، وفي الكثير من الأحيان يضطر الرجال للسير بعيداً لقضاء حاجتهم في الخلاء، فيما تواجه النساء والأطفال صعوبات كبيرة.وأقام عدد من المواطنين دورات مياه خاصة بهم، رغم تكلفتها العالية في هذا الوقت، لكنهم يشتكون من عدم توفر إمدادات مياه كافية.كذلك تواجه هذه الأسر أوضاعاً صعبة في هذه الأوقات، في ظل عدم توفر أغطية وملابس شتوية تكفي احتياجات الأسر التي افترشت العراء وتقيم في الخيام، وهو ما ضاعف من أعداد المصابين بأمراض نزلات البرد، كما يعاني الكثيرون منهم من أمراض جلدية أخرى، بسبب عدم توفر عوامل النظافة الأساسية.
*المصدر : القدس العربي


1