باتت وردة الطائف رمزًا ثقافيّا يعكس هوية المدينة السعودية وتراثها العريق، متجاوزة حدود الجبال والأودية التي تحتضنها بلونها وعطرها إلى العالمية، بعد إدراجها ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونسكو.الطائف (السعودية) ـ تجاوزت وردة الطائف الشهيرة، بأوراقها الزهرية وعطرها الفاخر، حدود الوادي والجبل في السعودية، لتحجز مكانها في قائمة التراث الثقافي العالمي لدى اليونسكو.يُعد الورد الطائفي، الذي ينمو في مرتفعات جبال الهدا ووادي محرم ووادي غزال ووادي قاوة وبلاد طويرق والشفا، أيقونة تراثية ذات تاريخ عريق، ومصدر زينة عالميا يعكس التأثير الحضاري والثقافي للمنطقة. ساهم أهالي الطائف في تطوير زراعته التقليدية، ليصبح بعبيره الفوّاح رمزًا خالدًا ضمن قائمة التراث الحضاري.لم يكن ورد الطائف يومًا غائبًا عن صفحات التاريخ، إذ يحمل في جذوره عراقة الماضي وحضارة المكان. يستمتع الأبناء اليوم بإرث آبائهم وأجدادهم من شجيرات الورد، المزروعة بعمق في التربة الغنية، بينما تصمد سيقانها المكسوة بالأشواك أمام نسمات الجبال العليلة.ويتميز هذا الورد بجاذبيته محليًا وعالميًا، حيث يتكون من 30 بتلة، وهي الأوراق المتجاورة التي تشكل الزهرة، وتشتهر بنقاوتها ورائحتها الفريدة شديدة التركيز والغنية بالزيوت العطرية الفاخرة.وفّرت أرض الطائف البيئة المثلى لوردها الشهير، ما جعل العناية به إرثًا تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل. تتجلى هذه العناية في مراحل قطفه وتقطيره واستخلاص دهنه ومائه العطري، مع الاستمتاع بعبقه العريق في أجواء الطقس المعتدل والطبيعة الجبلية الساحرة على قمة جبل غزوان الشهير. وقد أصبح هذا الورد رمزًا فاخرًا يُستخدم في غسل الكعبة المشرفة سنويًا، بالإضافة إلى انتشاره بين مختلف شرائح المجتمع، وعلى رأسهم الملوك وأشهر العائلات في منطقة الخليج.خلال ظهور الورد الطائفي في أعالي الجبال لم تتجاوز شجيراته ومزارعه نطاقًا محدودًا، كما أوضح المزارع رداد بن ردة الطلحي في حديثه لوكالة الأنباء السعودية (واس). وأكد أن تطور زراعة ورد الطائف وانتشار ثقافته جعلاه علامة فارقة في الاستثمارات بالسوق السعودية، حيث يحظى برواج واسع.وأشار الطلحي إلى أن الورد الطائفي يحمل إرثًا عريقًا في طرق تصنيعه وتقطيره، معتمدًا على آلية دقيقة تبدأ بجمع الورود المزروعة بعناية في التربة المحلية. تُوضع هذه الورود في قدور نحاسية مختارة، لما تتميز به من قدرة على رفع درجات الحرارة بشكل أسرع مقارنة بالمعادن الأخرى، ما يختصر الوقت والجهد ويزيد الإنتاجية.وأوضح أن عملية التقطير تنتج ثلاثة أنواع رئيسية: ماء ورد عادي غير مركز، ماء ورد مركز يُعرف بـ”ماء العروس”، ودهن الورد، الذي يُعد الأغلى عالميًا، لما يتمتع به من جودة وفخامة لا تضاهى.بات ورد الطائف رمزًا سياحيًا بارزًا، يجذب الأنظار بفضل المهرجانات والفعاليات المخصصة له، التي تسلط الضوء على هذا الكنز العطري العريق. وتستقطب الطائف، بفضل مناخها الفريد وأجوائها الاستثنائية، أعدادًا كبيرة من السياح من مختلف أنحاء العالم، لحضور مهرجانات “طائف الورد”، التي تُعد حدثًا ترفيهيًا وسياحيًا واقتصاديًا متميزا.وتمنح هذه الفعاليات العائلات والأفراد والأصدقاء فرصة لاكتشاف عالم ورد الطائف، من خلال أنشطة متنوعة تستعرض جماليات هذا الورد الفريد، وتُبرز مراحل زراعته وتقطيره منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا، في بيئة الطائف الجبلية الشاهقة، لتبقى شاهدة على أصالة هذا الإرث العريق ومكانته المتميزة.في شهر مارس تتفتح أزهار الورد الطائفي في قمم جبال الهدا والشفا، لتُضفي على المنطقة أجواءً بهيجة ومليئة بالاحتفاء والفرح بهذا الإرث العريق. يُعَدُّ هذا التفتح علامة بارزة في تاريخ الطائف الثقافي والتراثي، حيث يعكس مكانة الورد الطائفي باعتباره رمزًا لجماليات المنطقة ووجهة ثقافية فريدة تجذب المجتمع المحلي والعالمي.ويُوثِّق خروج أقماع الورد اهتمام العرب بهذه النبتة منذ الأزل، حيث أطلقوا عليها لقب “سلطان الزهور”، ونسجوا حولها قصائدهم، مستلهمين جمالها في أغراضهم الشعرية. وقد تحوّل الورد الطائفي إلى عنصر رئيسي في المهرجانات، ليحمل قيمة فريدة تمزج بين التراث والجمال، وهو ما يتيح للسياح والزوار فرصة التعرف على تاريخه وتأثيره العميق في الثقافة المحلية، وتجربة مزيج من العراقة والجمال الآسر.وتُعرف الطائف بتعدد منتزهاتها العامة المزودة بمرافق متكاملة تحتضن الورد ، ما يجعلها وجهة مثالية تناسب مختلف شرائح المجتمع. من أبرز هذه المنتزهات منتزه الردف الذي يمتد على مساحة تزيد عن 500 ألف متر مربع، ويُعد منصة مميزة لاستضافة مهرجانات الورد. كذلك يتميز منتزها الشفا والهدا بجمالهما الطبيعي وجبالهما الشاهقة، إلى جانب حديقة الملك عبدالله وغيرها من المواقع التي أصبحت مراكز حضرية رئيسية للاحتفاء بمواسم الورد.
وردة الطائف تزهر على قائمة اليونسكو!!
05.12.2024