أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41345
خاطره..اللقلق...سمير الجندي
09.10.2011

فتحت باب غرفتي المتكاسل، يكاد نور الفجر يبزغ ، ما زال الوقت مبكرا، طال انتظاري لنهار جديد، عبثت بي أفكار اختلطت مع جحيم قلقي، ارتديت وساوسي وهمومي وخرجت مع شعاع شمس تشرين، أريد جرعتي اليومية، لأطبطب على ما تبقى في نفسي من وهج الألم، صعدت إلى برج اللقلق، لأكون أقرب إلى السماء، المدينة ساكنة، وأنا أجلس على عرشها، أرقب قمرها وشمسها، نورها وظلها، فيئها وقيظها، رضاها وبغضها، قبابها وأسطحها، جبالها وأوديتها، عشقها ونفورها، بياضها وسوادها، صخرها وترابها، نسائها ورجالها، صبيتها وفتياتها، مدارسها وبيوتها، من أمامي الصوانة وجبل الزيتون، وبعضاً من واد الجوز، ومن خلفي باب حطة، وشارع الملك المعظم عيسى... لم أجد من يقول لي من الملك المعظم عيسى! كنت أمشي يوم يوم من هذا الزقاق الذي سمي باسمه، ومنذ تعلمت القراءة أسأل نفسي؛ تُرى من هو الملك المعظم عيسى، أنا لم أسمع حينها بأي ملك معظم غير الملك حسين، لم أجد من يبدد حيرتي الطفولية، كان بإمكانهم القول بكل بساطة هو أحد الذين تركوا بصماتهم الشريفة على ذاكرتنا الذهبية، فهل يرضى ملكنا العظيم بما حلَّ بمدينته الماسية؟ وقبته النحوية؟ هل يرضى بما صار وأصبح؟
برج اللقلق مكان أجلس عليه كمن يجلس على حافة العالم، أتجرع دوائي، أترك همي وخيباتي على أطرافه، لتحملها طيور اللقلق في طريق هجرتها الشتوية، وتنثرها رمادا فوق أحلام الكون، كان ينظر نحوي دون وجل، يفرد جناحيه ويحركهما كمن يحاول شحن قوته، لكنه يقف مرة على رجل واحدة حتى تخاله لا يملك غيرها، ومرة يقف على اثنتين، طائر فتي، عيناه صافيتان تطوفان داخل أروقتي البنفسجية، ربما يريد أن يعرف سبب وجودي هنا في برجه!! لكنه يعرفني مثلما عرفني أبوه وجده، حمل همي ومأساتي وطاف بهما السماء والأرض، نقلها أينما حط وقلع، زرعها في وجدان السحاب، حتى صارت توأما لكل جارحة، ما زال ساكنا يقف على رجله اليسرى، ربما يحافظ على توازنه بهذه الطريقة! ولكن كيف يكون التوازن وقد وقف بجسمه الممتلئ على رجل واحدة؟ أليس الوقوف على رجلتين أثبت وأقوى؟ وأكثر حكمة وتوازنا؟ دعك من كل هذا، فهل لحم اللقلق لذيذ الطعم؟ لم أكمل جملتي حتى فرد الطائر جناحيه وطار طار طار حتى غاص في قلب غيمة...


1