أحدث الأخبار
الأحد 28 نيسان/أبريل 2024
الدّاءُ والدَّواءُ!!
بقلم : مها صالح* ... 05.01.2016

لا تَلْعَنْ مُصيبةً حَلَّتْ عليكَ قد تكونُ الصندوقَ الأسودَ بأسرارِه يَفُكُّ رُمُوزَ السعادة والسّلام, قد تُغَيِّرُ مجرى حياتِك, قد تَكونُ البداية لِحلم نزلَ مِن السماء لتراهُ أمامَك, قد تكونُ الشعرةَ لِحياكِةِ سُترةٍ واقيةٍ مِن مصائبِ الحياة, قد تكونُ بدايةَ نهايةِ الألم الذي قد يَغْزُوهُ الأمل, قد يستوي مِيزان الأيّام ونُصبِحُ كَسِرْبِ طَيْرٍ فَرَّ مِن مَهجعٍ قارِس البُرُودة والجَفاء إلى صيفٍ ربيعيٍّ اشتاقَ لأثير الحُبِّ, قد نُصبِحُ حُكماءَ مِن رَحم التجارِب لا مِن أفواهِ الكبار.
في أحيانٍ كثيرةٍ تكونُ السعادةُ بحياتنا مثلَ القمر في الليل يتلاشى تدريجيًّا, لكنْ لا نَضَعُ على أَعتاب خَيْباتِنا الوجهَ المُظْلِمَ له فقط… فالوجهُ المُضيْءُ قد يكونُ الرؤيةَ لِتَحديد أهدافِك وتغذية تطلُّعاتِك. قد يكونُ الكاتبُ يُعَزِّي بِكَلماتِه الكثيرَ مِن القُلُوب الحزينة لكنْ في أحيانٍ كثيرةٍ لا يَجِدُ مَنْ يُلَمْلِمُ آلامَه وَيُضَمِّدُ جِراحَه, وهُنا المُفارقة في الحياة أنْ يكونَ الراوي لِعَذاباتِهِ الدّواءَ للآخرين والدّاءَ لنفسه, مشاركةُ الناسِ همومَهم وأحزانَهم نصفُ العِلاج لأمراضٍ نفسيّةٍ قد تكونُ مُزْمِنَةً حَدَّ الشقاء أو عرضيَّة لا يُسْتَعْصى الشِّفاءُ مِنْها.
وَجْهُ القمر كالغُفْرانِ في آخِرِ الليل نَبْكِي فَيَدْمَعُ وَجْهُهُ سُكُونًا ولحظات صمت ومذاكرة لِوميض ما عِشْنا مِن دقائقَ وساعات… تَمْضِي الأيّام وَيَزِيدُ نُضْجُنا بكثرة المَطَبّات التي اعْتَرَضَتْ طريقَنا, لذلكَ لا نُغَلِّفُ مشاكِلَنا بِغِطاءٍ سَميك يَمْنَعُ الشمس والهواء مِن أنْ تَراهم؛ لأنَّنا بهما نُخَفِّفُ مِن حِدَّةِ الأزمة مهما كانَتْ عميقة. تَلْمَسُ وجهَ القمر المُشِعّ وَتَعْلَمُ مِن وَجهه المُظلِمِ ما يَرْوِي ظَمَأَك ويُغَذِّي فِكْرَك وإنْ بَدَتِ الصورة قاتِمة تَحَلَّ بالصبْرِ ولنْ أَقُولَ صَبْرَ أيُّوب الذي غادَرَ مكانه منذُ الأزل, لكن سُوَيْعاتٌ طويلةٌ لِتُقَصِّرَ جُهْدًا أَنْهَكَهُ التعب وفي المُحَصِّلة ها أنْتَ سوفَ تَرى أينَ كُنْتَ وكيفَ غَدَوْتَ وماذا سَتَكُونُ!
تطهير القُلُوب وسيلةٌ لغايَةِ تَحرير العُقول مِن السلبيّة والانجرار إلى الجُمُود الذي سيقُودُ حتمًا إلى النأيِ بالنفس عن المُجَتمع والاندماج بأطيافه كافّةً والذي أيضًا سَيَقُودُ حَتْمًا إلى الدُّخول في دائرة الحُزن والندم على ما فاتَ وما قد يَحْصُلُ. نعيشُ حاضِرًا مُزَرْكَشًا مِن صورة الماضي وبين الماضي والحاضر مُستَقْبَلٌ لنْ يَرْسمَهُ أحدٌ غيرك إنْ أَرَدْتَ أنْ تَنْفَرِدَ بِوُجُودِكَ المُمَيِّزِ أو عَيْشِكِ المُكَرِّرِ بينَ الناس. جَمِّلْ حياتَك بأقلامٍ مُلَوَّنَةٍ وارسمْ سبيلَ النجاح, لا تَنْتَظِرْ طوقَ النّجاة الذي قد يَغْدُرُكَ وَتَغْرَقُ في بَحْرِ النِّسيان والخذلان.
لندعْ للزَّمان ما سرى مِن أوجاعٍ أَتْعَبَتْ أرواحَنا، ولندعُ إلى الحِراك باتِّجاه حماية أنفسنا مِن القَهر والهَذَيان، بأنَّنا وَصَلْنا إلى حافَّةِ الحَياة ولم نَعُدْ صالحِينَ وفاعِلينَ كَبَشَرٍ. الانكسار الدائم يُرَبِّي الهزيمةَ ويُوَلِّدُ الانتحار, المَسيرُ تُحَدِّدُهُ العَزيمة, الحالِمُ يُراوِدُهُ الحُلم, السُّمُوُّ يطير مع الواثِق, الجمالُ تَرْسمُهُ أَنامِلُك, المُستقبَلُ يبدَأُ مِن الحاضِر المُعَزَّزِ بتجارِبِ الماضي, والآنَ يبدَأُ بِنَفسك…

*كاتبه فلسطينيه
1