هدد الشتاء الأسر الفقيرة وخاصة الأطفال وكبار السن، ففي الخرطوم تمتلئ الشوارع بالأطفال الذين لا سند لهم، معظمهم من الأيتام والمشردين الذين يعانون يوميا لسد رمق جوعهم ومقاومة حرارة الطقس في الصيف، والبرد القارس في الشتاء. منظمة “رفقة” ينشط بها طلبة اختاروا أن يساعدوا الأطفال الفقراء ويدخلوا عليهم البسمة بإمكانيات محدودة لكنها تنذر ببشائر إنسانية هامة.
الخرطوم – كانت السيدة الأربعينية (ع. أ) تعيش حياة هادئة مطمئنة في العاصمة السودانية الخرطوم قبل أن يتوفى زوجها منذ سبع سنوات حيث أصبح لزاما عليها أن تعيل ستة أطفال، في وضع تشاركها فيه الآلاف من الأسر.
حالة (ع. أ) التي طلبت الإشارة إلى اسمها بالحروف الأولى تعففا وحفاظا على خصوصيتها ليست الوحيدة في أطراف العاصمة السودانية، أو بين سكان الأبنية التي ما زالت قيد التشييد، فيوجد بين سكان الخرطوم -المقدر عددهم رسميا بـ9 ملايين نسمة- ملايين نزحوا من الأرياف والولايات البعيدة، هربا من الحروب الأهلية وسوء الأحوال الاقتصادية. مثلما واجهت قدرا قاسيا، انفتح أمام الأرملة السودانية باب أمل جديد، حين تعرفت عليها منظمة مجتمع مدني طلابية تعمل في مجال كفالة الأيتام.
درست منظمة “رفقة” لكفالة الأيتام حالة الأم، ثم زارت منزلها، وشرعت على الفور في إعادة ترميمه.
وتقول الأم السودانية “كان اثنان من أطفالي يعانيان فقر الدم (أنيميا)، فصارت المنظمة تقدم لهما كفالة مالية وأدوية شهريا”. وتتابع “وصار يصلنا خروف الأضحية كل عيد، إضافة إلى البطانيات وملابس ثقيلة في فصل الشتاء”.
اكتظت الخرطوم بالسكان، وانتشر الآلاف من الأطفال المشردين والأيتام في أسواقها وأزقتها الضيقة، يعيشون فقراً مدقعا وبؤسا لا تغشاه بارقة أمل.
ينتظر هؤلاء من يهتم بهم، سواء عبر مبادرات رسمية أو شعبية، لكنها قد تأتي وقد لا تأتي أبدا، فيزداد حالهم سوءا.
معظم الأسر الفقيرة تدفع أطفالها إلى سوق العمل، وبعضها تدفعهم إلى امتهان التسول، فيما تتركهم أسر أخرى يهيمون في فراغ قد يدفعهم إلى الانحراف أو يلقي بهم تحت رحمة عصابات التحرش الجنسي والمخدرات والسرقة.
ووفق الأمم المتحدة يقع نصف سكان السودان تحت خط الفقر، وهو عدد يزيد عن 15 مليون سوداني، حسب إحصاء عام 2014. ووفقاً للإحصاء نفسه يعيش ربع السكان تقريباً في الخرطوم.
ولتسليط الضوء على معاناة الأطفال الأيتام نظمت منظمة “رفقة”، الأسبوع الماضي، معرضا للصور واللوحات التشكيلية، لجمع تبرعات لمن هم في مثل حال أيتام السيدة (ع. أ).
و”رفقة” هي منظمة مجتمع مدني تنشط منذ العام 2005 في مجال كفالة الأيتام وتوفير الكساء والطعام والتعليم لهم وغيرها من الاحتياجات، فضلا عن رعايتهم حتى يصبحوا عناصر فاعلة في المجتمع. وتقدم “رفقة” كفالة شهرية للأيتام الأقل من 18 سنة، وتوزع عليهم حقائب مدرسية وسلالا رمضانية، وخراف الأضاحي، وتنظم لهم يوما ترفيهيا أثناء عطلة المدارس الصيفية.
واستمر المعرض، الذي نظم في مجمع الكليات الطبية بجامعة الخرطوم، لمدة ثلاثة أيام، وشارك فيه عدد كبير من طلاب وطالبات تلك الكليات وغيرها.
وتقول عضوة منظمة “رفقة”، أماني عبدالرحيم، “هدفنا من تنظيم المعرض هو جمع الأموال، لدعم الأطفال الأيتام”.
وتقول المنسقة الإعلامية للمشروع، نشوى عوض، إن “العمل الخيري الذي تقدمه (رفقة)، اتسع ليبلغ عدد المكفولين الكلي 350 يتيما ويتيمة حتى نهاية العام 2014”.
ومع بداية فصل الشتاء -الذي هو على الأبواب الآن- تبذل المنظمة جهودا حثيثة لتخفف معاناة الأطفال الفقراء والمشردين والأيتام، الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ببطون خاوية؛ بسبب النقص الحاد في الطعام، ليواجهوا البرد والرياح الجافة بلا أغطية.
وتقول نشوى إن المنظمة تتخذ من مجمع الكليات الطبية التابع لجامعة الخرطوم مقرا لنشاطها، وتعمل على إنجاح حملة “الشتاء الدافئ”، وتستهدف تدفئة أكثر من 500 يتيم في 125 أسرة عبر توفير أغطية وملابس.
وتضيف “تدار المنظمة بواسطة مجموعة من الطلاب من مختلف الجامعات والكليات، والبداية كانت مجهودات فردية سبقت نشأة المنظمة، نتجت عنها كفالة 5 أيتام”.
نشوى ورفاقها في المنظمة سعداء لأن “مشروع المنظمة بدأ يثمر بازدياد أعداد المتطوعين للعمل في جمع التبرعات في الخرطوم وأطرافها المترامية”.
وبالكثير من الإعجاب تضيف قائلة إن “المشروع لا يتوقف عند مساعدة الأيتام، بل يمتد ليشمل مشروع إعادة إعمار منازلهم التي دمرتها السيول والأمطار”.
السبب الرئيسي في ارتفاع عدد الأطفال الأيتام والمشردين في الخرطوم، وفق نشوى، هو “الحروب والفقر والأوضاع الاقتصادية المتردية”.
وإضافة إلى تشرد أطفال أيتام وغير أيتام، ترتبت على الحروب في إقليم دارفور (غرب)، وجنوب كردفان (جنوب)، والنيل الأزرق (جنوب شرق) أوضاع إنسانية بالغة التعقيد، أجبرت آلاف السكان على الهجرة إلى الخرطوم.
وخلَّف النزاع المسلح، المندلع في إقليم دارفور منذ العام 2003 بين القوات الحكومية وحركات متمردة، حوالي 300 ألف قتيل، وأدى إلى نزوح نحو 2.7 مليون شخص إلى خارج السودان وداخلها، وزاد من حالات اليتم بين الأطفال.
وزاد الوضع سوءا بسبب الحرب التي اندلعت بين القوات الحكومية وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان– قطاع الشمال، في جنوب كردفان والنيل الأزرق، عام 2011، حيث تأثر بها زهاء 1.2 مليون شخص، حسب إحصاءات أممية.
وفق إحصاءات رسمية يبلغ عدد المشردين في الخرطوم، وأغلبهم من الأطفال، 6 آلاف، لكن تقارير منظمات أهلية تقدر العدد بأضعاف العدد الحكومي.
ولا توجد إحصاءات رسمية دقيقة لأعداد الأطفال الأيتام في السودان، لكن وزيرة الرعاية الاجتماعية، أمل البيلي، ذكرت في فبراير الماضي أن عدد الأيتام في ولاية الخرطوم وحدها بلغ 60 ألفا حتى عام 2017، بعد أن كانوا قرابة 56 ألفا عام 2013.
وترسم أعداد القتلى في الحروب والفارين منها، والذين هربوا من أسرهم بسبب الفقر، صورة تقريبية عن الأرقام الحقيقية لتشرد الأطفال الأيتام وغير الأيتام في السودان، إذ يبلغ إجمالي عدد الفارين المعترف به دوليا 60 ألفا.
وتخطط منظمة “رفقة” لتعميم أنشطتها في كل ولايات السودان (18)، ولا يعترض أحلامها العريضة بإنقاذ الأطفال الأيتام والمشردين، إلاّ نقص التمويل الذي يعتمد بالأساس على تبرعات أهل الخير.
من يحمي الأيتام والمشردين من برد الشتاء في الخرطوم!!
بقلم : الديار ... 09.11.2017