أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الفتاة التي أحبت كرة القدم…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 02.02.2017

نشرتُ قبل أسابيع على صفحتي الشخصية في الفيسبوك تهنئة لفريق كرة القدم للفتيات في بلدتي بمناسبة فوزهن في مباراة مهمة، ودعوت الجمهور للتبرع لهن ودعمهن.
بعد أيام وصلتني رسالة على الخاص. استأذنتُ صاحبتها فسمحت لي بنشرها، بعد وضع لمساتي عليها، وهاكم الرسالة.
تحياتي لك:
لقد سررت عندما قرأت تهنئتك لفريق الفتيات لكرة القدم في بلدتك، تحية لك ولهن. فأنا عاشقة لكرة القدم، كان بيتنا وبيوت أعمامي كلها تحيط بملعب كرة القدم وسط البلدة، والسبب أن أحد أجدادنا كان قد تبرع بقطعة من أرضه وقفا للمسجد، هذا الوقف صار ملعبا، ومنذ طفولتي تغريني صفارة الحكم بترك كل شيء ومشاهدة اللعبة.
لم أكن وحيدة، كنا سربا من قريبات وجارات نتحدى نظرات وكلمات الذكور المستغربين من وقاحتنا في الإصرار على المشاهدة، واجهتنا عقبات كثيرة ولكن أعقدها عمي غضبان صاحب كشك الفلافل، سبحان الله كان اسمه يشبه تصرفاته.
كنا نحتال عليه فنتظاهر بمساعدته في عمله بإعداد ساندويتشات الفلافل والبسطرمة والمشروبات الخفيفة التي ينهمر الطلب عليها أثناء الاستراحة بين الشوطين، كان عمي غضبان ينشغل بالبيع بينما نحن نشاهد المباراة بالتناوب، وعندما تنتهي حاجته إلينا، يمنح كل واحدة منا شطيرة وعلبة مرطبات مكافأة، ثم يغلق الباب وراءنا سعيدا بالتخلص منا، لكن كنا أكثر سعادة منه، إذ نلوذ وراء كثيب تراب محاذٍ للملعب، نأكل ونتسلى ونشاهد المباراة بسعادة لا توصف.
وجودنا راق لأعين اللاعبين وأثار ابتساماتهم وحماستهم، صرنا نلقب كل واحدة منا على اسم لاعبها المفضل، أنا حظيت باسم لاعب الدفاع الأيسر (عطا العبلة)، كان عطا يرتدي رقم ثلاثة، فإذا أخطأ هتف الجمهور»يا جماهير انضموا انضموا نمرة ثلاثة يلعن دمّو»، فتسيل دموعي ألما وغضبا.
في يوم ما أحضرنا ديكا من أمام بيت عجوز قريبة من الملعب، وبعد معرفة كل فريق لمرماه، أطلقنا الديك فاتجه إلى مرمى فريق الخصم، وكان الفوز من نصيبنا، صارت هذه عادة. اللاعبون والجمهور ينتظرون الديك قبيل صفارة الحكم، فإذا ركض إلى مرمى الخصوم صفقنا له وأكرمناه بالقمح، وإذا ركض إلى مرمانا عاقبناه بنتف بعض ريشه.
عندما يقترب لاعب من الهدف نناديه باسمه يلا يلا، وعندما يسجل أحدهم هدفا نصرخ مع الجمهور ونقفز لفوق ولتحت جووووووول ونرقص فرحا، مثلنا مثل الشبان.
في يوم ما تقاتل لاعبان وتبادلا شتائم فاحشة جدا ثم شلح أحدهم سرواله للجمهور، كانت مفاجأة مذهلة، واتجهت أنظار كثيرة إلينا، وانتبه عمي لوجودنا، فخرج غاضبا من الكشك بيده سلك كهرباء غليظ ملوحا مهددا به فهربنا.
انتقلنا إلى سطح بيت أهلي للمشاهدة من خلال كوة في جدار على محيط السطح، وفي يوم ما حدث شجار كبير بعد سقوط مفتعل أمام مرمانا تحول إلى ضربة جزاء أحد عشر مترا، وفهم جمهورنا أن الحكم مرتش فالتهبت المشاعر وانهمرت الحجارة من كل صوب، تدخلت الشرطة وراحت تلقي بقنابل الغاز المسيل للدموع فسقطت اثنتان منها بيننا، شعرنا باختناق وبفلفل حارق في أعيننا وصرنا نصرخ فانفضح أمرنا، فجاء عمي غضبان ووبخني بقسوة أكثر من أي مرة وحرض والدي وأشقائي ضدي.
لم يبق لنا سوى نافذة المطبخ للمشاهدة، وانضمت واحدة تكبرنا، كانت مخطوبة لأحد اللاعبين، تأتي لتشاهده وتشجعه من نافذة مطبخي.
لم يكن للفريق مقر ولهذا اجتمعوا في بيت أحد أعمامي وأحيانا في بيتنا، فأرى وأسمع حماس الرجال والإدارة وصياحهم وخلافاتهم، كذلك كنت أسمع من يَعِدون اللاعبين بالمال في حالة الفوز، كنت أشعر أحيانا بالمبالغة بإكرام الفريق الضيف بالطعام والشراب والضحك والمصافحات، وفي سنين متأخرة فهمت أنه يوجد شراء ألعاب ورشوة حكم أو حارس مرمى، وأن هناك خيانات.
في يوم ما كانت مباراة مصيرية، تُقرر صعود فريقنا إلى الدرجة الأولى أو لا، اعتمرنا أنا ومعشر البنات القبعات وارتدينا بلوزات الفريق ورفعنا أعلامه، ولكننا ممنوعات من الدخول بين جمهورنا، فدخلنا بين جمهور الفريق الضيف القادم من حيفا الذي ترافقه بعض الفتيات، صرنا نهتف ونشجع فريقنا بأعلى أصواتنا، كانت هذه مفاجأة لفريقنا وجمهورنا والضيوف، يومها فزنا بهدفين مقابل هدف واحد وتقرر صعودنا، وكان هذا من أجمل أيام حياتي.
أقيم حفل في قاعة أفراح البلدة، كانت حالة نادرة من الفرح، ولهذا سمحوا بحضور الفتيات والنساء خصوصا من قريبات اللاعبين، كان هناك خطابات وأغان وطعام وشراب، كنت سعيدة جدا، وأنظر من بعيد إلى كل حركة ونأمة يقوم بها عطا العبلة، إلى أن تقدمت إحداهن والتقطت صورة معه، وتهامس الناس أنها خطيبته، كاد يغمى عليّ وانكفأت جانبا دامعة متحسرة بصمت مثل فاتن حمامة في فيلم قديم، كانت هذه أولى خيباتي في الحب، وآخر واحدة نادتني باسم عطا العبلة صفعتها بحذائي وتزاعلنا.
صار يدور حديث عن إعداد ملعب كبير خارج البلدة يليق بالدرجة العليا.
الملعب القديم فارغ سوى من أطفال أحدهم نصف عار ودجاجات بلا قرقرة وديك كسول وهيكل سيارة خردة وحطب وعتاد عمل وغيرها من أدوات مهملة.
خُطبتُ، ويا لحسن حظي فخطيبي يحب كرة القدم ويتابع الفريق.
في يوم ما كانت المباراة حديث الناس فقلت له خذني معك إلى المباراة، فتح عينيه مستغربا، ولم يصدق أنني أقصد ما أقول.
- تتحدثين بجد!
- نعم ولم لا! فأنا أحب كرة القدم منذ طفولتي.
- حقا..لم لا!هيا تعالي معي.
رافقني الحرس الخاص وهو شقيقي الأصغر واستقللنا سيارة خطيبي وأنا غير مصدقة أن خطيبي سيمنحني هذه السعادة.
اقتربنا من المدرج وصار قلبي يخفق بشدة، كنت على شوق لرؤية عطا العبلة بعد زواجه وغيره من اللاعبين، كانت الجماهير تنسل من صوب البلدة وكلهم من الشبان والرجال والأطفال. التفت خطيبي إليّ وقال: هل تعلمين أنك أنت الأنثى الوحيدة هنا!
-نعم..
- وهل تعلمين أن هذه المباراة ليست ودّية، وستكون نار جهنم..
نعم..
- وستكون الشتائم فيها من الزنار وتحت!
رددت وقد شعرت بأمر غير مريح
- شو قصدك يعني؟
نظر إلي بصمت ثم قال: أحقا صدّقت أني سأتيح لك حضور لعبة كرة قدم مع هذا الجمهور السافل! ثم التف بسيارته وقفل عائدا.
عزيزي، ليت في بلدتنا فريق بنات مثل فريق بلدتكم، قل لي كيف يمكن أن أتبرع لهذا الفريق!

1