التقينا في سجون الإحتلال عام 2001 في سجن نفحة الصحراوي،حيث كان قد مضى على وجود قنطار في الأسر اكثر من عشرين عاماً،عشرين عاماً لم تهن عزيمته ولن تنكسر إرادته،كنا نختلف في رؤيتنا ومواقفنا ولكن ما يجمعنا ويوحدنا اكثر ما يفرقنا.....استخبارات الإحتلال واجهزته الأمنية والقيادة السياسية الإسرائيلية كانت تقول له بإستمرار لن تخرج من هذا السجن حياً....وكان يرد عليها سأخرج حياً رغماً عن انوفكم..وسماحة السيد حسن نصرالله وعده وبر بعوده عندما قال لن يبق أسير لبناني في سجون الإحتلال...والسيد اذا وعد اوفى،ليس كما هو حال الكثير من القيادات العربية والفلسطينية المتخصصة في بيع الشعارات والمزاودات الفارغة..... تحرر القنطار مقابل جثث جنود الإحتلال في 28 تموز من عام 2008...والقنطار كان همه منذ نعومة اظافره المقاومة...ولم يكن ابن طائفة ( الطائفة الدرزية)، بل ابن قومية عروبية تمسك بها حتى لحظة استشهاده ....فلسطين كانت قبلته وبوصلته،ولم يغرق في الفتن المذهبية والطائفية،وإستناداً لذلك الموقف وتلك الرؤيا في 31 أيار من عام 1978 حاول التسلل الى فلسطين من الأردن في إطار عمله المقاوم في جبهة التحرير الفلسطينية،ولكن قوات النظام الأردني القت القبض عليه ليسجن هناك ثمانية شهور،وليخرج بعدها اكثر تمسكاً بالنضال والمقاومة،حيث قاد في 22/4/1979 عملية نهاريا بزورق مطاطي في إطار عمله وانتماءه لجبهة التحرير الفلسطينية بقيادة الشهيد القائد ابو العباس من لبنان الى شمال فلسطين المحتلة،تلك العملية التي أسفرت عن قتل ستة اسرائيليين بينهم عالم الذرة الإسرائيلي "داني هاران" واستشهاد اثنين من رفاقه هما عبد المجيد اصلان ومهنا المؤيد،وأسر هو ورفيقه أحمد الأبرص الذي تحرر في صفقة الأسرى الشهيرة،صفقة الجليل التي قادتها الجبهة الشعبية - القيادة العامة في أيار 1985،تلك الصفقة الأكثر نوعية في تاريخ صفقات التبادل التي نفذتها قوى المقاومة الفلسطينية،والتي تحرر فيها أكثر من 1150 أسيراً من أصحاب الأحكام المؤبدة والعالية،وبقي سمير في الأسر بعد جولات قاسية وطويلة من التحقيق،بدأ حياته الإعتقالية في سجون الإحتلال مرحلاً من سجن لآخر مرة معزولاً واخرى منقولاً،حيث غدا واحد من أبرز القيادات الإعتقالية في السجون بحكم التجربة والخبرة والوعي والمعرفة،ناهيك عن صلابته،النقل والعزل بغرض الحد من تأثيراته على أبناء الحركة الأسيرة،وكذلك سمير شارك في معظم،بل جميع المعارك الإعتقالية،معارك الأمعاء الخاوية،الإضرابات المفتوحة عن الطعام المفتوحة والجزئية التي خاضتها الحركة الأسيرة دفاعاً عن وجودها وحقوقها ومكتسباتها وعن حقها في تشكيل منظماتها الحزبية الاعتقالية،وحقها في تحسين شروط وظروف حياتها الإعتقالية،وتلقى العلاج،وكان سمير قائداً اعتقالياً عن جدارة حتى لحظة تحرره من الأسر.
تحرر القنطار من الأسر بفضل حزب الله اللبناني،ومع نيل حريته كانت أجهزة مخابرات الإحتلال تطارده وتلاحقه،وتعلن بانها لن يهدأ لها بال قبل تصفية الشهيد القائد القنطار،والقنطار دائماً يقول بأنه سيكون مشروع شهادة ولن يتخلى عن الكفاح والنضال ولن يتراجع،ولذلك انخرط في النضال في صفوف حزب الله اللبناني مقاوماً في لبنان وقبلها في فلسطين ومن ثم في سوريا،وترجم انتماءه بالفعل والعمل ومارس اعلى اشكال النضال،وهو الكفاح المسلح،ورغم انه يمتلك وعياً عميقاً ومثقفاً من الدرجة الأولى،لكنه ليس حال الكثير من أصحاب الجملة الثورية،أو مثقفي الصالونات،الذين يمضون وقتهم في الثرثرات والجدال البيزينطي النظري،عمد وعيه بالفعل الميداني،وقاد وبنى مجموعات عسكرية لحزب الله في لبنان وفي سوريا،وعندما شعر بأن سقوط سوريا على يد الجماعات التكفيرية والعصابات الإرهابية،سيشكل ضربة قاصمة لقوى المقاومة اللبنانية وفي المقدمة منها حزب الله توجه الى سوريا ليكون في قلب المعركة،يخطط ويوجه ويقود وقام باكثر من عملية ضد قوات الإحتلال عبر الجولان المحتل،وقد جرت أكثر من محاولة إسرائيلية فاشلة لإغتياله،وظلت اسرائيل تطارد القنطار كما طاردت من قبله الشهيد القائد الحاج رضوان عماد مغنية،فهي ترى بهذا النوع من القيادات خطر كبير على امنها وجنودها وحتى وجودها،فهذه قيادات عقائدية،مبدئية تشكل نماذج ايجابية وثورية لكل المناضلين والمقاومين،ولذلك لا بد من إغتيالها وتصفيتها،بالإضافة الى كونها وجهت ضربات مؤلمة للإحتلال وجنوده واجهزة مخابراته.
الشهيد القنطار تربى في أسرة مناضلة وكذلك كانت بيئته بيئة مقاومة ونضال الأم والأب والشقيق،وكذلك هي زوجته الإعلامية السيدة زينب برجاوي العاملة في قناة العالم الفضائية.
القنطار كانت لديه الطريق واضحة لا تحتاج الى فلسفات الظرف الموضوعي والظرف الذاتي ومدى نضوجهما،وغير ذلك من المقولات والنظريات،كثف رؤيته وموقفه في لقاءه مع فضائية الميادين في تموز الماضي ضمن برنامج "لعبة الأمم" مع الصحفي سامي كليب،حيث قال "أنا رجل مقاوم وخرجت من الأسر واستمريت في هذا الخط، وأنا لم أخدع أحداً، حتى عندما كنت في الأسر قلت بأنني خارج من الأسر لأواصل درب المقاومة،وكلما تجد مناضلاً بهذا العنفوان والإنتماء والوضوح،فالكثير من المناضلون في السجون،تعتقد بانهم تشربوا الثورة والكفاح والنضال جبل في دمائهم وعروقهم،ولكن ما ان تتخطى أرجلهم عتبات وبوابات السجن،حتى يتراجعون عن ما يقولونه ويعلمون ويثقفون به ويغادرون طريق النضال الى غير رجعة.
قليل هم من المناضلون من ينعون شهداءهم كما نعى المناضل بسام شقيق سمير،والذي حمل قضيته وقضية الأسرى اللبنانيين طول فترة اعتقاله لمدة قاربت الثلاثين عاماً،حيث قال في تغريدة له على موقع "تويتر" "بعزة وإباء ننعي استشهاد القائد المجاهد سمير القنطار ولنا فخر انضمامنا إلى قافلة عوائل الشهداء بعد ٣٠ عاماً من الصبر في قافلة عوائل الأسرى".
إستهداف الشهيد القنطار،استهداف لكل المناضلين والمقاومين على مختلف انتماءاتهم ومشاربهم السياسية والفكرية فلسطينيين ولبنانيين وسوريين وغيرهم،والقنطار عمد انتماءه بالشهادة اعلى شكل من أشكال النضال.
المحلل العسكري الإسرائيلي "روني بن يشاي" في مقالة تحليلية له في صحيفة يديعوت احرنوت الإسرائيلية بعنوان "لماذا اغتيل القنطار" يقول"لدولة اسرائيل حساب دم طويل مع سمير القنطار، فهو قتل وجرح، وفي الاساس خطط وبادر لتنفيذ عمليات "ارهابية " ضد الاسرائيليين، منذ ان كان في الـ 16 من عمره الى ان قتل بيديه ابناء عائلة "هرن" وشرطيين على ساحل نهاريا وحتى يومنا هذا، لكن ما يميز القنطار عن بقية " الارهابيين " الذين عملوا ويعملون ضدنا كونه من ابناء الطائفة الدرزية في لبنان، اضافة الى عدم تراجع او انطفاء جذوة النضال ومستوى كراهيته ورغباته القاتلة، حتى بعد ان امضى 30 عاماً في السجون الاسرائيلية.
عملية اغتيال الشهيد القنطار،تثبت الطبيعية العدوانية لهذا الإحتلال الصهيوني،هذا الإحتلال الذي توفر له امريكا ومعها الغرب الإستعماري كل مقومات البقاء والحصانة من أي قرارات او عقوبات تتخذ بحقه او تفرض عليه في المؤسسات الدولية نتاج لما يرتكبه من جرائم وخرقه المستمر وعدم احترامه لكل الأعراف والمواثيق الدولية،ىن الآوان لكي يعاقب ويدفع ثمن ما يرتكبه من جرائم وعدوان.
وداعٌ رفيقنا القنطار ....!!
بقلم : راسم عبيدات ... 20.12.2015