شركة عربسات توقف بث قناة الميادين وتطلب من الحكومة اللبنانية وقف بث القناة من بيروت. هذا مؤشر قوي على أن أحوال العرب أسوأ بكثير مما يتصور البعض، وأن العرب ما زالوا في درك أسفل من ناحية احترام الإنسان وحرية التعبير عن الرأي وحرية الناس في سماع مختلف الآراء. وهذا إجراء يوصل رسالة مقيتة عن العرب وجهلهم وسوء صنيعهم وإصرارهم على الأداء المتدني في مختلف مجالات الحياة وتأبيد التخلف. إنه إجراء يسيء للعرب جميعا ويرسخ لدى أمم كثيرة انطباعات غير حميدة عن العرب واحتقارهم للمواطن العربي المقصود والمتعمد.
العرب قراطية هي الديمقراطية العربية، والتي لا علاقة لها بالديمقراطية الفعلية. نحن العرب لا نحترم قيم الديمقراطية ولا نحترم الرأي الآخر، ونحن إقصائيون فاسدون ونعاني من خبث القبلية العربية التعصبية التي لا ترى أبعد من رأس أنفها، ولا ترى في الكون سادة غيرها. نحن الذين نرفض نتائج الانتخابات، وعادة ننقلب عليها لنقيم بدلا منها فتنا وحروبا وسفك دماء يدفع ثمنها المواطنون المساكين المغلوبون على أمرهم والذين لا حيلة لديهم للتخلص من الاستعباد والاستحمار والاستغلال والتهميش والاحتقار.
إذا كان من قنوات فضائية أن تتوقف عن البث فهي القنوات الرسمية العربية التي تتبنى التضليل كأساس لبرامجها الإعلامية. إنها القنوات التي تكذب وتكذب وتستمر في الكذب، وهي التي تصف الحقير رئيس الدولة أو الملك بأنه رأس الحكمة والعظمة والعزة، وهو في الحقيقة رمز الذل والهوان والهزائم والتعصب وهو رأس الفتنة الذي لا يستطيع النوم بهدوء إلى على نهب أموال الناس وسفك دمائهم. وإذا كان لقنوات أن تغلق فهي قنوات الفتنة والفساد التي لا تتوقف عن بث السموم في صفوف الأمة، وتبث الكراهية والبغضاء والأحقاد بين الناس وتعتدي على التعاليم الإسلامية السمحة. إنها قنوات الدماء وإزهاق النفوس وتمزيق شرايين الحياة، وكذلك قنوات الجن والعفاريت والعقلية السحرية التي تصر على إبقاء الأمة في حالة غيبوبة تامة ولا تجتر إلا الأوهام والظنون الخائبة.
ما يجب أن نحرص عليه هو وصول مختلف الآراء لجمهور الناس، ومن المفروض أن تتوفر الأمانة لدى رجال الإعلام لإيصال الحقيقة، ولا يحق لمحطات بث تجارية موالية لأنظمة عربية أن تقيم هذا الرأي أو ذاك لأنها نفسها تغرق في التزييف والتزوير والتضليل، وهي شريك الأنظمة في قمع الإنسان العربي واستغلاله وبث الذل والنذالة في نفسه.
ليست المرة الأولة التي تمارس فيها شركة عربسات القمع الفكري والثقافي وسبق لها أن أوقفت بث محطات فضائية أخرى. وعمل هذه الشركة يؤكد الحلف الشيطاني الذي يقوم بين بعض حكام العرب والرأسماليين مصاصي الدماء وبعض رجال الدين الفاسقين وأغلب الإعلامين الكاذبين المروجين لأسيادهم الذين يقدمون لهم المال والامتيازات. هناك حلف مارق رباعي في الساحة العربية يتمثل ببعض الأنظمة العربية مثل السعودية والأردن ورؤوس الأموال الكبيرة التي لا يهمها سوى مصالحها المرتبطة مع السلطات الحاكمة حتى لو كانت الكيان الصهيوني، وعدد كبير من رجال الدين الذين لا يعرفون الله ولا يتقونه والذين باعوا آخرتهم بنذالتهم الدنيوية، والعديد من رجال الإعلام الذين يرون في موالاة السلطان المجرم استمرارا للنعم والمال الخسيس.
لا يمكن أن تكون عربسات قد تصرفت من تلقاء نفسها، هناك من دول العرب من ضغط عليها، وهي لا تستطيع إلا أن تستجيب حفاظا على مصالحها. وعملها هذا لا يخرج عن أنظمة عربية موالية لأمريكا وإسرائيل، ولولا انزعاج هاتين الدولتين لما تحرك العرب لإسكات الرأي الآخر.
والسؤال: ما الذي يضير العرب في سماع الآراء الأخرى؟ أم من الأفضل أن نبقى بلهاء يسيطر علينا المتنفذون الذين لا يرعون في الأمة إلا ولا ذمة؟
ما دام الأمر كذلك، فإن علينا نحن العرب أن ننتظر أياما أشد حلكة وسوادا من هذه الأيام التي تشهد جز رقاب أبناء العرب. نحن مقبلون على مجازر أكبر وأعظم، وهذا الظلم الذي يمارس ضد أبناء الأمة لا يمكن أن ينتهي إلى خنوع. إنه الوقود الحقيقي للثورة التي ستأكل الأخضر واليابس وتعيد الأمة سنوات كثيرة إلى الوراء زيادة على الوراء الذي نحن فيه.
عربسات والعرب قراطية!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 07.11.2015