في شعوب الغرب المتقدمة، يدشن المسؤول فترة ولايته بخطبة قصيرة يلخص فيها خططه المستقبلية التي تنبع من برنامجه الانتخابي او الترشيحي، ان كان مرشحاً ضمن هيئة او مجلس. وكوننا دولة (متقدمة الى الوراء)، على حد وصف الشاعر محمد الماغوط للدول العربية، فقد صار هذا التقليد شائعاً لدى ساستنا العظام الذين صار بعضهم «يخطب» بمناسبة ومن دون مناسبة، ببرنامج او من دون برنامج، يكفي ان يقف خلف منصة، وامامه صفوف من اللاقطات التي تفوقت على اجندات برامجهم الانتخابية. ويبدو ان ظاهرة (ترامب) الملياردير والاعلامي الاميركي الذي رشح للرئاسة قد لفتت انظار بعض مسؤولينا، كونه نال شعبية كبيرة من خلال مناظراته التي يتابعها الجمهور الاميركي «للتسلية» فقط، كونه رجلاً مسلياً وغريب الاطوار، يبدو ان ظاهرة ترامب تستحق التقليد، مما استدعى احد المسؤولين الذي تم تنصيبه كمحافظ بعد «خلع» السابق، والذي اختار ان يدشن مسلسل خطبه ببرنامج انتخابي «اثار ضجة» ولكنه لم يكن مسلياً مثل ترامب.
المثير في الامر، ان السيد المسؤول، وهو يقص شريط ولايته الاولى، لم يتذكر التظاهرات ومطالب المتظاهرين، ولا الفساد والمفسدين، ولا القتال والمقاتلين، ولا ازمة الموازنة والنفط والفقر و"المستفكرين"، بل اختار موضوعاً فلسفياً فقهياً خطيراً ازلياً كمادة لبرنامج عمله في محافظته الا وهو «الفرق بين الستر وعدمه». فكما داخ الفقهاء والفلاسفة منذ بداية التاريخ في السؤال حول من خُلق اولا، البيضة ام الدجاجة؟ يأتي صاحبنا ليبتدع سؤالا فلسفياً جديداً، أيهم أكثر حشمة، «بنات بغداد»، ام بنات النجف؟ وهل تختلف تقاليد هذه المحافظة عن تلك، وماهي فلسفة الحشمة؟
بصراحة، انها أسئلة تستحق الوقوف عندها في ظل (الوكسة) التي يمر بها البلد، والتي دفعت حتى الرضيع الى الهجرة والغرق على سواحل المتوسط. فمن يفكر في ماطرحه المسؤول من قضايا جهنمية تدور حول (النسوان) ومقاييس (العفة والشرف) يجعلنا نفكر بأن السيد المسؤول ربما لم يزر بغداد يوما، ولم يشاهد بناتها اللواتي بفضل مشاريعهم الدينية ودولتهم الخالية من الامن والامان، ارتدى معظمهن حجاباً او غطاء رأس، او أي شئ يحميهن من شراهة القادمين من الظلام. كما ان من يتتبع ديموغرافيا البلد منذ 2003 وحتى الآن، يلاحظ ان سكانه صاروا مثل (الدجاج الدايخ) من تهجير الى تهجير ومن نزوح الى نزوح حتى ضاعت سمة المحافظات، فسكنت بنات بغداد والموصل والرمادي في كربلاء والنجف، وتنقلت بنات النجف والجنوب وغيرها الى بغداد جراء الانفتاح في فرص العمل والحياة.
لااعلم لم انزعجت بعض النساء من تصريح السيد المسؤول، فان كانت بنت بغداد قد تفوقت على بعض الرجال في جرأتها وشطارتها، فذلك لأن امثال هذا المسؤول اجبروها على الخروج بعد ان تسببوا في حرمانها من الزوج او الاب او الابن او الاخ، وواجهت وماتزال حرب الانفجارات والموت والخطف، بينما يستودع السادة المسؤولون نساءهم «في الحفظ والصون» في بلدان اخرى.
سؤال برئ اخير.. كنا شعبا واحدا قبل 2003، وبعدها صرنا طوائف وقوميات ومللاً واحزاباً و"بلاوي سوده" تدفع كلها الى الفرقة والتفرقة، فهل نحتاج الى بث نوع جديد من الفرقة بين المحافظات هذه المرة.. والادهى والامر.. (بين النسوان)؟؟؟
بنات بغداد ..!!
بقلم : بشرى الهلالي ... 25.09.2015