أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
قرف يِقرفكم ويقرف الانتخابات!!
بقلم : سهيل كيوان ... 04.12.2014

«قرف يقرفكم ويقرف الانتخابات»، هذا هو لسان حال جمهور الإسرائيليين في هذه الأيام، فقد ملوا من الوقوف أمام صناديق الاقتراع، ملوا الدعايات الانتخابية وإطلالات رجال السياسة بوجوههم المدبوغة على الشاشات وهم يتوعدون ويعدون بحـــل المشاكـــل الأمنية والاقتصادية، ملوا نشوء أحزاب جديدة مع آمال وشعارات كبيرة كأعشاب طفيلية هائلة، لا تلبث أن تتضاءل وتتلاشى مع ظهور شمس الصيف الحارقة، ملوا الوعــــود التوراتية في إنهـــاء الحروب وتحويل السيوف إلى مناجل وطائرات الأف 16 إلى بلابل، فلا تكاد تمر دورة انتخابية جديدة بدون عدوان جديد وأمل في حسم الصراع، ليكتشفوا الوهم بعد الوهم، وأن قوتهم تتآكل أمام قوى جديدة تظهر في كل جولة، ويجدون أنفسهم في واقع أمني شخصي وجماعي أكثر سوءاً من سابقه.
بلا شك ان الديمقراطية نعمة كبيرة، ولكن مثلها مثل أي نعمة أخرى عندما تزيد يبطر الناس، بل تصبح مصدراً للإزعاج والقرف، وميداناً للانتهازيين والنصابين والوصوليين.
الإسرائيلي قرف الانتخابات ليس فقط لأنها مكلفة اقتصادياً، وهذا سيكون من جيوبه، بل الأهم أن الإسرائيلي يعرف أنها لن تحمل له بشرى جديدة، هذه النعمة الكبيرة التي لأجلها تقاتل الشعوب وتُسفك دماؤها، هذه الديمقراطية التي لأجلها ارتوت جدران السجون في أنظمة الظلام عبر الكرة الأرضية وخصوصاً في بلاد العرب بالدماء، هذه الديمقراطية الإسرائيلية الصهيونية باتت رحاها تدور بلا طحين، ما عادت تفرز سوى دماء مهدورة جديدة، ويأس جديد من إمكانية العيش في هذه البلاد بأمان وسلام ورخاء وطمأنينة في الحاضر والمستقبل.
هذه النعمة التي اسمها ديمقراطية، رسالة مقدسة، يتلهف ويتحسر عليها بشر كثيرون محرومون كما في بلاد العرب، هذه الجميلة التي على مذبحها يستشهد مئات الآلاف، أوصلت أناساً تجاراً يسعون للوصول إلى مصادر القرار والمال والنفوذ لتحقيق مكاسب وطموحات شخصية، بينما الدماء تسكب والحرائق تشتعل في كل مكان.
هناك مشكلة تواجهها الصهيونية لن تحلها الديمقراطية ولا الدكتاتورية،لا الجمهورية ولا الملكية، لا الشورى ولا الخلافة، ولا أي نوع من أنواع الحكم، وذلك أن المشكلة في جوهر الفكرة الصهيونية نفسها، وليس في نوع النظام أو الأشخاص الذين قد يصلون لقيادة دفتها.
مشكلة الديمقراطية الصهيونية ليست بسكن أرخص ورفاهية، ولا في بطالة وزواج مدني أو ديني أو مثلي جنس، ولا مشكلة الحد الأدنى من الأجور، لا ولا حتى مشكلة العودة للتفاوض مع السلطة الفلسطينية، ولا فتح أو عدم فتح المعابر في قطاع غزة.
مشكلة الديمقراطية الصهيونية بأنها مجتزأة، مبنية فوق أسس خاطئة، مبنية على العنصرية وعلى إلغاء الآخر وهذا سر أزمتها، فهي مبنية على شفا جرف هار، منذ أسست لا تكف عن المحاولة الدؤوبة للتخلص من الآخر، على نفيه، على اضطهاده، وعدم التسليم بالتعايش معه بمساواة وسلام وهذه يفسد أبسط قواعد الديمقراطية، مأزومة لأنها مبنية على نهب أرض الآخر وحقوقه، ديمقراطية لها ناس وناس، العنصرية في جيناتها، مريضة بالولادة وحتى بالوراثة، تنتقل من جيل إلى جيل ويزداد حالها سوءاً، وستبقى كسيحة مهما حملت من قوة، لأن القوة مهما بلغ شأنها لا بد وأن يكون من ورائها فكر قويم وإلا دمرت ذاتها في نهاية المطاف حتى لو دمرت كل ما يحيط بها، إنها مريضة بمرض عضال لن يجدي معه شيء سوى الاستئصال، استئصال الفكر العنصري من أساسه، من جذوره و مصادره ومقومات وأسباب نموه ووجوده.
هذا الفكر العنصري الاستعلائي جعل من الديمقراطية جسراً للفاشية (بالقانون)، هذا الفكر سن مئات القوانين العنصرية (ديمقراطياً)، وسفك ويسفك دماء الآخرين ديمقراطياً، هذا الفكر المأزوم، لطمه شعب فلسطين في غزة والضفة والداخل في صموده وتحدّيه، لطمتها الدول التي تعترف بفلسطين، وآخرها برلمان فرنسا، لطمته الشركات التي تقاطع البضائع القادمة من بلاد تنتج الصناعات الدقيقة والعنصرية.
لا حل للتناقض الكبير الذي تعيشه الصهيونية إلا بيد العرب عموماً والفلسطينيين بشكل خاص، لأنهم هم سبب أزمتها، فقد ثبت أن العرب لم يموتوا إلا في شعر نزار قباني، ولم يفنوا ولم يتبخروا إلا في بعض الشطحات الإبداعية، العرب وفقط هم القادرون على إعادة الإسرائيليين على جميع أطيافهم إلى الرشد الإنساني المفقود، والتنازل عن الفكر المشوه في نظرته للأنا والآخر.
إلا أن ما يطيل عمر هذا الفكر هو العرب أيضا، عندما يُقتل المتظاهرون في ميادين العرب وتنقل جثثهم بالجرافات بلا حساب، وتقطع رؤوس الأسرى، عندما تُكتشف كل بضعة أيام مقبرة جماعية في مكان ما في أرض العرب، عندما ينفجر العرب في الأسواق وبيوت العبادة، عندما تصدر الفتاوى بالقتل مما هب ودب ضد الفنانين والمبدعين والمفكرين و «المرتدين»،
عندما يصبح الإعلام الكاذب هو سيد الموقف، إعلام الأنفاق من غزة إلى تونس، إعلام (الشباشب العكاشية)، عندما يكون ثمن البقاء في السلطة أربعين عاماً من الوالد للـــولد دمار البلاد وأنهار الدم، فإن الصهيونية على كل بشاعتها ترى أنها الأفضل، لأنها تقـــــارن نفسها بأنظمة أسفل وأدنى، حينئذ ترى أنها قادرة على الاستمرار في نهجها العنصري تجاه الآخر حتى إبادته، لأنه هو نفسه يعمل على إبادة أبناء جلدته، العرب هم سبب استمرار الصهيونية بفكرها البائد رغم أزمتها الطاحنة، وسيكونون هم أنفسهم سبب القضاء على هذا الفكر المريض، بعد شفائهم من أمراضهم…

1