أحدث الأخبار
الأحد 05 أيار/مايو 2024
ثورية أمريكا ورجعية «ثوارنا»…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 12.06.2014

ما زال بعض»الثوريين» يعتبر أن شتم أمريكا هو أعلى مراحل الوطنية، ويكتفي بالقول إنه لا يقف حيث تقف أمريكا إثباتًا لوطنيته، ولا يلبث أن يبدأ بسرد تاريخ وجرائم الأمريكيين منذ الهنود الحمر إلى غوانتانامو مرورًا بملجأ العامرية والدعم المطلق لإسرائيل في مواجهة حركات التحرر في العالم.
كل ما قيل ويقال عن همجية أمريكا في تعاملها مع الشعوب الطامحة للتحرر صحيح. ولكن يجب أن نرى الوجه الآخر لأمريكا والوجه الآخر للأنظمة التي تدعي العداء لأمريكا، يجب أن نرى أن رجلا أفريقيًا من كينيا هاجر إلى أمريكا في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وبعد أقل من خمسة عقود إنتخب ابنه المدعو باراك حسين أوباما رئيسًا لأعتى قوة في التاريخ البشري، هذه الثورية ربما لا تعادلها ثورية في مكان آخر من العالم بغض النظر عن سياسة أمريكا الخارجية، وهنا يحق لنا أن نتساءل وخصوصًا لرافعي لواء القومية والمتاجرين بها، هل يمكن لمهاجر عربي إلى قُطر عربي آخر أن يحلم بهكذا منصب في بلد عربي شقيق! بل هل يستطيع أن يمحو عن نفسه كنية أو صبغة اللاجيء أو الغريب أو الدخيل بعد خمسة عقود؟
صحيح أن جرائم أمريكا بحق الشعوب أكثر من أن تحصى، وهي مستعدة لخوض حروب مدمّرة لأجل مصالحها، هذا يعرفه كل طفل، ولكن ألا تعيش المنطقة العربية حالة استنزاف ونهب لثروات شعوبها من قبل الأنظمة نفسها!
صحيح أن أمريكا أقامت سجن غوانتانامو وهذا أمر وحشي وهمجي، ولكن ألا يعج وطننا العربي بالسجناء السياسيين أضعاف ما يوجد في غوانتانامو، بل ويُعدم الكثيرين منهم في ظروف لا يدري بها أحد!
نحن الذين نتحدث عن التحرر والنضال ضد الإمبريالية والصهيونية،هل تتمتع شعوبنا بحرية التعبير والإبداع والنقد بدون أن توجه تهمٍ جاهزة لها مثل التكفير والردة من قبل بعض الأنظمة أو التآمر والخيانة على مصلحة واستقرار الوطن لدى أنظمة أخرى؟! هل استقرار الوطن ومصلحته تعني أن لا تتنفس إلا في مدح الحاكم كي تضمن طعامك وشرابك بلا تفكير نقدي لما يدور حولك في كل مجالات الحياة؟!
لو فتحتْ أمريكا وغيرها من دول الغرب أبوابها للعرب لرحلوا إليها بعشرات الملايين! ألا يعني هذا أن هناك من جعل الوطن العربي جحيمًا، ألا يعني هذا أنه لا شأن لأمريكا ودول الغرب في قذاراتنا الداخلية، سوى أنها تستخدم للتغطية لإستمرار هذه القذارة؟!
أليست أنظمتنا هي التي تدفع المواطن لركوب البحر والمغامرة في وسائل بدائية، وقد يقضي بعضهم غرقًا كي يهرب من جحيم وطنه إلى دول الكفر والدول المتآمرة علينا!
لماذا لا نرى أوروبيين أو أمريكيين يهاجرون إلى بلاد العرب هربًا من حكامهم مصاصي دماء الشعوب والعنصريين؟! لماذا لا نرى أسرًا أوروبية تترك بلادها وتأتي إلينا، بينما ملايين الأسر العربية موجودة هناك؟! لماذا يضيق العالم العربي بأهله، ومعظم العواصم العربية تعيش أزمات سكنية،علمًا أن العالم العربي أكبر مساحة من الولايات المتحدة والهند مجتمعتين، وثرواته لا تقل عن ثروات أمريكا! لماذا أصبحت أمريكا «الولايات المتحدة الأمريكية» بينما التفكير بـ (ولايات متحدة عربية) يعتبر ضربًا من الوهم والخيال، وقد يعتبر خيانة وطنية في بعض الأقطار العربية!
قبل أسابيع قرأت خبرًا أن محكمة أمريكية حكمت لرجل مسلم من أصل تونسي بمليون ونصف المليون دولار تعويضًا، بعدما أثبت محاميه أنه عانى من التمييز بسبب لحيته وشكله الخارجي!
لو طرد عامل عربي في أي قطر عربي من العمل بسبب لحيته أو شاربيه وسالفيه أو لأنه علق صليبًا أو أي شارة دينية أخرى في عنقه، كم يساوي هذا المواطن في قضائنا؟!
كم عالم وباحث عربي هاجر إلى أمريكا وبلاد الغرب لأنه لم يجد في بلده من يحتضن موهبته ويقدّرها ويرعاها ويفجّر قدراته وطاقاته! ما هو العرض الذي قدمته الحكومة المصرية للعالم أحمد زويل كي تغريه بالبقاء في بلاده في حينه؟! مدير مدرسة ثانوية!!
وطنية شتّامي أمريكا تشبه وطنية تشاوشيسكو في رومانيا وأنور خوجة في ألبانيا وكيم جونج في كوريا الشمالية الذين امتصوا دماء شعوبهم وحالوا بينها وبين حريتها بينما هم يحذرون الشعب من مؤامرة عالمية على الوطن، هؤلاء جاهزون لتوجيه تهمة العمالة والخيانة لكل من تسوّل له نفسه أن ينتقد حكمهم! والكارثة أن هناك قطعانًا رددت معهم خوفًا أو طمعًا نظرية المؤامرة!
يرفع بعض المثقفين العرب في دفاعهم عن النظام السوري الشعار السخيف «لا أقف حيث تقف أمريكا». وينسى هؤلاء أنهم يقفون حيث وقف تشاوشسكو وأنور خوجة والقذافي وموسيليني وفرانكو وحيث يقف الآن بشار الأسد وتنظيمات داعش والنصرة التي تقتل الأبرياء وتذبح الثورة.
الوطنية ليست بشتم الإمبريالية واتهامها بسلب حريتنا بينما نحن نحكم شعوبنا بالحديد والنار.
الوطنية ليس بشتم الإمبريالية التي تمتص خيرات بلادنا بينما نحن أول المعتدين على المال العام دون رقيب أو حسيب.
الوطنية ليست تعصبًا أعمى لشخص أو حزب أو نظام أو عقيدة على حساب تنمية وتربية أجيال على الثقة بالنفس والتسامح مع الآخر المختلف، سواء كان مختلفًا في الحزب أو الدين أو المذهب أو الجنس أو العرق أواللون أو الطبقة الإجتماعية أو القبيلة.
الوطنية هي في الحفاظ على حقوق العامل والموظف، وليس فقط حقوقه التي تكفل له العيش المادي بكرامة، بل أيضًا حقه في عقيدته وقناعاته ومبادئه السياسية والدينية دون مضايقته.
الوطنية هي أن يكون كل الناس متساوين أمام القانون من أكبر زعيم إلى عامل النظافة، والشعور بأن القانون يحمي الضعفاء حتى لو كان غريم أحدهم هو حاكم البلاد نفسه.
الوطنية تعني أن الشعب والوطن هو الذي أنجب الزعيم والقائد والرئيس والوزير والموظف الكبير، وليس الحكام هم الذين أنجبوا الوطن والشعب. لو راجعنا أنفسنا لوجدنا أن الكثير الكثير جدًا من القيم الثورية والإنسانية الراقية نجدها لدى الإمبرياليين وفي بلاد «الكفر»، بينما نجد الكثير من القيم العفنة لدينا مغلفة بشعارات ثورية ووطنية تارة ودينية تارة أخرى لدى حكامنا أو لدى بعض الذين يطمحون لأن يكونوا حكامنا..

1